جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

ليوناردو فيبوناتشي.. ابن التاجر الإيطالي الذي علّم أوروبا الأرقام العربية | بقلم: أحمد إبراهيم
ليوناردو فيبوناتشي.. ابن التاجر الإيطالي الذي علّم أوروبا الأرقام العربية



بقلم: أحمد إبراهيم  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
13-07-2021 - 1402

"كان ليوناردو يقرأ كالعرب من اليمين إلى اليسار، وحتى الكسور يكتبها إلى يسار الأعداد الصحيحة، فيكتب مثلا: واحد ونصف على هذه الصورة 2/1، وكما علّمه معلمه العربي وهو صبي، فقد شرع ليوناردو في تعليم الغرب تلك الأرقام بما فيها تلك العلامة "0" التي يسميها العرب صفرا".
(آنا ماري شيمل في "شمس العرب تسطع على الغرب")
في عصر الخليفة العباسي المأمون (ت 218هـ/833م) انفتحت الحضارة الإسلامية على باقي الحضارات المجاورة حين أنشأ هذا الخليفة مؤسسة "بيت الحكمة" الشهيرة التي كانت أحدث مؤسسة بحثية وعلمية آنذاك، أخذت فيها العلوم التجريبية والعقلية مثل الرياضيات والطب والكيمياء والصيدلة والعقاقير وحتى الفلسفة والتاريخ البيزنطي مكانتها من الترجمة والنقل.
لقد اتسع البحث في علم الرياضيات لا سيما في علم الجبر على يد العرب والمسلمين، وفي ذلك يقول غوستاف لوبون الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي الشهير:
"عُزي إلى العرب اكتشافُ علم الجبر، ولكن أصوله كانت معروفة منذ زمن طويل، ومع ذلك فقد حوّل العربُ علمَ الجبر تحويلا تاما، وإليهم يرجع الفضل في تطبيقه على علم الهندسة"[1].
وينقل غوستاف لوبون في كتابه الماتع "حضارة العرب" عن العالم الفرنسي مسيو شال في كتابه "خلاصة تاريخ أصول الهندسة" قوله إنه "لم تؤثر تلك الثورة العلمية (العربية الإسلامية) المباركة التي أدّت إلى طرح تلك الطرق المركبة الثقيلة في الجيب وتمام الجيب في علماء القرون الحديثة إلا بعد مرور خمسمئة سنة، وذلك بدعوة ريجيو مونتانوس، وإن جَهَل تلك الثورة كوبرنيكُ الذي ظهر بعد نحو قرن"[2]! والحقيقة أن الثورة العلمية التي أحدثها المسلمون في مشرق العالم الإسلامي ومغربه كان لها تأثيرها وصداها المدوّي في أوروبا لا سيما أثناء الحروب الصليبية وعقبها في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر الميلادي وما تلاه، بفضل اتساع التجارة بين شمال البحر المتوسط لا سيما في إيطاليا وإسبانيا وجنوبه في مصر والشام والجزائر والمغرب.
وفي أثناء تلك التفاعلات السياسية والعلمية والاقتصادية والعسكرية وُلِد ليوناردو فيبوناتشي البِيسي ليُخبِّئ له القدر مفاجأة ستُغيِّر من تاريخ العلاقات العلمية بين الإسلام والغرب، ويأخذ علم الرياضيات على يديه منحى ثوريا في تاريخ العالم وإلى يومنا هذا، فمَن هو فيبوناتشي؟ وأين وُلِد؟ وكيف نقل الأرقام العربية من الجغرافيا الإسلامية إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة في أثناء القرن الثاني عشر الميلادي؟ وما أثر ذلك في أوروبا والعالم؟ ذلك ما سنراه في سطورنا التالية.
في مدينة بيزا إحدى حواضر إقليم توسكانا الإيطالي القريب من البحر المتوسط، وفي عام 1180م/576هـ وُلِد ليوناردو في تلك المدينة التي كانت تعجّ بخليط من الأُمم الإيطالية والأتراك والليبيين والفرس والعرب، وكان ميناء الصيد الصغير التابع للمدينة قد كسب من صراعه مع المسلمين أثناء الحروب الصليبية لا سيما في سردينية وصقلية مركزا إستراتيجيا وثروة ضخمة، وأصبحت هذه المدينة حلقة الاتصال بين تجارة الشرق والغرب، واستطاعت بالسبل الدبلوماسية والتجارية أن تقيم فنادق تجارية في أهم مدن البحر المتوسط وسواحله من القسطنطينية والإسكندرية وحتى بجاية الجزائرية وسبتة المغربية.
