بقلم: الدكتور خليل حسين
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 04-04-2021 - 1123 ثمة ما يعكس مدى اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن، بما تشكله بكين وموسكو من تحديات لإدارته، فالدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي الذي يقع في 24 صفحة ورد ذكر الصين فيه بشكل مباشر ثماني عشرة مرة، وذكرت روسيا ست مرات، عدا عن المرّات التي جُمع فيه البلدان في سياق متصل، وأخرى بشكل منفصل للحديث عن كل دولة منفردة لجهة طبيعة التهديد الذي تشكله كل منهما للرؤية والمصالح الأمريكية على مستوى النظام العالمي وقيادته. وتأتي هذه الاستراتيجية بتفاصيلها لتؤكد بشكل واضح جدية الإدارة الأمريكية في مواجهة أي منافس عبر استعمال أي من مكونات القوة، ورغم فظاظة التعبير لم تغلق الباب الدبلوماسي في الإشارة إلى إمكانية التعاون على المستوى الدولي في القضايا ذات الاهتمام المشترك. ورغم ذلك فالتدقيق يظهر أن المواجهة تحديداً مع الصين دون استثناء روسيا، يؤكد مدى التشدد الأمريكي في اعتبار بكين أكثر من منافس ليرتقي موقعها إلى مهدد استراتيجي للولايات المتحدة، وهذا ما دأبت على الإشارة إليه بشكل دائم. في الواقع، ثمة العديد من الأسباب التي تعزز الرؤية الأمريكية وتدفعها إلى التشدد في علاقتها مع الصين، ويأتي في طليعة تلك الأسباب الاقتصاد الصيني الهائل في المنظومة الاقتصادية الدولية، والنمو المحقق وفي أصعب الظروف. فعلى الرغم من الظروف التي أرختها جائحة كورونا على الاقتصاديات الدولية وتراجع النمو واختفائه في بعض الدول، ظلت الصين محافظة على معدل النمو اللافت مقارنة بالولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى كاليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وبريطانيا وفرنسا، وهو مؤشر واقعي لخطورة المنافسة الصينية للولايات المتحدة، وهو أمر لا جدال فيه بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إذ سجل أعنف المواجهات بين الطرفين إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب عبر ما سُميّ الحرب التجارية. ورغم حدة التوصيف الأمريكي لطبيعة المواجهة مع الصين، لا يلغي أو يبعد حدة العلاقة مع روسيا، فالتصريحات الأخيرة للرئيسين الأمريكي والروسي تظهر مدى حدة المنافسة وجديتها التي لا تقل شأناً مع بكين، وهي علاقة تبدو بلا قفازات حالياً، حيث يظهر التخاطب الشخصي دون حد أدنى من لغة المفردات الدبلوماسية، ما يعيد إلى الأذهان مواقف الديمقراطيين لجهة اتهام روسيا وبالتحديد الرئيس بوتين بإسهامه بإيصال دونالد ترامب للرئاسة. وعلى الرغم من وضع واشنطن لبكين كأولوية للمواجهة، ثمة من القضايا الدولية والإقليمية ما يضع موسكو في مواجهة حقيقية مع واشنطن أكثر شراسة، نظراً للتماس الحاد بين الطرفين في أكثر من أزمة وفي طليعتها الشرق الأوسط وأزماته المتعددة. إن التدقيق في وثيقة الأمن القومي الأمريكي الأخيرة، تظهر تركيزها على عامل رئيسي في المواجهة ، يتمثل في الصين أولاً ويليه روسيا، رغم وجود تحديات كثيرة على المستوى الدولي والتي تحتاج إلى عناية خاصة، كوباء الكورونا الذي بات يشكل تهديداً وجودياً للبشرية، علاوة على قضايا البيئة والمناخ، إضافة إلى القضايا الإقليمية ذات الأبعاد الدولية كالبرنامج النووي الإيراني والبرنامج الكوري وسباق التسلح وغيرها والتي جميعها لم تأخذ الاهتمام المناسب والمفترض في الوثيقة. تواجه البشرية اليوم مجموعة من التحديات فيها الكثير من الطابع الإنساني الذي ينبغي أن تجد لها حلولاً بأبعاد دولية مشتركة، فإضافة للطابع المأساوي والمزري التي غرقت فيه البشرية، تبدو الجوانب الإنسانية فد اضمحلت وغابت تماماً عن رؤى الدول ذات القدرة على الدفع باتجاهات إيجابية، فما النفع أن نبقى كبشر إذا استمررنا، مع فقدان إنسانيتنا في مثل هذه المواجهة. إنه لأمر جدير بالاهتمام والمتابعة من قبل الدول القادرة على ذلك. فهل ستقبل الولايات المتحدة هذا التحدي وهو شرط أساسي وضروري لقيادة البشر والإنسانية قبل العالم.
لا يوجد صور مرفقة
|