بمناسبة الأفعال والأفعال المضادة الدائرة رحاها هذه الأيام في المجال التجاري الدولي بين الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة دونالد ترامب وكل من دول الاتحاد الأوربي والصين واليابان ، وخاصة من حيث فرض رسوم جمركية إضافية على بعض السلع محل التبادل من قبل كل طرف إزاء الطرف الآخر، يثور التساؤل عما إذا كان هناك تنظيم متفق عليه بالفعل للمبادلات التجارية العالمية، وعما إذا كان هذا التنظيم فعالا وإلى اي حد؟ و هل من بديل؟
وبدايةً، نقول إن هذا التنظيم موجود بالفعل الآن، بل قد وجد بالتوازي مع المؤسسات الأخرى الناظمة للعلاقات الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حين تمت إقامة كل من صندوق النقد الدولي" والبنك الدولي" بمقتضى ما يسمّى "اتفاق بريتون وودز" عام 1944، ثم إقامة "الأمم المتحدة" نفسها بمقتضي الموافقة على "ميثاق الأمم المتحدة" المنبثق عن مؤتمر "سان فرانسيسكو" عام 1945، وكذا إبرام "الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة" في جنيف 1947، ثم ماتلا كل ذلك من مؤسسات دولية عبر الحقبة الماضية.
ونركز هنا على تنظيم التجارة الدولية، حيث نذكر ان "الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة"-المعروفة اختصارا ب "الجات" أو "جات"- قدمت إطارا دوليا مقبولا من الأطراف المتعاقدة لتيسير إجراءات التبادل التجاري الدولي، بالتركيز على تخفيض مبرمج متبادل للرسوم أو التعريفات الجمركية، غير أنه كان يعيبها عدة امور: أولا انها جعلت مناط اهتمامها ما يسمى بإزالة الحواجز او القيود الجمركية ، ولم تضع تنظيما محددا لما يسمى بالحواجز أو القيود غير الجمركية، والتي سرعان ماتبين، عبر الزمن، أنها أشد تأثيرا على التجارة من مجرد فرض الرسوم. فقد تحايلت الدول على الرسوم بفرض قيود فتاكة يصعب الوصول إليها و معالجتها.
وثانيا أن الاتفاقية المذكورة سمحت للدول الأعضاء بالتحرر من قواعد تخفيض التعريفة بحجة "حماية المصلحة الوطنية" حيث توسعت الدول في تعريف مصلحتها القومية وطبقت بمقتضاها قيودا جمركية من خلال أسوار تعريفية عالية.
وثالثا أن الاتفاقية لم تضع قواعد ناظمة تأخذ في اعتبارها الوضع الخاص بالدول النامية وضرورة إعطائها مزايا تفضيلية خارج قاعدة "المعاملة بالمثل" وخارج قاعدة "الدولة الأوْلى بالرعاية" القاضية بأن الدولة تلتزم بإعطاء أي ميزة قدمتها لدولة أخرى، إلى أي "طرف ثالث"، أي لعموم الدول الأخرى في الاتفاقية. (وقد حاولت "الجات" بعد ذلك التغلب على هذا العيب من خلال ماسمّي بالنظام المعمم للتفضيلات الصناعية.) كما لم تضع الاتفاقية في اعتبارها ضرورة تشجيع الاتفاقات الإقليمية للتجارة المتبادلة بين البلاد النامية وبعضها البعض (كالدول العربية مثلا) ، وان سمحت بها من حيث المبدأ عموما.
ورابعا أنها كانت ذات "قاعدة تمثيلية" ضيقة نسبيا للمجتمع العالمي، إذ بقيت خارجها دول ومجموعات عديدة مؤثرة في التجارة الدولية.
من أجل التغلب على هذه النواقص في اتفاقية الجات "القديمة"، أخذت الدول الأعضاء في عقد سلسلة جولات للمفاوضات متعددة الأطراف اعتبارا من عام 1986، في إطار ما سمّي بمفاوضات "أوروجواي"، بهدف التوصل إلى إطار تعاقدي جديد يأخذ في الاعتبار كافة الملاحظات التي أبديت على الاتفاقية المذكورة.
و بالفعل تم التوصل بعد مفاوضات استمرت زهاء ثماني سنوات إلى إطار جديد تم التوقيع عليه في مدينة مراكش –العربية المغربية- في مايو 1994، تمت بموجبه إقامة منظمة دولية جديدة باسم "منظمة التجارة العالمية" WTO، ومرفق به مجموعة اتفاقات سميت "جات 1994" و مجموعة "إعلانات مباديء تفصيلية" ممثلة في عدة اتفاقات أهمها" اتفاقية التجارة في الخدمات"، و "اتفاقية الملكية الفكرية" و"اتفاقية الاستثمار متعددة الأطراف".
