...في محطات الصراع العربي الاسرائيلي عبر تاريخه الطويل لابد من العودة الى تاريخ مشؤوم حين وقف وزير خارجية بريطانيا في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917 آرثر بلفور بعيد الحرب العالمية الأولى ليعلن ايمانه القوي «بحق» اليهود بوطن قومي ويجب إعطاء هذا الحق الأولوية على أي شيء آخر. ...في حين كان المتوقع من بريطانيا رد الجميل للعرب الذين كانوا يأملون منها أن تساعدهم في الحصول على استقلالهم بعدما وقفوا الى جانبها وأدوّا أدواراً حاسمة في مساعدة الجيوش البريطانية ضد القوات التركية، لكن بلفور كان يرى أن ليس هناك ما يجبره على مراعاة مشاعر سكان فلسطين، وأن هناك جذوراً ذات أهمية تفوق بكثير رغبات السكان العرب الذين يعيشون في تلك الأرض.
وعد بلفور مع سايكس - بيكو يمثلان أكبر جريمة في العصر الحديثيريدون القدس موطناً...! وقد سبق اعلان هذا الوعد لقاءات تنسيقية عقدت بين حاييم وايزمن وآرثر بلفور في العام 1906 أي بعد ثلاث سنوات من رفض الحركة الصهيونية لعرض قُدّم لها بانشاء وطن قومي في اوغندا، وعلى الرغم من أن اللقاء بين الرجلين لم يستغرق أكثر من ساعة، فإنه قد وضع البذور الاولى للوعد الذي صدر بعد 11 عاماً من تاريخ ذلك اللقاء المشؤوم، وكان بلفور قد ابدى استغرابه من رفض اليهود الروس للعرض المتعلق باوغندا واصرارهم على أن يكون ذلك الوطن في القدس تحديداً. واحتدم الجدل بين الرجلين وأظهر بلفور عدم اقتناعه بوجهة نظر وايزمن قبل أن يقول له وايزمن: «ماذا تفعل لو عرض عليك أن تكون باريس مدينتك وليس لندن». فرد بلفور: «لكننا نمتلك لندن بالفعل». فعاد وايزمن ليقول «ونحن كنا نعيش في القدس عندما كانت لندن لا تزال عبارة عن مستنقعات» وعندما سأله بلفور عما إذا كان هناك بين اليهود من يقتنع بهذا الرأي رد عليه وايزمن بأن رأيه هذا يعبر عما يفكر فيه ملايين اليهود في انحاء العالم. ما دفع وزير الخارجية البريطاني الى ابداء استغرابه من ذلك لأنه كما قال، سبق وأن تبادل النقاش مع كثير من اليهود وكانوا يرون غير ماكان يراه وايزمن، فرد عليه الأخير بأنه ربما قابل النوع الخطأ من اليهود!!...هل يشكل اليهود أمة؟ .. وكان جيفري لويس كتب مقالاً حول الموضوع في صحيفة الواشنطن بوست -علماً بأنه مؤلف كتاب «بلفور ووايزمن الصهيوني والمتعصب القومي ونشوء اسرائيل» أشار فيه إلى أن معظم اليهود البريطانيين لم يكونوا يؤيدون فكرة الحصول على وطن قومي في فلسطين ومن أبرز هؤلاء - أدموند مانتاغو - الذي كان يرفض فكرة أن اليهود يشكلون أمة متجانسة وكان يرى أن انشاء وطن قومي لهم في فلسطين سوف يقوض نضالهم العادل من أجل الحصول على حقوق متساوية في البلدان التي يعيشون فيها.... إن رفض وايزمن باوغندا واصراره العنيد على فلسطين جعل بلفور يوافق على اصدار ذلك الوعد الجائر الذي عرف باسمه والذي لعب دوراً خطيراً وحاسماً في تغيير مسار الشرق الأوسط الى الأبد. وهذا ما حدا بوزير الخارجية البريطاني - أرنست بيفين - في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لأن يقول لدايفيد بن غوريون.. لقد كان وعد بلفور الذي أصدرته بريطانيا عام 1917 أكبر خطأ ارتكبته الدبلوماسية الغربية في النصف الاول من القرن العشرين، ويمثل هذا الوعد خطأً فادحاً لأنه ألزم بريطانيا بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين في الوقت الذي لم يشكل فيه اليهود أكثر من 10 في المئة من اجمالي السكان وهو ما مهّد الطريق لقيام اسرائيل وأشعل الصراع الأعنف في العصر الحديث. وهذا ما يحمّل الضمير البريطاني تبعات ومظالم هذا الوعد وما حلّ بالشعب الفسطيني ووطنه وقضيته وسفك دماء وتطهير عرقي....مفاعيل وعد بلفور المأساوية!...لقد جاء وعد بلفور استكمالاً للمؤامرة البريطانية الفرنسية لتقسيم الدول العربية التي اطلق عليها «اتفاقية سايكس بيكو» وابرمت قبل ذلك بعام واحد بهدف زرع كيان عنصري استيطاني غريب لفصل المشرق العربي عن مغربه والحؤول دون توحد العرب. ...وعلى الرغم من أن الوعد كان بين «منْ لا يملك ومن لا يستحق» فهو صدر عن بلفور الى اللورد روتشلد أي انه بين شخص وشخص آخر وليس بين دولة واخرى وحين وعدت بريطانيا فلم يكن لها اي صلة بفلسطين التي كانت في تلك المرحلة جزءاً من الدولة العثمانية....لقد أسس هذا الوعد لأكبر مأساة شهدها القرن العشرين حيث لاتزال فصولها تتوالى على أرض فلسطين من خلال الممارسات العنصرية الحاقدة للكيان الصهيوني ونهجه العدواني ضد الشعب الفلسطيني الذي يواجه منذ أكثر من ستين عاماً شتى المجازر والحصار والادة، وتحولت اسرائيل الى رأس حربة للمشروعات الاميركية والاستعمارية التي تستهدف المنطقة والى مصدر تهديد دائم للأمن والسلم العالميين من جراء نهجها العدواني التوسعي وبما تمتلكه من أسلحة دمار شامل....إن وعد بلفور يمثل في الواقع اكبر جريمة ترتكب في العصر الحديث ضد الشعب الفلسطيني، لأنه قام على أكذوبة مفضوحة...شعب فلسطين صامد لن يتنازل!...«أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» وفلسطين أرض لها شعبها الذي عاش عليها منذ آلاف السنين بينما اليهود استوردهم الوعد المشؤوم الى أرض فلسطين، وشعب فلسطين برغم كل ما تعرض ويتعرض له من قتل وجور وظلم واضطهاد وانتهاك لحقوق ومحاولات محو تاريخه لن يتنازل عن حقه في أرضه وهو الذي قدم الآلاف المؤلفة من الشهداء وسيبقى صامداً مناضلاً في مواجهة الكيان العنصري والمشروع الارهابي العنصري على ارض فلسطين.