بقلم: هدى رزق
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 16-03-2021 - 1097 من الصّعب اعتبار ما حصل من إعادة مدّ لخيوط العلاقات بين تركيا وبعض دول الخليج أو "إسرائيل"، أنه يأتي ضمن تحالف المتضررين من سياسة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، فالرجل يرى أنَّ حلفاء الولايات المتحدة في زمن سلفه ترامب تبعثروا، الأمر الذي مكَّن روسيا والصين من نسج علاقات فاعلة حتى مع المملكة العربية السعودية المخلصة لعلاقتها بواشنطن وتركيا؛ الحليف الأطلسي الاستراتيجيّ. يمكن وضع محاولة تركيا استعادة العلاقة مع الدول العربية في خانة محاولة رأب الصدع معها، بسبب الخسائر الاقتصادية التي عانتها واليد العاملة التركية في السعودية ودول الخليج بشكل عام، بعد الموقف السعودي من استيراد البضائع التركية وأزمة الاستثمارات في تركيا، كذلك إدراكها لمشروع بايدن بإعادة جمع حلفاء أميركا. في المقابل، فإن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال "شتاينتز" أعرب عن أمله بانضمام تركيا يوماً ما إلى منطقة شرقي المتوسط، وأن تكون جزءاً من المنتدى، وأن تختار التنسيق بدلاً من الصراع، وتغير مواقفها لكي ترجع شريكاً إقليمياً، مؤكداً أهمية مشروع مد خط أنابيب شرق المتوسط "إيست ميد" لنقل الغاز الطبيعي من "إسرائيل" إلى أوروبا. حاولت تركيا منذ العام 2010، خلال "الربيع العربي"، اجتراح مكانة لها في قيادة المنطقة، عبر استقطاب الإخوان المسلمين المتواجدين في كل الدول العربية، على خلفية مبادرة الأميركيين وشعارهم "فليحكم الإخوان"، وعلى أساس مقولة داوود أوغلو "انتهى الإحياء الشيعي، وأتى زمن الإحياء السني"، حاملة شعار استعادة العثمنة، ولكنها اصطدمت بنظامي مصر والسعودية، وهما الدولتان اللتان لطالما تنافستا على زعامة العالم العربي. كانت المرحلة الأولى من "الربيع العربي" تنذر بإمكانية سيطرة تركيا، مع تولي الإخوان الرئاسة في مصر، وإثبات وجودهم في ليبيا، وتمكين سلطتهم في تونس، ودعم قطر المالي والسياسي من دون سقف، لكن عوامل عدة ساهمت في فشل الإخوان في مصر، وانقلاب حلف الأمس ضد سوريا، بين تركيا والسعودية، إلى عداء بعد دعم السعودية الانقلاب في مصر ووصول السيسي إلى الرئاسة. حاولت قيادة أوباما تنبيه إردوغان إلى ضرورة التراجع بعد خسارة رهان استمرّ 3 سنوات، من العام 2010 إلى العام 2013. كان المشروع واضحاً بالنسبة إلى إدارته: ضرب الإسلام السياسي ببعضه البعض (سنياً وشيعياً)، مع تدخّل تركيا التي يحكمها حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، وإن بثوب ديمقراطي، بحيث يتم إضعاف إيران التي يمتدّ نفوذها إلى العراق وسوريا ولبنان. وبذلك، تدخل تركيا على خط استقطاب الإخوان (حماس) في فلسطين بعد خلق الفوضى. كانت الإدارة الأميركية قد دعت في العام 2014 إلى حلف خليجيّ مصريّ تركيّ إسرائيلي من خلال مؤتمر جدة، تحت حجّة قتال "داعش"، إلا أن تركيا لم تكن تريد أن تكون تحت المظلَّة نفسها مع السيسي، ولم تكن حاسمة في قتال داعش، فهي كانت، وما زالت، ترى أن أزمتها أكبر مع الكرد الذين يتمثلون اليوم بـ"قسد" و"مسد" ومشاريع الحكم الذاتيّ، وكانت تريد معرفة ما يمكنها الحصول عليها في المقابل. في العام نفسه، زار جو بايدن - كان نائباً للرئيس حينها - تركيا، وركَّز بعد خلافه مع إردوغان حول سوريا على أهمية التعاون بين القوى الإقليمية، تركيا ومصر و"إسرائيل"، على ملف الطاقة والفوائد المشتركة في القضية القبرصية. شهدت تركيا خلال هذه الفترة بداية صراع