بعد عقد من الزمن على أكبر محنة في تاريخ سورية المعاصر سطرت فيه صمودا اسطوريا في وجه أعتى حرب كونية استخدمت فيها كل أجيال الحروب التقليدية والحديثة الهجينة، وبمشاركة أكثر من 100 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبثلاثي إقليمي شكل رأس حربة (النظام التركي، العدو الصهيوني، النظام السعودي)، نقف اليوم عشية الانتخابات الرئاسية السورية بداية مرحلة جديدة تختلف عن سابقاتها في الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية.
بداية تعتبر الانتخابات الرئاسية في سورية لهذا العام الانتخابات الثانية وفق الدستور الذي تم إقراره عام 2012، واستكمالا لسيناريو عدوان العقوبات والخنق الاقتصادي عاد الملف السوري بعد انقطاع لسنوات ليتصدر شاشات وصحف ومواقع الإعلام الغربي في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بحملة دعائية مضللة للتشويه واخفاء الحقائق وبعنوان التركيز على الأزمة الإنسانية وتحميل الحكومة السورية المسؤولية عنها، وبإعادة التهجم من قبل مسؤولين أمريكيين على الرئيس بشار الأسد بتهمة استخدام الأسلحة الكيميائية على المدنيين في مناطق سيطرة مجاميع العصابات الإرهابية التكفيرية التي يعاد نفض الغبار عنها، لعدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام، مع تصريحات في المحافل الدولية حول التبني العاجل لدستور جديد، والترويج لسيناريوهات محتملة بإعادة تعويم بعضا من رموز المعارضة البائسة والمستهلكة في محاولة للتشويش على سير الانتخابات الرئاسية وعرقلتها، وعدم السماح بإعادة مشهد عام 2014 الذي حظي فيه الرئيس بشار الأسد بتأييد شعبي داخل وخارج سورية شكل صفعة وأذهل وأخرس دول العدوان على سورية وإعلامها.
سبق ذلك ولذات الهدف مجموعة من الإجراءات تشدد الضغوط على الدولة السورية وتحرمها من مواردها وتقوض الاقتصاد وتلعب بلقمة عيش المواطن السوري لتفجير الساحة من الداخل ودفع الدولة السورية للانهيار، بعد انكسار مشروع تدمير الدولة واسقاطها وتفتيتها وفصم عرى الثالوث السوري المقدس الذي عبر عن الالتحام الشعبي بالعقيدة العسكرية خلف القيادة الحكيمة تحت راية حماية الوطن واستقلال القرار السوري، من خلال الاحتلالين الأمريكي والتركي وقواتهم الرديفة من ميليشيا قسد ومجاميع العصابات الإرهابية التكفيرية في أبشع الممارسات اللإنسانية بحق الشعب السوري بما يتعلق بالأمن الغذائي، والامن الصناعي، والأمن المائي بحرق الأراضي الزراعية، والسيطرة على حقول النفط والغاز، ونهب ثرواتها، وسرقة محاصيل القمح والقطن، ومنع وصولهم للدولة السورية، والعمل على تغيير ديموغرافي في مناطق شمال وشمال شرق سورية بتبادل الأدوار بين المحتل التركي ومجاميع العصابات الإرهابية التكفيرية التابعة له، وميليشيا قسد التابعة للاحتلال الأمريكي بقطع المياه والتيار الكهربائي، واختطاف الشبان والأطفال لتجنيدهم للقتال بشكل اجباري، وإجراءات أخرى تتعلق بتغيير هوية المنطقة من خلال استبدال المناهج السورية بمناهج كردية أو تركية، وتغيير اسماء القرى والبلدات وبعض الأماكن والساحات والمدارس، وافتتاح كليات تابعة للجامعات التركية، وفرض التعامل بالعملة التركية، وتهجير الأهالي من منازلهم والاستيلاء عليها لصالح الجماعات الإرهابية القادمة من دول مثل تركمانستان واوزباكستان وطاجكستان واذربيجان وافغانستان.
في ظل هذا المشهد البانورامي السريع، وبعد الانتصارات التي حققتها سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد في المحافل الدبلوماسية والميادين السياسية والعسكرية بالموقف وحفظ الموقع واستقلال القرار، سيتم تعزيز ذلك بمشهد انتخابي يكرس هذا الانتصار لمنعطف إقليمي جديد تكون سورية أحد أهم أبطاله في كتابة تفاصيل معادلاته.
