بقلم: محمد طعيمة
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 23-01-2020 - 1304 مع أولى ساعات 2020 "حرق" رجب طيب أردوغان ذراعه الليبي فتحي باشا أغا، وزير خارجية الوفاق. أغا حذر بمؤتمر في تونس، الخميس 26 ديسمبر 2019، من أن "كامل منطقة شمال أفريقيا مستهدفة وليس طرابلس فقط، إذا سقطت طرابلس ستسقط تونس العاصمة والجزائر" في يد المحور العربي الذي يضم الجيش الوطني الليبي مدعوما من معظم شعبه ومصر والإمارات! أغا، الذي استنجد بعد ساعات من تصريحه بأردوغان لينقذ مليشياته من تقدم تدريجي للجيش الليبي، لم ينتبه إلى انه يحي ذاكرة سقوط العواصم الثلاث التي ذكرها قبل 500 عام تحت الاحتلال العثماني، وقبلها الشام ومصر. ما أغرق الأمة العربية في "ثلاثة قرون من الجهل، عطلتها عن نهضة فكرية توازي ما شهدته أوربا"، وفق تقدير طه حسين. في اتصاله بجنود له يشاركون في إحتلال وتتريك شرق سوريا مهنئا بالعام الجديد، حسب وكالة الأناضول، تعهد أردوغان بأن "يحقق جنودنا في المتوسط ملاحم بطولية كالتي حققها خير الدين بربروس، سيواصلون كتابة الملاحم التي كتبها". بربروس، هو درة القرصنة البحرية العثمانية التي بدأت بإحتلال الجزائر ثم طرابلس مختتما بتونس. ناقض أردوغان تحذير باشا أغا. قبل 500 عاما بدأ الزحف التركي من شمال شرق المتوسط.. سوريا، وتدحرج مُنكلا بباقي الشام حتى استقر في مصر معتمدا منذ بدايته على الاختراق والخيانة ومستغلا، دائما، ضعف الدولة. مد احتلاله لشمال إفريقيا حتى حدود مراكش بسلاح الجريمة البحرية التاريخية.. القرصنة، مفتعلا شعارا مقدسا يتستر به "الجهاد البحري". بعد 500 عام، عدل هدفه من الاحتلال المباشر للهيمنة. بدأ من سوريا بنفس مدرسة الخيانة، الإسلام السياسي بدلا من المماليك، تحت شعار مقدس مماثل.. الجهاد. لم يستطع أن يكمل تدحرجه في باقي الشام لوجود كيان غربي/إسرائيل يفصلها عن مصر، وفشل في الأخيرة بعد أن أطاح شعبها وجيشها بحصان طروادته "الإخوان" في 30 يونية. جنون عظمته منعه من التراجع، متوهما قدرته على استعادة شواطئ جنوب المتوسط، وداعما "الجهاد البحري" بنظير له بري، حالما بمد رايته من طرابلس/مصراتة إلى تونس ثم الجزائر، تماما كما فعل قبل 500 عام، وكما نشط ذاكرتنا القومية أردوغان وأغا معا. في خطاب رسمي للأمم المتحدة ممهدا لمذكرة التفاهم مع فائز السراج، استخدم أردوغان تركيبة لغوية استحضرها من النشاط الأبرز لأسلافه.. "الوطن الأزرق"، يقصد به مياه المتوسط الزرقاء.. التي جالوا فيها قرصنة حتى ارتبطت بهم "مهنة القرصنة" في البحر الذي يتوسط العالم القديم. قبل السفن العثمانية، لم تشارك شعوب الخريطة العربية في القرصنة، باستثناء المغاربة. فمن عام 824 إلى 961 سيطروا على جزيرة كريت ومنها نشطوا في كامل المتوسط، وفي عام 911 لم يستطع أسقف أربونة العودة إلى فرنسا لأن قراصنة "فرخشنيط" سيطروا على ممرات جبال الألب. المغرب التي كانت أول دولة تعترف بالولايات المتحدة عام 1777، أصبحت أول قوة تقرصن سفينة تتبع الجمهورية الامريكية الوليدة عام 1784. نشاط القرصنة المغربي، من بين أسباب متعددة، حمت مراكش من الاجتياح التركي. خيرالدين بربروس (1478 - 1546م) الذي صدره أردوغان كرمز تاريخي، تروجه الرواية الرسمية لأنقرة كـ "مجاهد إسلامي" وبطل قومي تركي و"فاتح الجزائر" مرتان! وفق مذكراته، هو خضر بن يعقوب، ولد في جزيرة ميديلي اليونانية. وتقول رواية أنه من أسرة مسيحية واسمه الأصلي "خسرو"، والرواية تتفرع