مع إدارة أوباما، بدأت بتظاهرات داخليّة ضد الفساد، طالبت محاسبة حكومة إردوغان واتهمته شخصياً بالفساد، وانتهت بمحاولة الانقلاب عليه في العام 2016. كانت فترة حكم الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب برداً وسلاماً على إردوغان، الذي استطاع استغلال الفرصة في ظلّ انشغال الإدارة الأميركيّة بالضّغط على إيران وحلفائها من أجل مصلحة "إسرائيل"، والتخلّي عن الاتفاق النووي، والتوسع في ليبيا، مستفيداً من الخلاف الفرنسي الأميركي على حساب مصر، والإمارات الداعمة لها، وفرنسا، وتهديد الاتفاق اليوناني المصري القبرصي الإسرائيلي في شرق المتوسط بعد عمليات التنقيب، وتهديد مصالح أوروبا، والتلويح بحل الدولتين في قبرص. كذلك، عمل مستفيداً من التناقضات الأميركية الروسية على التوسع في سوريا على حساب المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية، وماطل في تنفيذ اتفاقيات أستانة الموقعة مع روسيا، وقام بدعم الصراع الآذري الأرمني في ناغورنو كاراباخ على حساب روسيا وإيران ودول مينسك، محاولاً كسب تعاطف تركي داخلي تحت شعار الأمن القومي التركي، مستعيناً بقوة الحركة القومية. يريد إردوغان اليوم إعادة مد الجسور مع الدول التي ساهم في معاداتها، فهل انتهت المرحلة الماضية؟ لا شكّ في أن المنطقة مقبلة على متغيّرات متعددة، وكان بايدن قد صرَّح بأن تركيا لم تعد تهمّه كحليف، لكنه لم يتطرّق إلى الموضوع الاستراتيجي، بل ركَّز اهتمامه المتزايد على اليونان وأجرى مناورات مع أثينا، ما أثار قلق تركيا التي تقوم بخطوات إشادة تجاه مصر التي لم تنتهك الحدود الجنوبية للجرف القاري التركي في الاتفاق الذي وقعته مع اليونان في العام 2020، وهي تواصل أنشطة الاستكشاف الزلزالي داخل جرفها القاري من دون الدخول في الجرف القاري التركي. وقد أثارت الخطوات التي اتّخذتها القاهرة في الملفّ الليبي، وتضمّنت قرار فتح سفارة في طرابلس، واستقبال مسؤولي حكومة الوفاق الوطني، ترحيباً لدى أنقرة بإعطاء البرلمان الليبي الثقة للحكومة. تعتبر تركيا أنّ مصالح الدولة المصرية في الترسيم البحري كانت، وما تزال، ترتبط بمصالح تركيا، لأنّ هذا الخيار يعطي القاهرة أكبر مساحة ممكنة هناك. وبشهادة التقنيين في الخارجية والاستخبارات، تشير الرسائل غير المباشرة إلى محاولة مصر الموازنة مجدداً بين تركيا واليونان. احتمالات توقيع اتفاقية بين مصر وتركيا بشأن ترسيم الحدود البحرية من شأنه أن يغيّر التوازنات شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما تسعى إليه تركيا، كما أنَّ استعداد مصر المفترض لاتفاق ترسيم جديد مع تركيا يعطي سبباً للحديث عن إعادة تشكيل التحالفات السياسية والاقتصادية في المنطقة. ويشير الخبراء إلى إمكانية تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" ومصر وتركيا، وهي قرارات لها دلالات اقتصادية وسياسية بالنسبة إلى أنقرة. ولا شكّ في أنَّ اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة المحتملة بين مصر وتركيا ستؤثر في مجمع جزيرة كاستلوريزو والمفاوضات التركية اليونانية. هذا التموضع على خطّ الدول العربية يعيد تركيا إلى العلاقات الطبيعية التي كانت سائدة قبل أحداث "الربيع العربي"، ويعطيها وزناً فقدته في المنطقة، ولا سيما في ظل تطبيع بعض الدول العربية مع "إسرائيل"، وتركيز الولايات المتحدة اهتمامها على الملف النووي الإيراني، في ظلّ ثباتها على محاسبة تركيا في ملفات داخلية، وأخرى لها علاقة بتوجّهاتها كعضو في الأطلسي.
لا يوجد صور مرفقة
|