وسيكون بطل ذلك المشهد الانتخابي الرئيس بشار الأسد الذي معه وبقيادته سنكمل المشوار حتى إعادة بناء سورية المستقبل.
وبقراءة سريعة ومتأنية لماذا انتصر الأسد ولماذا يحظى بهذا التأييد والشعبية نوجز مايلي:
1- ظهر الرئيس بشار الأسد كمفكر استراتيجي خبير مدرك لأهمية الجغرافية السياسية عندما ابتكر مصطلح “تشبيك البحار الخمسة” عام 2004 في سابقة غير معهودة فرسم خطوطا تمكننا من فهم العقلية التي تم بها احتلال فلسطين وغزو العراق ووضع اليد الأمريكية على ثروات الخليج العربي والهجمة الكونية على سورية وليس انتهاء بمشاكل القرم واوكرانيا ومحاولة محاصرة إيران وروسيا داخل حدودهما، حيث تحد هذه المنظومة الجغرافية كل من بحر قزوين والبحر الأسود والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي، وتضم أكثر من 90٪ من الطاقة في العالم، فضلاً عن المناخ الأكثر اعتدالا والحضارة التاريخية الأرسخ جذورا، إضافة لكونها ممر حالي ومستقبلي لأهم أنابيب الغاز، فضلاً عن كونها خط التماس بين الشرق والغرب في وسط العالم، وهي مرتبطة ببعضها ارتباطا عضويا يجعلها مؤهلة لتشكيل اتحاد اقتصادي جيوسياسي متين يواجه الإمبريالية الغربية والصهيونية العالمية، لكن تعرض هذا المشروع لنكسة وفق المعطيات الدولية والاقليمية الراهنة، إلا أنه قد يكون قيد إمكانية التجدد وفق آليات جديدة في المستقبل بالاستناد إلى العلاقات السورية – الإيرانية – العراقية، و بالعلاقة مع مشروع الحزام والطريق الصيني، والمشروع الاوراسي الروسي.
2- أثبت الرئيس بشار الأسد ومن خلال لقائه وحديثه مرات عدة إلى علماء سورية عمقه في قضايا الفقه والعقيدة والقرآن والتفسير بما يضاهي كبار العلماء وبرؤى واضحة بتناول القضايا التي تطال العالم الإسلامي في شؤون أعمق من السياسة، والخوض فكرياً بمعالجة معضلات عمرها عقود طويلة مثل العلمانية والتدين والعروبة والإسلام والاعتدال والتطرف، ومهمة العلماء في التفسير وفهم السيرة وتقديم المثال في الخطوط الأمامية لمعارك الهوية، في رسم مسارات السلم الاجتماعي وارساء منظومة القيم الأخلاقية والوطنية والأسرية.
3- تميز الرئيس بشار الأسد بتواضعه وشموخه وحدة ذكائه، فكان ابن سورية البار، تمثل منظومة الأخلاق حديثاً وسلوكا، فبلسم جراح الشهداء الأحياء، وراقب وتابع عن كثب الهموم والمآسي في كل ملمات الشعب السوري، فزار بيوت المكلومين، وشارك وعائلته بالحملة التطوعية للتشجير مع الطلبة السوريين مكرسا معنى الهوية والانتماء وداحضا نظرية توماس فريدمان باستبدال سيارة الليزكس بشجرة الزيتون، كما رأيناه مع ضباط الجيش العربي السوري في الجبهات الأمامية يشد من ازرهم ويستمد منهم القوة والمعنويات ويؤكد لهم وبرؤيته الاستراتيحية أن كل متر تتقدمه كل دبابة من دبابات الجيش العربي السوري تسهم بتغير معادلات العالم.
4- كان دائما ولازال قريبا من شعبه، حتى في تفاصيل مرضه ومرض السيدة الأولى أسماء الأسد، يقود سيارته بنفسه، ويتواجد وعائلته في غير مكان من البيوتات والأماكن السورية وبلباس بسيط، وكأنه أراد اعطاءنا دروسا بأهمية الترابط الأسري، كما ركز في أكثر من حديث وخطاب على أهمية بناء الإنسان قبل بناء الحجر، وعدم تبني نظرية حملة لمحاربة الفساد، بل ليكن نهجنا اليومي العمل ومحاربة الفساد.