ومن هنا، عَمِل والد ليوناردو رئيسا للمركز التجاري لبيزا في مدينة بُجاية على ساحل البحر المتوسط الجنوبي في الجزائر، وتُخبرنا آنا ماري شيمل في كتابها المنصف "شمس العرب تسطع على الغرب" أن "كل ما ذكره ليوناردو في كُتبه هو اسم والده "Bonaccio" أي الطيب، وقدّم ليوناردو نفسه فيما بعد باسم "Leonardus Filis Bonacci" (أي ليوناردو ابن الطيب)، ثم عُرِف ليوناردو فيما بعد بالاسم الذي عرفه به المؤرخون "Leonardus Fibonacci"".[3].
ليوناردو فيبوناتشي البِيسي
عاش ليوناردو سنوات الطفولة مع والده في مدينة بجاية، وبالمقارنة مع سنوات ولادته وطفولته سنلاحظ أنه عاش في ظل العصر الذهبي لدولة الموحّدين في شمال أفريقيا والأندلس في الربع الأخير من القرن السادس الهجري، في ذروة صراع الحروب الصليبية، وكان من الطبيعي لإعداد التاجر البيزني ابنه ليوناردو ليكون تاجرا مثله أن يعلّمه مبادئ الحساب والرياضيات، وسلّمه إلى معلّم عربي يُعلّمه هذه المهارة، وقد أُولع ليوناردو بالأرقام العربية، وكان ذكيا محبا لهذا العلم، ولم يلبث أن تعلّم الضرب والقسمة وأجادهما، وعلّمه مُدرِّسه "سيدي عمر" كما يقول حسابَ الكسور على أحدث الطرق التي كانت تُدرَّس في الجامعات العريقة في بغداد والقاهرة والموصل آنذاك، كما تعلّم الجذور وحلّ المعادلات الرياضية التي كان المسلمون قد وصلوا إليها في مؤلفات ابن سينا والبيروني والخوارزمي وغيرهم[4].
طاف ليوناردو البلدان الإسلامية في المشرق والمغرب، في سبتة وتونس والإسكندرية والقاهرة ودمشق، ودرس كل ما حوته مخطوطات كبار الرياضيين من الإغريق والهنود والعرب، وألّف ليوناردو وهو في الثالثة والعشرين من عمره عام 1202م من عمره كتابه الشهير "Liber Abaci"[5] أي "كتاب العدّ" أو "العدّاد" باللغة اللاتينية ليصبح ثورة في تاريخ علم الحساب والرياضيات في القارة الأوروبية في القرن الثالث عشر الميلادي.
في هذا الكتاب رأينا أول عرض أوروبي كامل للأرقام الهندية العربية، وللصفر، والطريقة العشرية، يقوم به مؤلف مسيحي، وكان، كما يقول ول ديورانت في "قصة الحضارة"، "بداية بعْث العلوم الرياضية في بلاد أوروبا المسيحية. وأدخل هذا الكتاب نفسه الجبر العربي في أوروبا الغربية، وأحدث انقلابا بسيطا في ذلك العلم لأنه كان يستخدم من حين إلى حين حروفا بدل الأرقام لتعميم المعادلات الجبرية واختزالها. واستخدم ليوناردو في كتابه "الهندسة التطبيقية" (Practica geometrica (1220)) لأول مرة في العالم المسيحي على ما نعلم الجبر في حل النظريات الهندسية، ووضع في كتابين آخرين نُشِرا في عام 1225 طرقا مبتكرة لحل معادلات الدرجة الأولى والثانية. وفي تلك السنة نفسها رأس فردريك الثاني في مدينة بيزا مهرجانا رياضيا، وضع فيه يوحنا بالرمو (John Palermo) مسائل مختلفة حلها فيبوناتشي"[6].
لكن من الأمور الطريفة والغريبة التي انتشرت في أوروبا آنذاك مقاومة كل جديد ولو كان فيه تيسير على أبناء هذه القارة، فقد "ظلَّ تُجّار أوروبا يُقاومون طريقة العد الجديدة على الرغم من ظهور هذا المؤلف الذي يُعدّ بداية عهد جديد في تاريخ العلوم الرياضية، فقد كان كثيرون منهم يُفضِّلون تحريك المِعد بأصابعهم وكتابة النتائج بالأرقام الرومانية، وفي عام 1299 استطاع "العدّادون" في فلورنس أن يُقنعوا ولاة الأمور بسن قانون يُحرِّم استعمال "الأرقام الخيالية الجديدة"، ولم يدرك إلّا عدد قليل من الرياضيين أن الرموز الجديدة، وهي الصفر وترتيب الخانات العشرية في آحاد وعشرات ومئات، قد مهدت السبيل إلى تطور علوم الرياضة تطورا يكاد يكون مستحيلا إذا ظلوا يتخذون الحروف القديمة اليونانية والرومانية واليهودية أرقاما. ولم تحلّ الأرقام الهندية آخر الأمر محل الأرقام الرومانية إلّا في القرن السادس عشر"[7].

