كم هو مرير، وكم يحزُّ في النفس أمر الأنظمة العربية التابعة للهيمنة الأمريكية؟!.
من الطبيعي أن تتغير القيم عبر التاريخ، ولكن يُفترض - مع تراكم الإنجازات الحضارية الإنسانية - أن يكون التغيّر نحو تجذير وتكريس القيم الإنسانية، وليس نحو التخلي عنها واستبدالها بكل النقائص والرذائل والموبقات التي ترفضها الأديان وتحتقرها القوانين الإنسانية الوضعيّة!.
كانت الهيمنة عبر التاريخ البشري تتم عبر قيام العدو بتجييش جيوشه واستقدامها لاحتلال بلد ما، فيتصدى لها جيش البلد المُستَهدف، وغالباً يتم استنفار جميع القوى، فيلتحق بالدفاع عن الوطن كل القادرين على حمل السلاح.
وفي كثير من الأحيان كان يتقدّم معارك الدفاع المقدس عن الوطن والشعب قادة يؤمنون بقدسية التراب والدفاع عنه حتى لو كانت موازين القوى تشير إلى حتمية خسارة المعركة في وجه المعتدي.
ألم يتقدم يوسف العظمة وزير الحربية السورية (كما كانت تُسمى آنذاك) جنودَه في منطقة ميسلون غربي مدينة دمشق على الطريق الواصل إلى لبنان للتصدي لقوات الاحتلال الفرنسي التي كانت تتقدم لاحتلال دمشق في 24 تموز 1920؟.
ألم يخض المعركة بعدد من المقاتلين لا يتجاوز 3000 رجل مزودين بمعدات بسيطة؟.
ألم يواجه الجنود والضباط الفرنسيين الغزاة الذين كان يزيد عددهم على 9000 ضابط وعسكري مزودين بأحدث صنوف الأسلحة التي كانت متوفرة آنذاك، ومنها الطائرات والدبابات والمدافع الحربية؟!.
ألم يَقتل يوسف العظمة ورفاقه حوالي 200 ضابط وعسكري فرنسي قبل أن يستشهد، و قبل أن يتمكنوا من دخول دمشق؟!.
وبعد ذلك ألم يحارب الرئيس بشار الأسد دفاعاً عن سورية الوطن والشعب منذ أحد عشر عاماً حتى الآن، رغم اشتراك أكثر من ثمانين دولة في الحرب ضد سورية، وعلى رأسها أمريكا (أقوى قوة عسكرية ومالية في العالم)، ومن خلفها الحلف الأطلسي بجبروته، بالإضافة إلى معظم الأنظمة العربية الخادمة لأمريكا؟!. ألم يكسر الرئيس الأسد إرادة قوى العدوان؟.
ألم يمنعهم من تحقيق هدفهم في تفتيت سورية؟.. ألم يمنعهم إلحاقها بالمشروع الصهيوني؟.. ألم يمنع داعش والنصرة وجراءَهما من إقامة إمارات تكفيرية تتقاتل، ذبحاً وتفخيخاً وتفجيراً، بالشعب السوري عقوداً وقروناً قادمة؟.
إن المسألة هي مسألة الكرامة والشجاعة والإيمان بقدسية الحق، وبالتالي بقدسية الوطن.. كيف لا يكون هذا الإيمان متجذراً ومتأصلا لدى الرجال، والوطن هو الماضي الذي عاش فيه الآباء والأجداد، وهو الأرض التي تحتضن جثامينهم وتحلق في سمائها أرواحهم؟!.
كيف لا، والوطن هو ذكريات الطفولة وحكايات الجدة ومقاعد الدراسة، وأول خفقة للقلب الذي عشق بنت الجيران.
كيف لا والوطن هو الحاضر وهو مستقبل الأبناء والأحفاد، والأمل الذي يضمن عيشهم الآمن والكريم.
نعود إلى مرارة الوضع العربي الراهن، إلى الأنظمة العربية التي ارتهنت لأمريكا، وإلى خطورة دورها على مصالح الشعب العربي من المحيط إلى الخليج..
هذه الأنظمة هي التي تقدم أفضل الخدمات لأعداء الأمة العربية، وبسبب هذه (القيادات) لم تعد أمريكا بحاجة إلى تجييش جيوشها واستقدامها لاحتلال الأرض العربية ونهب ثرواتها وتركيع شعوبها..
إن تلك الأنظمة تقوم بالمهمة نيابة عن الجيوش المعادية، فهي التي أقامت المحطات الفضائية التكفيرية التي تبث الفرقة والأحقاد بين أبناء الأمة الواحدة، واستأجرت الأقلام العميلة المسمومة ضد شرفاء الأمة ومقاوميها والمدافعين عن حقوقها، والمؤمنين بتحرير الأرض العربية المحتلة وباستقلال القرار وسيادته وبعدم الخضوع لأمريكا ورفض الانخراط في مشاريعها التفتيتية التدميرية، وبالوقوف في وجه تسيّد الكيان الإسرائيلي على المنطقة العربية والامتناع عن الصلح المجاني معها.
باتت بعض الأنظمة العربية تدفع كلفة الحروب التي تشنها أمريكا على العرب عن طيب خاطر، ولا تخجل من الاعتراف لذلك!.
ألم يعترف رئيس وزراء قطر السابق "حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني" بدفع 134 مليار دولار لتدمير سورية.
رحم الله الشاعر عمر أبو ريشة، وهو القائل مخاطباً الأمة العربية:
ودعي القادة في أهوائها.. تتفانى في خسيس المغنمِ
لا يُلام الذئبُ في عدوانه.. إن يكُ الراعي عدوَّ الغنمِ
نعم صدق أبو ريشة، لا ينفع لوم أمريكا فهي، وإن كانت معتدية، لكنها تعمل لتحقيق مصالحها العدوانية على حساب مصالح شعوب منطقتنا..
أما أن تعمل بعض الأنظمة العربية مع العدو ضد مصالح الشعب العربي، فهذا أمر يعني أن " الراعي عدو الغنم"، وأن اللوم لا يكفي ولا ينفع.
لأن اللوم ينفع مع من يمتلك ضميراً ويعرف معنى الحياء والخجل.