5- لم يتنح الرئيس بشار الأسد ولم يترك السلطة، ولا كان مغرما بالمناصب والسلطة، بل تمسك بالوطن وكرامة سورية، وبالسلطة التي وضعها الشعب السوري أمانة لديه، وحسب شخصيته تمت ترجمة هذه الأمانة بالمقاومة والممانعة التي كان ولازال ينتهجها حتى في أصعب الظروف.
6- رغم سنوات الحرب حافظ الرئيس بشار الأسد على خيارات ثابتة لن تتبدل من القضية الفلسطينية ودعم الفصائل المقاومة للعدو الصهيوني.
7- بنى الرئيس بشار الأسد شبكة تحالفاته الإقليمية والدولية، بما يضمن المؤازرة والانتصار في مواجهة الهيمنة الأميركية والصراع مع العدو الصهيوني
8- كان شريكاً في انتصارات المقاومة في عدوان الكيان الصهيوني على جنوب لبنان عام 2006، وعلى قطاع غزة في 2008، ووفق ماصرح به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في أحد اللقاءات التلفزيونية بأن سورية كانت جسر امداد بصواريخ الكورنيت وفتحت مخازن اسلحتها، وكانت مستعدة أن تدخل الحرب بشكل مباشر عندما يتطلب ذلك وفق قرار السيد حسن نصرالله.
9- جهز الرئيس بشار الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة وبعد عشر سنوات حرب جيشا عقائديا وطور شبكة منظومته الدفاعية الجوية، وقدراته القتالية بما يهدد أمن الكيان الصهيوني، الذي لم يخفِ خشيته من هذا الجيش على جبهة الجولان بعد استكمال تحرير كامل الجغرافيا السورية من الغزاة والمعتدين والعصابات الإرهابية التكفيرية.
10- تمتع الرئيس بشار الأسد بقراءة الوقائع بنظرة ثاقبة واستشراف المستقبل ففي مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ عام 2002 وقف الرئيس الأسد ضد الاحتلال الأميركي للعراق، وفند المشهد بدقة لهدف الاحتلال وحقيقة ومآرب التواجد الأمريكي في المنطقة، ورفض الإملاءات الأمريكية التي حملها في جعبته كولن باول ، وفي مؤتمر القمة العربية الطارئ في الدوحة بسبب العدوان الصهيوني على قطاع غزة في فلسطين المحتلة عام 2009 سجل كلمات ستبقى في ذاكرة التاريخ تثبت عمق انتمائه القومي العروبي وتمسكه بالقضية الفلسطينية نذكر منها: “بما أننا أصحاب ذاكرة غنية، لأننا أهل التاريخ ومالكو الأرض، فسنعِدُهم بأننا سنبقى نتذكر.. والأهم أننا سنحرص على أن يتذكَّر أبناؤنا أيضاً، سنخبئ لهم صور أطفال غزة وجروحهم المفتوحة ودمائهم النازفة فوق ألعابهم، وسنخبرهم عن الشهداء والثكالى والأرامل والمعاقين، وسنعلمهم أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. وأن العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم.. وأن ماأُخذ بالقوة لا يُستردّ بغير القوة.. وسنشرح لهم بأن من يفقد ذاكرة الماضي سيفقد المستقبل.. وسنعلِّق على جدران غرفهم لوحةً نكتب عليها شعاراً لكل طفل قادمٍ إلى الحياة يقول له: “لا تنسى”.. ليكبر الطفل ويقول لهم: “لن أنسى ولن أغفر”..
11- بشار الأسد هو من قال في 17 تموز عام 2017 : “سأبقى كما عهدتموني واحداً منكم، أعمل من أجلكم، أشرب من نبع الوطنية والقومية، وأتنفس من رضى الله ورضى الشعب”
وأخيراً سيكتب التاريخ ان القائد بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية هزم طغمة الإمبريالية العالمية وأدواتها الأوروبية والاعرابية والعثمانية ومن لف لفيفهم من دول العالم بجيوشهم واموالهم واستخباراتهم، وأن رؤساءهم وملوكهم تعاقبوا على مواصلة قرار الحرب وزالوا دون ذكر اسمائهم المنسية
وفي الختام سيكون بشار الأسد على رأس الانتصارات القادمة، ومازال يكتب التاريخ بانتصاراته.
بقلم : د. ميّادة رزّوق | باحثة واكاديمية سورية