جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

ربيعٌ وخريفٌ على سقف أميركا الواحد! | بقلم: صبحي غندور
ربيعٌ وخريفٌ على سقف أميركا الواحد!



بقلم: صبحي غندور  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
23-01-2020 - 1253

احتفلت الولايات المتّحدة منذ أيامٍ قليلة بيوم القسّيس الأميركي الأفريقي مارتن لوثر كينغ الذي كان من أشهر دعاة الحقوق المدنية في حقبة الستّينات من القرن الماضي، والذي جرى اغتياله في العام 1968، بعد أن ناضل طويلاً من أجل تأمين الحقوق المدنية للأميركيين الأفارقة، ومن خلال إصراره على تحقيق ذلك بالوسائل السلمية وبنبذ العنف في المجتمع.

وهاقد مضى أكثر من خمسين عاماً على ما جرى إقراره في حقبة الستّينات من قوانين تُنصف الأميركيين الأفارقة الذين عانوا لقرونٍ طويلة من ظلم واستعباد الأميركيين الأوروبيين، وتسبّب تحريرهم من العبودية بحربٍ أهلية بين الولايات الأميركية الشمالية والجنوبية في العام 1861، لكن جرى بعد ذلك حرمانهم من الكثير من الحقوق المدنية رغم أنّ الدستور الأميركي نصّ على المساواة في الحقوق بين المواطنين!.

فالعنصرية ما زالت قضية حيوية الآن في المجتمع الأميركي، وازدهرت مؤخّراً لأسبابٍ عديدة بينها فوز باراك أوباما، الأميركي الأفريقي، بالرئاسة الأميركية لفترتين (2008 -2016)، ممّا أيقظ مشاعر العنصرية الدفينة لدى فئة من الأميركيين، يتواجد معظمها في الولايات الوسطى والجنوبية، وهي تعتقد بتفوّق العنصر الأبيض وحقّه في السيادة على الأعراق الأخرى!. ثمّ جاء عهد دونالد ترامب ليضاعف أكثر من حجم الحساسيات العنصرية لدى البيض والسود معاً، وبحالة معاكسة لما كان عليه الحال في عهد أوباما حيث اعتبر العنصريون البيض أنّ فوز ترامب جاء لصالح معتقداتهم!.

وهذا الأمر هو مثالٌ واحد من أمثلة عديدة نراها قائمة في المجتمع الأميركي حيث يجتمع "الربيع" و"الخريف" على سقفٍ واحد، وحيث التناقضات صارخة بين ما في النفوس وما في النصوص. فالوجه الجميل لأميركا الرافض للعنصرية وللتمييز العرقي والديني ظهر في العام 2008 بانتخاب مرشّح للرئاسة هو ابن مهاجر إفريقي مسلم أسود اللون (باراك حسين أوباما) ولا ينحدر من سلالة العائلات البيضاء اللون، الأوروبية الأصل، والتي تتوارث عادةً مواقع النفوذ والثروة، لكن خلف هذا الوجه الجميل لأميركا يوجد وجهٌ آخر، بشعٌ جداً، يقوم على العنصرية ضدّ كل المزيج الذي رمز له فوز أوباما في العام 2008. وشاهدنا في السنوات الأخيرة ممارساتٍ عنصرية كثيرة حدثت، وهي عنصريةٌ متجدّدة ضدّ كل أنواع المهاجرين الجدد من غير الأصول الأوروبية، وهي عنصرية نامية ضدّ الأقلّيات ذات الأصول الثقافية اللاتينية أو الدينية الإسلامية واليهودية!.

واقع الحال، أنّ أميركا، كما معظم بلدان العالم، كانت، وما تزال للآن، رمزاً للشيء ولنقيضه معاً. فالوجه البشع أيضاً لأميركا في تاريخ حروبها يقابله تفوّق أميركا أيضاً بتقديم المساعدات الإنسانية الخيرية لكثير من شعوب العالم التي تتعرّض لنكبات!. وأميركا، التي تؤثّر على صنع القرار فيها وتتحكّم باقتصادياتها المؤسّسات المالية الكبرى ومصانع الأسلحة وقوى "اللوبي"، هي التي تُحاسَب فيها شخصياتٌ سياسية واقتصادية وعسكرية مهما كانت مواقعها في مؤسّساتٍ مدنية وحكومية. وأميركا التي تدين الإرهاب وقتل الأبرياء المدنيين وتلاحق الجماعات الإرهابية هي نفسها التي استخدمت السلاح النووي لإنهاء الحرب مع اليابان، وهي التي قتلت مئات الألوف من المدنيين في حروبها بفيتنام والعراق وأفغانستان!.