إلى روايات متعددة حول تحوله إلى "خيرالدين". منها انه أسلم مع أخوته ليحتموا بالدولة الحفصية في تونس، ورواية أخرى أنه ألباني الأصل. وتتمسك سردية أنقرة بأن أصوله تركية، وأن الأب استقر في الجزيرة الونانية وتزوج منها. اشتهر شقيقه عروج أوربيا بـ"بارباروسا" أي "ذو اللحية الزعراء"، وحين قتل انتقل اللقب لخير الدين، وقتل شقيقين لهما، إسحق وإلياس، في معركتي قرصنة مختلفتين. وفي مذكراته يورد خير الدين قصة "هوليوودية" عن هرب عروج من أسر قراصنة أوربيين. في تاريخ القرصنة، يفرق الباحثون بين نوعين منها.. حرة وتفويضية. في الثانية تفوض دولة ما ناشطين فيها بممارستها نيابة عنها. بدأ الأخوة بربروس مسيرتهم بسفينتين حربيتين من الأمير العثماني أحمد قورقود بن السلطان بايزيد الثاني لعروج.. و"وصّاه أن يبحر غربا لينظر في أوضاع المسلمين الذين يُضطهدون من الإسبان في الأندلس"! مجرد فبركة ذاتية لخير الدين، فلم يفعل سوى القرصنة التجارية واسترقاق ما قدرته دائرة المعارف البريطانية بمليون إنسان، غالبيتهم أوروبيين، وبينهم عشرات ألاف المسلمين، وفق تقلبات مصالح الإستانة. فحسب وصف المؤرخ بيتر ايرل كان "إفتراسا بحريا متبادلا، أساطيل تنهب بعضها البعض". وعلى مياه المتوسط تقاطعت تحالفات رافعوا شعار "الجهاد البحري" مع "كفار"، كما توصيفهم، و"الكفار" وفق القاموس العثماني وقتها شمل مصر والشام ودولا عربية أخرى، كتبرير لاحتلالها. مع تقاتل ابنا بايزيد الثاني.. قورقود وسليم على عرش الأب المتوفي، عام 1512، ومع تغلب الثاني.. منع الإبحار في مياه الأناضول وموانيها، ليحمي حكمه الوليد من قراصنة أخيه المهزوم. هرب الأشقاء بربروس ثانية إلى حماية الدولة الحفصية في تونس التي كانت تحكم شرق الجزائر، 1513- 1514، فسمحت لهم باتخاذ ميناء حلق الوادي مركزا مقابل ثمن الغنائم. بالتزامن، غرقت الدولة الزيانية التي تحكم غرب الجزائر في الفوضى، والإسبان يهيمنون على أغلب الموانئ. حاول الأخوة احتلال موطأ قدم لهم على شاطئ الجزائر ليستقلا عن تبعية تونس، وبعد ثلاث محاولات فاشلة نجحت الرابعة عام 1516 في احتلال "جيجي". رفضوا عرض الملك الحفصي محمد المتوكل بالحماية من الإسبان وأرسلوا وفدا لنيل رضا سليم، مارس 1516، عارضين تبعية إمارتهم الجزائرية لعرشه، فرحب ودعمهم بسفن حربية وذخائر وأموال وبغطاء سياسي، لكنه لم يتدخل لإنقاذ إمارتهم حين أعاد الإسبان إحتلالها بعد عامين، مستغلين ثورة مدن جزائرية عديدة على البطش التركي. قتل عروج وعاد خيرالدين للأناضول، ولحسابها احتل رودس 1522، واعاد احتلال الجزائر عام 1529، وأكمل انقلابه على الدولة الحفصية، التي أوته خلال أعوام غضب سليم عليه، محتلا تونس 1531. تقدم المرويات التركية قراصنتها كحالة "جهادية صرف، مجاهدين" يتفوقون في طهرهم على صحابة الرسول! لم تورد، مثلا، ما وثقه الباحث الجزائري محمد الميلي في الجزء الثالث من كتابه "تاريخ الجزائر القديم والحديث"، من أن الشيخ سالم التومي الذي دعا الترك كمسلمين منقذين لمسلمين، ذبحه عروج بيديه في حمام منزله وسط صراخ حريمه وأطفاله، وخرج معلنا نفسه سلطانا. نفس ما فعله حرفيا مع أبا زيان الثالث في تلمسان، وغيرها. ومع "الفتح" الثاني للجزائر دشن شقيقه خيرالدين، وخلفاؤه، سلاسل مذابح طالت ألاف الجزائرين، كما فعل مواطنيه الترك بالتوانسة والليبين. يذكرنا فتحي باشاغا وإخوانه بخير الدين بربورس وأخوته، كلاهما أذرع لقراصنة العثمانيين.. قدامي وجدد.
لا يوجد صور مرفقة
|