بمناسبة الأخبار المُتزايدة عن الحضور الإسرائيلي للمونديال في قطر نفتح مُجدّداً الملف. ملف حقيقة وأسرار العلاقات القطرية الإسرائيلية والتي تعدّ الأقدم بين مشيخيات الخليج الذي يهرول كله الآن وبلا ذرّة كرامة ناحية التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل. فماذا عن تلك العلاقات؟
رغم أن 3 سنوات لاتزال تفصلنا عن موعد المونديال الرياضي المُفترض إقامته في إمارة قطر عام 2022، إلا أن العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية والقطرية أعلنت أن الحضور الإسرائيلي لهذا المونديال بات مؤكّداً ومُرحّباً به جداً من قِبَل أعلى سلطات الحُكم في الإمارة. في هذا السياق كشفت القناة الثانية الإسرائيلية في تقرير بثّته على موقعها الإلكتروني، الأسبوع الماضي، أن الدوحة وجّهت دعوات للمُشجّعين الإسرائيليين لحضور المونديال، مُعلنة عن تقديم تسهيلات خاصة له. وذكرت القناة الإسرائيلية، أن مسؤولين قطريين تحدّثوا لمراسلها في الدوحة الذي قام بإعداد تقرير خاص عن استعدادت الدوحة والملاعب الجديدة التي قامت ببنائها، حيث أكّدوا أنه لا مانع لديهم من إستضافة المُشجّعين الإسرائيليين حتى ولو كانوا من سكان المستوطنات الموجودة في القدس المحتلة أو الضفة الغربية، تلك التي يُحرّم الحكّام العرب وبخاصة الحكّام المُطبّعين ،التعامل معهم على أمل أن تكون تلك الأراضي هي دولة فلسطين التي وعدوا الفلسطينيين بها منذ كامب ديفيد وحتى أوسلو، ليتركوا باقي فلسطين (75 في المائة تقريباً) لدولة الكيان الصهيوني وأنه لذلك تصبح تلك المستوطنات غير شرعية من منظورهم السلامي ذاك، وأن دعوة مستوطنيها لأية فاعلية رياضية أو ثقافية تعني ضمناً الاعتراف الرسمي بشرعيّتهم، يفهم الحكّام المُطبّعون ذلك فيتهرّبون عادة من هكذا ورطات سياسية حتى تكتمل صفقة القرن أو التسويات الجارية، إلا أن حكّام قطر ضربوا بهذا التحفّظ عرض الحائط رغم رصانتهم وادّعاءاتهم عن الدعم المالي والسياسي للفلسطينيين ،الحقيقة مع المونديل شيء آخر تماماً. ووفقاً لما نُشِر على بعض المواقع وفي الصحافة العربية الأسبوع الماضي فإن المسؤولين القطريين أكّدوا الحضور الإسرائيلي، بل إن حسن الحمادى مسؤول البنى التحتية في قطر أكّد أن الإسرائيليين مُرحّب بهم في الدوحة لمشاهدة الفرق التي ستشارك في المونديال، وأضاف، في حوارٍ مع موقع "سبورت وان" الرياضي الإسرائيلي، أنه على الرغم من عدم تأهّل المنتخب الإسرائيلي إلى المونديال إلا أن الجماهير الإسرائيلية مُرَّحب بهم لمشاهدة المونديال ومشاهدة الاحتفالات التي ستقام في الافتتاح. ومن المعلومات المهمة في هذا السياق أن قطر تعاقدت منذ عام تقريباً مع شركة أمن إسرائيلية مقابل 300 مليون دولار بهدف تأمين كأس العالم، الذي تستضيفه، حيث ستقوم الشركة الإسرائيلية بتأمين دخول وخروج المُشجّعين من وإلى الملاعب عبر نصب بوابات إلكترونية شبيهة إلى حد بعيد ببوابات المسجد الأقصى التي تقيّد حركة المصلّين الفلسطينيين. والآن وبمناسبة هذه الأخبار المُتزايدة عن الحضور الإسرائيلي للمونديال في قطر نفتح مُجدّداً الملف ملف حقيقة وأسرار العلاقات القطرية الإسرائيلية والتي تعدّ الأقدم بين مشيخيات الخليج الذي يهرول كله الآن وبلا ذرّة كرامة ناحية التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل . فماذا عن تلك العلاقات؟ أولاً: يعود البدء الرسمي للعلاقات القطرية الإسرائيلية (لأن هناك بدء لعلاقات تاريخية سرّية قديمة منذ السبعينات وللحديث عنها مقام آخر) وفقاً لحقائق التاريخ بدأت قطر علاقاتها مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد للسلام (30/10-1/11/1991) وكان أول لقاء قطري إسرائيلي مع رئيس حكومة الكيان الصهيوني وقتها شمعون بيريز بعد زيارته لقطر عام 1996 وافتتاحه المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة وتوقيع اتفاقيات بيع الغاز القطري لإسرائيل، ثم إنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب، ثم توالت الاتفاقات الاقتصادية والصفقات السياسية بين قطر والكيان الصهيوني ومثلّت مرحلة حمد بن جاسم وزيراً للخارجية(1/9/1992-26-2013) أهم وأفضل مرحلة في تاريخ تلك الإمارة في التطبيع السرّي والعلني مع إسرائيل وفي اللعب بكل ملفات الصراع لصالح الكيان الصهيوني وبالتحديد ملف حركة حماس والإخوان المسلمين وتدمير سوريا وليبيا باسم الثورة وإن كان الهدف الاستراتيجي كما كشف لاحقاً هو التخديم على مصالح واشنطن وتل أبيب ومساندة عرش الأسرة الحاكمة في قطر وسط طوفان الصراعات في الخليج. وهنا أيضاً نتذكّر ما أورده سامي ريفيل مديرمكتب رعاية المصالح الإسرائيلية في قطر (1996-1999)، يعني بلغة سياسية (سفير إسرائيل الأسبق في قطر) في كتابه "قطر وإسرائيل- ملف العلاقات السرّية" إنه كان من الصعوبة بمكان ترتيب وتقوية العلاقات القطرية الإسرائيلية التي شارك فيها هو بنفسه لولا حكومة قطر التي ذلّلت كل الصعاب وحصل على تسهيلات كثيرة من مسؤولين قطريين كبار وشركات قطرية كبرى. وقال أيضاً: إن الشيء الرئيس لعلوّ شأن دولة قطر يعود إلى الدور الذي تلعبه كجسر معلّق بينها وبين إسرائيل، ملمّحاً إلى الدور الذي لعبته قطر في دعوة الكثير من الدول العربية ولا سيما دول المغرب العربي على فتح العلاقات تجاه الدولة الإسرائيلية تحت مُسمّيات تجارية علنية وسرّية!. ثانياً: إذن قطر لا تختلف، بل تزيد، في مسألة العلاقات الدافئة مع الكيان الصهيوني ،عن باقي دول الخليج، بل هي الأخطر في هذا السياق ودور فضائية الجزيرة-على سبيل المثال- في شرعنة التطبيع الإعلامي مع الكيان الصهيوني عبر علاقات مفتوحة واستضافات على الهواء لقادة ومسؤولي أجهزة إسرائيل، يمثل أحد شواهد التطبيع الأبرز في الفضاء الإعلامي وفي اختراق عين وعقل المشاهد العربي والذي بعد مشاهدته لهذا الاختراق يعتبر ذلك الضيف الإسرائيلي المحتل والقاتِل شخصاً طبيعياً ويمكن التعامل معه بلا حرَج، بل وأحياناً يتعاطف مع منطقه بعض الجُهلاء والعملاء خاصة من مثقّفي السلطة في الخليج، وكان هذا أحد أهم الأدوار المطلوبة من (الجزيرة) وقطر، منذ إنقلاب حمد بن خليفة على أبيه في حكم المملكة عام 1995. اليوم عندما تتصاعد التصريحات للترحيب بالإسرائيليين جمهوراً ولاعبين في مونديل قطر أو في مباريات وأنشطة رياضية وثقافية وإقتصادية أخرى جرت وقد تجري قبل المونديال ؛ يُعدّ أمراً غير مُستبعد وطبيعي في سياق تاريخ تلك الإمارة بالكيان الصهيوني، والذي في مجمله تاريخ أسود على الفلسطينيين وقضيتهم ، ولذا لم يكن مستغرباً قبل أيام قيام المواطنين الغزّاويين الذين يدركون جيداً طبيعة وتاريخ الدور القطري في تدمير قضيتهم، والتجارة بها عبر العلاقات الخاصة مع الفريق الإخواني في حركة حماس وغيرها من الجماعات، بطرد وإهانة السفير القطري محمّد العمادي يوم 9/11/2018 ، ونحسب أن التاريخ لن يغفر لتك المشيخيات والممالك الخليجية ما تقوم به الآن من تطبيع سياسي ورياضي وإقتصادي مع كيان ودولة إرهاب تحتل أرض وتاريخ ومُقدّسات الأمّة وليس الفلسطينيين وحدهم ، والمفترض أن تلك المشيخيات تنتمي إلى تلك الأمّة ، لكن يبدو أن هذا الانتماء هو فحسب في الجغرافيا ولا علاقة له بالتاريخ والدين ولا بالشرف والكرامة العربية ، فتلك قِيَم سقطت هناك في ذلك الخليج المحتل بالقواعد الأميركية والعلاقات الحرام مع الكيان الصهيوني . والله أعلم. الميادين |