تزامناً مع عودة تأكيد ستيف بانون، كبير مستشارى دونالد ترامب السابق فى البيت الأبيض عن خطط لتأسيس مؤسسة في أوروبا يأمل أن تغذي انتشار الشعبوية اليمينية عبر القارة، هذا الحديث لبانون يتزامن مع استمرار مظاهرات مجموعة السترات الصفراء في عدة دول أوروبية وتحديداً فرنسا، مع إجماع معظم المتابعين لحركة ونشأة هذه المظاهرات وتلك المجموعة على أن الخلفية الرئيسية المحركة لتلك المجموعة هي اليمين المتطرف في أوروبا، وبالمحصلة فالحدث وحركة مايسمى بالسترات الصفراء بحد ذاته لم يكن مفاجئاً للبعض وإن كان بزخمٍ عالي وأكبر من المتوقع، فكل من تابع إعلامياً ما شهدته مدينة كوبلنس الألمانية /العام الماضي/ من مؤتمرٍ لأهم أقطاب اليمين المتطرف في أوروبا، وذلك تزامناً مع تولي دونالد ترمب منصبه رسمياً رئيساً للولايات المتحدة، هذا المؤتمر حضره كل من زعيمة حزب /البديل من أجل ألمانيا/ فراوكا بيتري، وزعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، وكذلك الشعوبي الهولندي المعادي للإسلام خيرت فيلدرس، وزعماء آخرون من النمسا وبولندا وجمهورية التشيك، والتقي حينها الزعماء تحت شعار /الحرية لأوروبا/ بهدف تعزيز العلاقات بين أحزابهم التي أعاقت نزعاتها القومية التعاون الوثيق بينها في الماضي /بحسب ما تتدعي/، كان سيدرك جيداً أن هذا المؤتمر حتماً سينتج حدثاً مفاجئاً للبعض ،وهو ما توج اليوم بحركة مظاهرات السترات الصفراء .
واليوم وتزامناً مع استمرار حركة السترات الصفراء وتوسعها والمدعومة من اليمين المتطرف، يؤكد ان هناك حراك بزخم مرتفع من قبل اليمين المتطرف في عموم القارة العجوز ، بهدف العودة من الجديد للعب دور سياسي بمستقبل هذه القارة ،فاليمين المتطرف يملك قواعد شعبية بعشرين دولة اوروبية ،وهنا عندما نتحدث عن نشأة هذا اليمين المتطرف ،فنقرأ بالتاريخ أنه مع مطلع تسعينات القرن الماضي ،بدأت هناك تغيرات كثيرة /طارئة / على أوروبا ، ليس أولها ولا اخرها انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشرقية /لاوروبا /متمثلة في حلف وارسو وتأسيس الاتحاد الأوروبي ونتيجة لما سبق، فإن الدويلات التي ظهرت من انهيار الاتحاد السوفيتي بدأت تعود لأصولها العرقية وهو ما ساهم في ظهور النزعة القومية عند الكثير من الأوروبيين وانضمام مثل هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبي فيما بعد، في 2008، بدأت أزمة مالية عالمية اعتبرها البعض الأسوأ منذ الكساد الكبير 1929، أدت هذه الأزمة لانتشار البطالة والركود الاقتصادي، ومع زيادة الهجرة بدأ بعض الأوروبيين ينظرون للمهاجرين كمزاحمين لهم في وظائفهم وهنا ظهرت دعوات للتضييق على المهاجرين ودعوات عدائية ضدهم/وهنا بدأ خطاب اليمين المتطرف بالرواج واستطاع خلق بيئة وقاعدة شعبية داعمه له/.
وهنا، لايمكن أنكار حقيقة أن اليمين المتطرف باوروبا يحمل اجندة تلتقي مع مضامين واجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومع التقاء هذه الاجندة تتزايد المخاوف من أن تساهم هذه الاجندة بصناعة خطاب عنصري يفيض بمشاعر الكراهية والعداء لجميع الأجانب والمهاجرين واللاجئين، فالاجندة التي تحملها احزاب اليمين المتطرف في اوروبا في حال تنفيذها من المؤكد أنها ستعصف بأوروبا وتهدد وحدتها، فهذه الاجندة تهدد قيم التسامح الديني والتعايش السلمي وقبول الاختلاف والتعدد الثقافي، فهي تدعوا صراحة إلى إشعال صراع الحضارات، وهذا الموضوع وهذا الخطاب بحد ذاته يشكل خطراً على العالم كل العالم .
ولكنا هنا بالتحديد، يجب التنويه أن اليمين المتطرف وخطابه /المتطرف/،يلقى معارضه كبيره من قوى أوروبية وشعبية لها وزنها السياسي والشعبي والمجتمعي ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد عبر رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي عن رفضه لتصاعد قوة الأحزاب اليمنية المتطرفة وقال ذات مرة /أن فوز اليمين المتطرف في انتخابات فرنسا وألمانيا سيؤدي إلى تدمير أوروبا/ ،هذا الخطاب الرسمي الاسباني تلتقي معه انظمة اوروبية وقوى سياسية اوروبية عدة رافضة لهذا الخطاب /المتطرف) ولاجندته .
ختاماً، يبدو واضحاً أن التيار اليميني المتطرف في أوروبا يسعى لتعظيم تمدده وقوته السياسية والمجتمعيه في أوروبا من خلال تعظيم الخطر على مستقبل اوروبا وبلدانها،ويرى في ذلك مصلحة كبرى من أجل توحيد الأوروبيين على قضية كبيرة ،تخدم استمرار وتمدد هذا التيار اليميني المتطرف في أوروبا.