في وقت سابق، كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، و أعلن ضرورة إنشاء جيش أوروبي للحماية من الولايات المتحدة واستعادة السيادة الأوروبية، كما أكد وزير الدولة الفرنسي المكلف بالتجارة الخارجية ماتياس فيكل، أن على الاتحاد الأوروبي الخروج من حالة الخضوع للولايات المتحدة في مجال العولمة ويطبق على نحو كامل مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات الاقتصادية، كما أشار الوزير الفرنسي إلى أن "عدم القدرة على التنبؤ بأفعال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واندفاعه يضفيان حيرة على العالم بأسره"، مؤكدا أنه حيال ذلك يتعين أن يكون الاتحاد الأوروبي وفرنسا، أكثر من أي وقت مضى، عامل استقرار في العالم، أما التصريحات الفرنسية بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي كانت تحمل صراحة رسائل عديدة، و على ما يبدو تلقفها ترامب المدافع و بشدة عن ابن سلمان المتورط في قضية خاشقجي، فقد قال وزير المالية الفرنسي برونو لو ماي عُقب اعتراف السعودية بقتل الخاشقجي: "أرى أن السلطات السعودية غيرت الموقف واعترفت بالحقائق وقبلت بعض المسؤولية وبالتالي نحن نحقق تقدما" وأضاف أنه مع ذلك يجب الكشف عن كل الملابسات، كما أضاف أن مسار العلاقات الثنائية "سيتوقف على الطريقة التي ستعلن بها الحقيقة والتي سيجري بها التحقيق والنتائج التي يتم التوصل إليها".
عليه يبدو واضحا أن العلاقات الفرنسية الأمريكية تشهد توترا حاداً منذ الاحتفال بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، والتي أعقبها تصريحات شديدة اللهجة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد فرنسا خاصة، بعدما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رغبته الملحة على إنشاء جيش أوروبي، من أجل خفض الاعتماد على الولايات المتحدة في الدفاع، و قد تطورت التصريحات الأمريكية حتى وصلت إلى وصف فرنسا بـ "التابعة لها"، وأن الولايات المتحدة هي صاحبة الفضل على فرنسا في كونها مستقلة.
و لعل ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه لأمر "مهين للغاية" أن يقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن تشكل أوروبا جيشاً لحماية نفسها من أعداء محتملين منهم الولايات المتحدة، قد يُفسر السبب الواضح و طبيعة الاحتجاجات في فرنسا، و التي لم تشهدها الجمهورية الخامسة منذ وقت طويل، خاصة أن هذه الاحتجاجات في طبيعتها و إخراجها تتشابه إلى حد ما مع الاحتجاجات التي اجتاحت بلدان كثيرة في السنوات الماضية، هذا الأمر يدفع المتابع إلى التساؤل عن إذا ما كانت هناك أيدٍ خفيه تقوم بهندسة الاحتجاجات، و دفعها لتأجيج الأوضاع في فرنسا، وبالأخص الولايات المتحدة، خاصة إذا ما نظرنا إلى أعمال العنف المتبادل بين المتظاهرين و القوات الفرنسية، و هذا ما أكده المشهد الفرنسي الغارق بالاحتجاجات، و التي أبعد من أن تكون ناجمة عن ظروف اقتصادية، و ما يُفسر ذلك، أن مطالبات المحتجين برحيل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من السلطة، يتعارض و بشكل صارخ مع مبادئ الدمقراطية الفرنسية والتي تقوم على الالتزام بما أفضت إليه نتائج العملية الانتخابية.
من هنا يمكننا القول بأن الاوضاع الاقتصادية لا تُشكل في ماهيتها سببا جوهريا يدعو إلى التظاهر، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية في فرنسا تشهد استقرار بالمقارنة مع التقلبات الاقتصادية في عهد الرئيس السابق فرنسوا أولاند، صحيح أن في عهد أولاند شهدت فرنسا بعض الاحتجاجات، لكنها لم ترقى لمشهد الشانزليزيه المحترق، فقد أقدم المتظاهرون على تحطيم السيارات و نهب المحال التجارية و إشعال الحرائق، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت هناك أياد خفية دفعت باريس نحو هذا المنحدر، بالتزامن مع التطورات التي تشهدها القارة الأوروبية ككل.
في المحصلة، يمكننا القول بأن الاحتجاجات الفرنسية قد يستثمرها ترامب لتأديب ماكرون عُقب تصريحاته الاخيرة، فالدعم الامريكي لهذه الاحتجاجات تُثير الكثير من التساؤلات، و علينا أن لا ننسى بأن فرنسا تدعم السياسات الامريكية في الكثير من قضايا الشرق الاوسط، فضلا عن أن فرنسا تُمثل القوة الاوروبية الابرز و الاقرب للسياسة الامريكية، فهل ستكون هذه التظاهرات بمثابة العصا الترامبية لتأديب ماكرون؟، و هل من الممكن أن تتطور التظاهرات لتكون سببا في إسقاط الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون و استبداله برئيس يناسب العقلية الترامبية؟، القادم من الايام ستكشف ما كان خافيا.