استقبلت بعض مشيخات النفط قيادات صهيونية بشكل علني في الأيام الماضية، كان الأمر قبل سنوات يتمّ في الخفاء، لكنه بات اليوم عَلناً وبلا ذرّة من الخجل العربي المعهود، اللافت للنظر هنا هو حضور المرأة بقوّة في التطبيع العَلَني مع شيوخ النفط، ولعلّ وزيرة الرياضة الصهيونية (ميري ريجيف) ودورها قبل أيام في إمارة أبوظبي وإختراقها العَلَني للوزارات والمجالس وحتى المساجد وبموافقة وحرارة خليجية مُنقطعة النظير؛ لعلّ في هذا النموذج ما يكفي للتدليل على قوّة دور المرأة في لعبة الموساد لإختراق الدول العربية، وبخاصة الخليجية منها والتي يمثل الضعف التاريخي لهم أمام العنصر النسائي سمة مشتركة في كل حياتهم السياسية والاقتصادية.
إذن حضر الموساد ليس بزيارة نتنياهو إلى عُمان أو أيوب قرا وزير الاتصالات إلى دبي. ولكن عبر ميري ريجيف وزيرة الرياضة – وغيرها- التي تقول سيرة حياتها إنها كانت قائدة فصيلة في برنامج الموساد العسكري المعروف بـ (غادنا) والمُتخصّص في التدريب والإعداد العسكري للشباب الذين يعدّونهم للخدمة العسكرية داخل إسرائيل وخارجها، خاصة في مشيخات النفط. ولقد كانت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة وسّيدة الموساد الشهيرة، واضحة للغاية عندما علّقت على زيارة وزيرة الرياضة الصهيونية إلى أبوظبي واستقبال عرب النفط لها - بترحاب لا يليق بعربي قتل الموساد على أرضه قيادات فلسطينية لعلّ أشهرهم (المبحوح) من دون احترام لردود فعلهم _؛ قالت وهي تشعر بالغيرة مما فعلت زميلتها (لقد مهّدنا لها الطريق وكانت لنا أدوار ساعدت في الوصول إلى هذه اللحظة من التطبيع مع الخليج عبر نساء الموساد).
إن هذا التطبيع مع مشيخات النفط السام يدعونا إلى تناوله من زاوية أخرى مختلفة ، وهي زاوية دور المرأة في الموساد الإسرائيلي . فماذا عنها ؟ بداية يحدّثنا تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني أن واحداً من أهم دروس المائة عام الماضية من الصراع مع الكيان الصهيوني بعد وعد بلفور (1917)؛ هو قدرة هذا الكيان الإستعماري على توظيف هيئات وقوى مُتعدّدة في صراعه معنا؛ ومن بين هذه القوى هو إستخدام (المرأة) في المواجهة، ليس فحسب المواجهة المدنية والعسكرية في الجيش والشرطة، بل إستخدامها وعلى نطاق واسع وطيلة سنوات الصراع في عمليات التجسّس الخارجي على الفلسطينيين ومَن يساندهم من دول وسياسيين بل ومُثقّفين عرب وغير عرب، وتاريخ الموساد الإسرائيلي حافل بعشرات القصص المُثيرة والخطيرة، ليس هنا مقام روايتها، فقط نشير إلى خطورة هذا السلاح والذي تستخدمه كافة أجهزة الأمن الصهيوني الداخلية والخارجية.
ولعلّ ما نُشِرَ قبل فترة عن الدور الخطير الذي لعبته وزيرة خارجية العدو الصهيوني السابقة تسيبي ليفني، والتي كانت أحد أبرز "النساء العاملات" في جهاز الموساد الإسرائيلي، ما كشف عن دورها في توظيف (علاقاتها) لتجنيد قيادات كبيرة من فريق أوسلو الفلسطيني، وكيف استخدمت في ذلك كل الأسلحة - بما فيها الجنس- لإخضاعهم لإرادة وخطط الموساد والحكومة الصهيونية، هذا فضلاً عن قصص بعض العملاء الصغار من الشباب الفلسطيني في الداخل والذين يُسمّيهم الشعب الفلسطيني بـ(العصافير) ، وما ترتّب عليها من قتل وتصفية لعناصر وقوى مقاوِمة مع إفشال لبعض عملياتها المهمة ، ومنها حفر الأنفاق تجاه الأراضي التي يحتلّها الكيان الصهيوني ، وعمليات القنص للجنود الصهاينة وغيرها من العمليات المساندة لإنتفاضة مسيرات العودة كان إستخدام أجهزة الأمن والتجسّس الإسرائيلية للمرأة دور فيها.
ومن دون الدخول في حكايات تاريخية نتذكّر فقط وعلى سبيل المِثال – وليس الحصر – ما كشفته جريمة اغتيال القيادي في حركة حماس (محمود المبحوح الذي كان مسؤولاً عن تزويد غزّة بالصواريخ من إيران وسوريا في 19/1/2010)، عن دور مميّز للمرأة العامِلة في جهاز الموساد الإسرائيلي، حيث ثبت أن خمساً منهن قد اشتركن في هذه الجريمة، (وترأست الجاسوسة جيل بوليرد المجموعة) وتمثلّت أدوارهن في جمع المعلومات أو التمويه أو حتى المساهمة في عملية القتل ذاتها (القتل تم بالسمّ والصعق بالكهرباء داخل غرفته بالفندق في دبي) ، إن هذه الحقائق تؤكّد على الدور التاريخي الخطير للمرأة الصهيونية في الأعمال الإرهابية عبر جهاز الموساد.