فما أن اتضحت فائدة استخدام الأرقام العربية للأذهان حتى تبنّاها الناس في معظم أغراضهم العلمية، وبتبنّي هذه الأرقام دخلت إلى اللغات الأوروبية عدة كلمات عربية، فالكلمة الفرنسية "Chiffre"، والألمانية "Ziffer"، والإنجليزية "Cipher"، وكذا كلمة "Zero" الفرنسية والإنجليزية كلها مشتقة من الكلمة العربية "صفر" ومعناها "الخالي"، وقد جاء ابتكار هذه العلامة في وقت متأخر، وقد أحدثت ثورة كما يقول مونتجومري وات في "فضل الإسلام على الحضارة الغربية"[8].
لقد كتب ليوناردو في الفصل الأول من كتابه "Liber Abaci" عن الأرقام العربية قائلا: "إن الأرقام الهندية التسعة هي: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9. وبواسطتها جميعا، علاوة على تلك العلامة "0" التي تُسمى الصفر العربي، فإنه يمكن كتابة أي عدد مهما كان". وكان ليوناردو -كما تقول المستشرقة الألمانية الكبيرة آنا ماري شيمل- "يقرأ كالعرب من اليمين إلى اليسار، وحتى الكسور يكتبها إلى يسار الأعداد الصحيحة، فيكتب مثلا: واحد ونصف على هذه الصورة 2/1، وكما علّمه معلمه العربي وهو صبي، فقد شرع ليوناردو في تعليم الغرب تلك الأرقام بما فيها تلك العلامة "0" التي يسميها العرب صفرا"[9].
من المهم القول إن فيبوناتشي حين نقل الأرقام الهندية العربية بآخر تطورات علم الجبر ومعادلاته إلى القارة الأوروبية التي تلقّاها في عصره بعضهم بحماسة بالغة وأكثرية مناوئة، فإنه نقل إليهم أيضا ما عُرف بـ "متتالية فيبوناتشي"، ومتتالية فيبوناتشي أو أعداد فيبوناتشي في الرياضيات هي الأرقام التي تكون في المتتالية التالية: 1-2-3-5-8-13-21-34-55-89…، أي إننا نقوم بجمع كل رقم إلى الرقم الذي يسبقه، وهكذا، وكل رقم هو نتاج مجموع الرقمين السابقين له.
ومن أهم تطبيقات هذه السلسلة ما يُسمَّى النسبة الذهبية التي نجدها في الطبيعة بشكل كبير، في الأزهار وفي عالم الكائنات الحية وفي جسم الإنسان، وكثير من الأشكال في الطبيعة، بل إن هذه المتوالية الحسابية تُستخدم اليوم في البيانات الرقمية، وتداول أسواق البورصات العالمية، وغيرها، وكل ذلك كان بفضل تعلُّم فيبوناتشي الرياضة وعلم الجبر العربي تلك العلوم التي جمعت خلاصة الرياضيات الهندية واليونانية وأضافت إليها ابتكارات العرب والمسلمين وتطويراتهم الجديدة في هذه الميادين، وعلى رأسها "الصفر" الذي أحدث ثورة في تاريخ الهندسة والحسابات والأرقام حتى يومنا هذا.