أميركا هذه، تخوض الآن حملاتٍ انتخابية هامّة ستقرّر حاضر أميركا ومستقبلها، من خلال الصراع السياسي الدائر حالياً بين "الحزب الجمهوري" المهيمن عليه من تيّار محافظ، والذي على رأسه ترامب، وبين الحزب الديمقراطي الذي تتفاعل فيه تحوّلات أفرزت تيّاراً شعبياً تقدمياً متنوّراً يرمز إليه الآن وسط المرشّحين للرئاسة كلٌّ من بيرني ساندرز وإليزابيت وارن.

أيضاً، فإنَّ القوّة الحقيقية لأمريكا هي في تعدّديتها الثقافية وتنوّع أصول شعوب مجتمعها، وفي تكامل ولاياتها، وفي نظامها الدستوري الذي يساوي بين جميع المواطنين، وحينما تهتزّ عناصر القوّة هذه، فإنَّ الضعف والوهن لا يكون حينذاك في القرار السياسي أو في الحكومة المركزيّة فقط، بل في خلايا المجتمع الأميركي كلّه. فهي خسارةٌ كبرى لأميركا أنْ تتغذّى الآن فيها من جديد مشاعر التمييز العنصري والتفرقة على أساس اللون أو الدين أو الثقافة، بعدما تجاوزت أميركا هذه الحالة منذ معارك الحقوق المدنيّة في الستّينات، ثمّ من خلال انتخاب باراك أوباما لأهمّ منصبٍ حكومي في العالم.

ولم تشهد الولايات المتحدة الأميركية في السابق ما تعيشه هذه الأيام من عنفٍ كلامي كبير يصدر عن رئيسها ترامب ضدّ معارضيه من الحزب الديمقراطي وفي مواجهة العديد من المؤسّسات الإعلامية، بل حتّى ضدّ موظّفين سابقين في إدارته أو عاملين في أجهزة أمنية قاموا بواجبهم كما نصّت عليه القوانين الأميركية. فالتغريدات العنيفة الصادرة عن ترامب وصلت في الأسابيع القليلة الماضية إلى حدّ التهديد بحربٍ أهلية إذا قرّر الكونغرس عزله، بعد التحقيقات الجارية بشأن ضغوطاته على الرئيس الأوكراني من أجل إثبات صفقات فساد يريد ترامب إلحاقها بالمرشّح الديمقراطي للرئاسة جو بيدن وابنه هانتر.

وفي تغريدةٍ أخرى اتّهم ترامب رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب، آدم شيف، بالخيانة ودعا إلى إلقاء القبض عليه!. فترامب الحريص دائماً على التمسّك بالتعديل الثاني للدستور، والذي يؤكّد على حقّ حيازة الأسلحة، لا يبدو أنه يحرص أيضاً على "التعديل الأول" الذي يؤكّد على حرّية الرأي والتعبير، فكيف إذا كان الرأي يصدر عن مسؤولين في السلطة التشريعية مهمّتهم أصلاً مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية التي على رأسها الآن ترامب؟!.

وهذه ليست المرّة الأولى التي يُهدّد فيها ترامب بعنف الشارع من مؤيّديه، وهو يدرك بأنّ العديد من الداعمين له في عدّة ولايات أميركية هم أيضاً من دعاة التمسّك بحيازة الأسلحة وهم مستعدّون للنزول للشوارع تأييداً له، بل ربّما باستخدام العنف أيضاً، كما فعل أفرادٌ منهم في أمكنة عدّة ضدّ مهاجرين لاتينيين أو ضدّ مراكز لأقلّيات دينية وعرقية أو ضدّ جماعاتٍ سياسية مختلفة عنهم.

