انتماء فلسطين الأصيل للأمة العربية وثقافتها وحضارتها الجامعة لا يضعفه تخل بعض الأنظمة العربية ، ولا ينتقص منه جحود الغاضبين الكثر من الفلسطينيين .
في مراحل التحول الكوني والإقليمي كالمرحلة التي نعيش بها ، حيث تتسارع الأحداث لإعادة تشكيل النظام العالمي عموما ، وفِي منطقتنا العربية - الإسلامية الممتدة خصوصا ، التي يحتدم فيها الصراع الدولي عليها وبداخلها ، وتشهد مكوناتها الأصيلة حالة تيه واستقطاب سياسي وعقائدي وامني غير مسبوق يوظفه الغزاة المستعمرون لاستكمال تمزيق الأمة وتقاسم ما بقي من الاوطان المتشرذمة .
تثير الدعوات المتصاعدة المطالبة بالانسحاب الفلسطيني من الجامعة العربية تساؤلات مشروعة
حول الأهداف والمقاصد من وراء هذه الدعوات المريبة والجهات المستفيدة .
يمكن فهم حجم الإحباط من فشل مشروع قرار في الجامعة العربية لإدانة منحى التطبيع المتنامي لأطراف النظام العربي الرسمي .
لكن الإخفاق كان متوقعا لأسباب موضوعية ، لا تعفي الأطراف العربية من مسؤولياتها عن انحراف البوصلة . ففلسطين ليست سوى القاعدة التي يتمركز فيها الكيان الاستعماري الغربي الصهيوني وينطلق منها للسيطرة على عموم المتطقة العربية - الاسلامية الممتدة .
الا ان احد أهم الاسباب في هذا الإخفاق ، ان الطرف الفلسطيني المطالب بالإدانة ، وان لم يكن المبادر لمهادنة الكيان الاستعماري الصهيوني الذي يستهدف الجميع ، وان السادات قد سبقة باخراج مصر وثقلها المركزي من دائرة الصراع العربي - الصهيوني عندما وقع اتفاقيات كامب ديفيد عام ١٩٧٨ .
الا انه لا يمكن انكار ان السقوط الفلسطيني ، عند الالتحاق بالتسوية الأمريكية في مؤتمر مدريد عام ١٩٩١ خارج اطار الشرعية الدولية ، والقفز منها إلى التسوية الاسرائيلية بتوقيع اتفاقات أوسلو عام ١٩٩٣ ، والقبول باقتسام فلسطين مع الغزاة المستوطنين الصهاينة ، شكل سببا رئيسا لا يقل خطورة ان لم يفق الفعل الساداتي .
ذلك ان انخراط صاحب الحق الفلسطيني الأصيل في فلسطين وموافقته على تشريع الاستعمار والاستيطان فوق أنقاضه ، ومهما كانت المبررات ، هي التي شرعت الأبواب العربية التي بقيت مواربة ، ولم تنجر لخطوات مماثلة حتى بعد توقيع اكبر دولة عربية لاتفاق تسوية مع الكيان الصهيوني . فيما توالت عمليات التطبيع بعد السقوط الفلسطيني ، وما تزال .
السنا نحن الفلسطينيين اصحاب الدعوة للعرب والمسلمين لزيارة السجين وليس السجان ، ونحن ندرك ان الزيارة لا تتم بدون إذنه ؟!
السنا نحن الفلسطينيين من نواصل المطالبة بشبكة الأمان المالي لتحمل نفقات ادارة شعب تحت الاستعمار الاستيطاني التوسعي الذي يتنامى جغرافيا وديموغرافيا بوتائر متسارعة ، فنعفي بذلك المستعمر من تحمل كلفة واعباء استعماره ؟! ونعفي العالم من تحمل كلفة تواطئه وتقاعسه عن انفاذ قرارات الشرعية الدولية ؟!
السنا من ننسق مع العدو أمنيًا لحماية استمرار استعماره ونتقاعس عن حماية شعبنا من اعتداءات جنوده ومستوطنيه ؟ !
السنا من هجرنا الانتاج الزراعي والصناعي الموجه لتلبية احتياجاتنا الاستهلاكية واستعضنا بالعمل عنده في اسواق العمل التي يفتحها لنا في مستوطناته واقتصاده ؟!
السنا من نستبدل الواردات منه بمنتجاتنا الوطنية ؟!
السنا من نستبدل الصادرات الوطنية التقليدية بالصادرات التي يحتاجها سوقه واسواقه التصديرية ؟!
السنا من ائتمن العدو وفوضناه بجمع الضرائب والجمارك المستحقة لنا بدعوى انخفاض الكلفة ؟
السنا اصحاب نظرية فصل الاقتصاد عن السياسة في اتفاق باريس وما تلاه ؟!
السنا نحن الفلسطينيين من نتعامى عن الواقع المتدهور ونكاد نفقد الارض من تحت اقدامنا بانقساماتنا وسوء ادارتنا وفسادنا وظلمنا واستقوائنا على بَعضنا بالاستعانة بالغرباء ونواصل القفز في المجهول ، ونستجدي الإنقاذ بالرباعية التي جربناها على مدى ثلاثة عقود ؟!
الم يحن الوقت لطرح الاسئلة الصحيحة عن اسباب اخفاقنا المتواصل في الحفاظ على منجزاتنا النضالية التي سبق وأدخلتنا الجامعة العربية والامم المتحدة وأوجبت اعتراف العالم بعدالة قضيتنا ، فأدان باغلبية دوله عام ١٩٧٥ الصهيونية كحركة عنصرية ، ثم ألغى قراره عام ١٩٩١ عندما التحقنا بعملية التسوية السياسية الأمريكية في مدريد وقبلنا بمبدأ مهادنة الصهيونية واقتسام الوطن معها ؟!
لماذا نهرب من مواجهة الحقائق ؟ ومرتكزها ان فلسطين هي مركز الفعل والتأثير ولا احد غيرها .
وان معالجة حالة الانحدار تبدأ بمساءلة الذات عن أسباب الاخفاق المتواصل .
ولعل السوال الأساسي في موضوع اخفاق التصويت في الجامعة العربية يجب ان يوجه إلى وزير خارجية فلسطين عن الأساس الذي اعتمد عليه عندما توجه بطلب إدانة الفعل الاماراتي المدان حقا ؟
هل قام بواجبه قبل طرح مشروع القرار فتشاور مع الدول الأعضاء وحصل على وعود بالتأييد قبل ان يطرح مشروعه ؟!
الم يكن رفض طلب عقد اجتماع استثنائي كافيا لمعرفة النتيجة ؟!
ما الذي أراده من دخول اختبار يعرف نتيجته مسبقا ؟
النجاح يا سادة لا يبدأ بكشف عورات الآخرين وتسجيل المواقف .
وانما يبدأ بمواجهة الذات عن أوجه القصور . ففلسطين هي الأساس في السقوط ، وهي الأساس في التاسيس للنهوض