 

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


لعبق ياسمين الشام أكتب .. ( اليوم كنت هناك ) ...
بقلم: الدكتور هاتف الركابي..

مشروع قانون الموازنة يمكنه تعطيل الانتخابات في كانون الاول
بقلم: نداء حرب



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب أحمد إبراهيم |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2024
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       64 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       فلسطين- غزة:ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 41118//وزارة الصحة الفلسطينية: 13 شهيداً جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة في قطاع غزة منذ فجر اليوم//وسائل إعلام فلسطينية: شهيدان جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة//خمسة شهداء في قصف الاحتلال حي الزيتون ومخيم جباليا//       ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة، واصفاً الحادثة بالمروعة.// سابق يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات التالي العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على الجنوب اللبناني//       القوات الروسية تطهر 10 بلدات وقرى من قوات نظام كييف في كورسك//تنديد دولي باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة//       أحبار الأمة والعالم :المقاومة اللبنانية تستهدف مستوطنتي روش هانيكرا ومتسوفا بالصواريخ//كوبا تدعو المثقفين السوريين لدعم الرسالة المناهضة لإعادة إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب//       ستشهاد مواطنين اثنين جراء عدوان إسرائيلي بمسيرة على ريف القنيطرة//       المقداد لـ مانزي: نرحب بالعمل مع الوكالات الأممية وتسهيل عملها//تمديد فترة قبول طلبات المشاركة في منافسات الموسم الجديد من الأولمبياد العلمي السوري//الزراعة تناقش آليات دعم بذار القمح والأعلاف واستبدال بساتين الحمضيات الهرمة//       الاحتلال الإسرائيلي يسلم الصليب الأحمر جثامين 84 شهيداً قتلهم خلال عدوانه على قطاع غزة//المقاومة الفلسطينية توقع عدداً من جنود الاحتلال قتلى ومصابين جنوب قطاع غزة// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا)// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا) التالي وسائل إعلام لبنانية: استشهاد ٤ أشخاص جراء غارة لطيران العدو الإسرائيلي على بلدة مفيدون جنوبي لبنان//       نزوح قسري لآلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة//39653 شهيداً منذ بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة//وزارة التربية الفلسطينية: أكثر من 10 آلاف طالب استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//المكتب الإعلامي في غزة يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اختطاف الاحتلال لجثامين الشهداء وسرقة أعضائهم//       فلسطين:شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ 306 على قطاع غزة//حماس تعلن اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي//24 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       مذكرة تفاهم بين جامعتي البعث والبترول التكنولوجية الإيرانية // وضع مركزي تحويل كهربائيين جديدين بالخدمة في السويداء//صحة السويداء تستلم سيارات إسعاف لتلبية احتياجات المواطنين//