وهذا ما أكّدته مؤخّراً صحيفة (معاريف) الإسرائيلية التي نشرت تحقيقاً عن تجنيد النساء للعمل في الموساد، حيث تبيّن أن 20% من عملاء الموساد من النساء، وللمرة الأولى في تاريخ هذا الجهاز تتبوّأ امرأة منصب نائبة رئيس الموساد هي (افرايم هليفي).. حيث أكّد رئيس الموساد الأسبق (أهون ياتون) الذي اضطر للاستقالة من منصبه بعد محاولة الاغتيال الفاشِلة لخالد مشعل (25/9/1997) ، أن الموساد هو الجهاز الأمني الوحيد الإسرائيلي الذي يستوعب النساء للعمل في وحدتين الأولى (كيشت) أو (القوس) المُتخصّصة في اقتحام المكاتب في جميع أنحاء العالم، ومهمّتها تصوير المستندات المهمّة، ووضع أجهزة التنصّت، والثانية وحدة (ياريد) أو (السوق) المُتخصّصة في حراسة ضباط الموساد في أوروبا وأميركا الذين يلتقون مع عملائهم في أماكن سرّية.
رئيس الموساد الأسبق (داني ياتوم) قال في هذا السياق – أيضاً – إن نسبة النساء بين العاملين في الموساد هي الأعلى بين كافة أجهزة المخابرات ، ورغم أن الموساد يرفض الإفصاح أو الكشف عن عدد النساء العامِلات في صفوفه ، فإن هناك مصادر عديدة تؤكّد أن النساء يشكّلن نسبة كبيرة من عدد العملاء المُكلّفين بتنفيذ المهام في الموساد، وتفسير ذلك أنهن بمثابة سلاح ناعِم شديد الخطورة، سلاح يصعب كشفه أو الاحتياط منه لأنه يستخدم وسائل خبيثة وسرّية تستند إلى طبيعة المرأة الإسرائيلية ذاتها، وفي هذا الإطار أيضاً أكّدت الوثائق الإسرائيلية على أن الموساد يركّز على تجنيد النساء اللواتي قَدِمن من الدول الغربية إلى إسرائيل وذلك لأنهن يمتلكن ثقافة منفتحة لا تعرف الفرق بين الحلال والحرام أو الخير والشر؟
ثقافة مادية بالأساس، قائمة على العنف والجنس المفتوح وهي ذات الثقافة التي بُني عليها التجمّع الصهيوني في فلسطين، ولقد كشف العديد من العمليات الإجرامية للموساد في أوروبا ضدّ الفلسطينيين والعرب الذين يعيشون هناك خلال الستين عاماً الماضية منذ إنشاء الموساد تحديداً (1957)، على الاستخدام الواسع للمرأة اليهودية ذات الجذور الغربية في عمليات الموساد التي تُقدِم على القتل والإرهاب بقلب بارِد، إن الخبراء يؤكّدون أنه وبعد رصد دقيق لأغلب العمليات التي شاركت فيها المرأة داخل الموساد وجدوا أنهن يعملن في عدّة وحدات داخل الموساد إلى العمل في وحدة تُسمّى (كيدون) وتعني الرمح ، وهي مُكلّفة بعمليات المراقبة والاختطاف والقتل، هذا وتُعدّ (تسيبي ليفني) وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة من أشهر عميلات الموساد والتي شاركت في عدّة عمليات سرّية قبل أن تترك المخابرات وتتّجه للعمل السياسي، وهو ما يؤكّد أن عمل المرأة في الموساد يُمهّد لها الطريق للصعود السياسي لاحقاً داخل الكيان الصهيوني.
إن هذا السلاح الناعِم/السام والقائم في جزء أصيل منه على إستخدام قدرات المرأة، وبخاصة القدرات العاطفية والجسدية، يُعدّ أحد أخطر أسلحة الموساد ضدّ المحيط العربي والفلسطيني بخاصة، ومن المهم للغاية الإنتباه إلى مخاطره المستقبلية التي نتوقّع أن تتزايد، في ظلّ حال فقدان الرؤية والتخبّط الشديد الذي تعيش فيه بعض القيادات الفلسطينية والعربية وبالذات في مشيخات الخليج العربي المحتل ، وهو للأسف محتل بإرادة بعض حكّامه ومزاجهم والذين يعملون الآن بحرارة في التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر الموساد وواشنطن . ومن المؤكّد أن التاريخ يُسجّل، وسيضع هؤلاء يوماً في سجّل الخيانة الذي يليق بهم ؛ ومن المؤكّد أيضاً أن المقاومة والحق في فلسطين سينتصران رغم صعوبات اللحظة ورغم خذلان ذوي القُربي . إن التاريخ يؤكّد عبر سننه وتجاربه ، خاصة في منطقتنا العربية ؛ أن الدم حتماً سينتصر على السيف وفي هذه المرة وبعد أن ارتدى هذا السيف الصهيوني عباءة النفط الخليجي وذهب يُراقص بها (ميري ريغيف وتسيبي ليفني ) بلا حياء، من المؤكّد لدينا أن الدم الفلسطيني والعربي سينتصر هذه المرة وقريباً على السيف الصهيوني والنفط الخليجي معاً. والله أعلم .