وهذا التهديد من ترامب بإمكانية حدوث "حرب أهلية" ليس موجّهاً فقط للديمقراطيين وللأجهزة الأمنية، بل أيضاً لأعضاء الكونغرس من "الحزب الجمهوري" لردعهم عن التضامن مع الدعوة لعزله من الرئاسة، من خلال تخويفهم بقوّة قاعدته الشعبية التي هي الآن أساس القوّة الشعبية للجمهوريين.

إنَّ أميركا تشهد حالاتٍ من التمييز الديني والثقافي بحقّ بعض الأقلّيات، ومنها العرب والمسلمون، وهذه الظواهر القائمة على أساس التمييز بناءً على لونٍ أو عنصر أو دين أو ثقافة هي التي تهدّد وحدة أي مجتمع وتعطّل أي ممارسة ديمقراطية سليمة. وإذا استمرّت وتصاعدت هذه الحالات، فإنّ عناصر القوّة المجتمعية الأميركية مهدّدة بالانهيار وبالصراعات الداخلية، وبانعكاس ذلك سلبياً على دور الولايات المتحدة، لكن حتماً سيراجع المجتمع الأميركي حساباته السياسية في الانتخابات القادمة، تماماً كما حصل بعد فترة حكم بوش الابن ومعاونيه من "المحافظين الجدد"، فأميركا حتّى الآن هي مجتمعٌ حيوي قادرٌ على استيعاب الأزمات ويتّصف بقوّة المناعة الذاتية ما يجعله يُصحّح نفسه.. ولو بعد حين!.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


حول قصف قاعدتين عسكريّتين أميركيّتين
بقلم: منير شفيق

قراصنة العثمانيين.. بين "باشا أغا" و"خيرالدين"
بقلم: محمد طعيمة



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب صبحي غندور |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2024
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       64 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       فلسطين- غزة:ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 41118//وزارة الصحة الفلسطينية: 13 شهيداً جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة في قطاع غزة منذ فجر اليوم//وسائل إعلام فلسطينية: شهيدان جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة//خمسة شهداء في قصف الاحتلال حي الزيتون ومخيم جباليا//       ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة، واصفاً الحادثة بالمروعة.// سابق يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات التالي العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على الجنوب اللبناني//       القوات الروسية تطهر 10 بلدات وقرى من قوات نظام كييف في كورسك//تنديد دولي باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة//       أحبار الأمة والعالم :المقاومة اللبنانية تستهدف مستوطنتي روش هانيكرا ومتسوفا بالصواريخ//كوبا تدعو المثقفين السوريين لدعم الرسالة المناهضة لإعادة إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب//       ستشهاد مواطنين اثنين جراء عدوان إسرائيلي بمسيرة على ريف القنيطرة//       المقداد لـ مانزي: نرحب بالعمل مع الوكالات الأممية وتسهيل عملها//تمديد فترة قبول طلبات المشاركة في منافسات الموسم الجديد من الأولمبياد العلمي السوري//الزراعة تناقش آليات دعم بذار القمح والأعلاف واستبدال بساتين الحمضيات الهرمة//       الاحتلال الإسرائيلي يسلم الصليب الأحمر جثامين 84 شهيداً قتلهم خلال عدوانه على قطاع غزة//المقاومة الفلسطينية توقع عدداً من جنود الاحتلال قتلى ومصابين جنوب قطاع غزة// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا)// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا) التالي وسائل إعلام لبنانية: استشهاد ٤ أشخاص جراء غارة لطيران العدو الإسرائيلي على بلدة مفيدون جنوبي لبنان//       نزوح قسري لآلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة//39653 شهيداً منذ بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة//وزارة التربية الفلسطينية: أكثر من 10 آلاف طالب استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//المكتب الإعلامي في غزة يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اختطاف الاحتلال لجثامين الشهداء وسرقة أعضائهم//       فلسطين:شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ 306 على قطاع غزة//حماس تعلن اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي//24 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       مذكرة تفاهم بين جامعتي البعث والبترول التكنولوجية الإيرانية // وضع مركزي تحويل كهربائيين جديدين بالخدمة في السويداء//صحة السويداء تستلم سيارات إسعاف لتلبية احتياجات المواطنين//