وقد اشتملت الاتفاقات المرفقة باتفاق إقامة المنظمة الجديدة على قواعد تفصيلية تنظم خفض وإزالة التعريفات، والقيود غير الجمركية على اختلافها، وحددت حقوق و التزامات الأطراف المتعاقدة من أجل تجارة عادلة سواء من حيث المجال الجمركي او غير الجمركي، وطرق تسوية المنازعات من خلال الآلية القضائية للمنظمة. كما بينت أحكام الاتفاقية الحالات التي يجوز بموجبها "التخلص من الالتزام" بحرية التجارة، كما في حالة فرض رسوم جمركية إضافية. و قد قدمت الدول الأعضاء بعد ذلك ما سمّي بجداول التزامات أو تعهدات الدول الأعضاء في مجال خفض الرسوم الجمركية، على كل مجموعة سلعية، توصلا إلى الإزالة التامة للقيود التعريفية في آجال محددة. وقدمت الاتفاقيات المعنية تسهيلات للدول النامية بإعطائها إعفاء من الالتزام بأحكام الاتفاقية لمدد زمنية معينة تتراوح في أغلبها بين خمس و نحو عشر سنوات، وقننت الحق في إقامة اتفاقات تفضيلية بين مجموعات الدول المختلفة، بما فيها الدول النامية ( كما هو الحال مثلا بشأن "منطقة ااتجارة الحرة العربية الكبرى").
واليوم إذ نعود إلى النزاع التجاري المثار بين الولايات المتحدة، من جهة، وكل من دول الاتحاد الأوربي والصين واليابان، من جهة أخرى، نجد محاولة واضحة من "إدارة دونالد ترامب" لممارسة نوع من (التعسف) في استعمال الحقوق المنصوص عليها في اتفاقات منظمة التجارة العالمية، للتخلص من الالتزام بحرية التجارة، من خلال رفع -من طرف واحد- للحواجز التعريفية، أعقبتها تصرفات مضادة مماثلة من الدول المستهدفة، بخصوص مجموعات سلعية معينة ذات ثقل نسبي كبير في التجارة المتبادلة مثل الصلب والألومينيوم، من جانب أمريكا، والسيارات من قبل أوربا.
ثم ان ذلك كله يجري خارج إطار الآلية المنظمة لتسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية، بل ودون اعتداد بوجودها أصلا فيما يبدو.
والأهم أن ذلك كله أيضا يتم دون مراعاة لمصالح الدول النامية، بل ودون انخراط من جانب هذه الدول النامية، بصورة جدية، من اجل إصلاح القواعد الاتفاقية الناظمة للتجارة في السلع والخدمات ذات الأهمية الخاصة للعالم النامي، مثل السلع الزراعية والغذائية، والأدوية، وحقوق الملكية الفكرية للشركات الكبرى عابرة الحنسيات، الأمريكية والغربية والآسيوية الكبرى، والتي قد تعوق ممارساتها التقييديةعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان الناهضة والنامية والأقل نموا في القارات الثلاثة لإفريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية.
إن الأمر يقتضي، تبعا لما سبق، أن يتكون رأي عام دولي ضاغط باتجاه العودة لإطار المفاوضات الدولية متعددة الأطراف، استئنافا لما سمّي "جولة الدوحة" لعام 2001 ، من أجل الأخذ بعين الاعتبار المصالح المتبادلة لجميع الأطراف، وإدخال البلاد النامية في الحلبة بشكل جدّي، وإحياء الاهتمام بضرورة تسوية المنازعات وفق آلية منظمة التجارة الدولية، وإعادة التأكيد على تقنين حالات الإخلال بالالتزام بحرية التجارة وحالات التخلص "القانوني" من هذا الالتزام.
إن منظمة التجارة العالمية تمثل الركن الثالث في النظام العالمي الراهن، جنبا إلى جنب الركن السياسي-الأمني-الاجتماعي الذي تمثله "أسرة الأمم المتحدة" ، والركن النقدي والمالي الذي تمثله "مؤسسات بريتون وودز"-الصندوق والبنك". وإن اية محاولة للشروع في هدم واحدة من هذه الأركان أو هز استقرارها الإيجابي، من خلال تصرفات انفرادية هي محاولة تقع في الاتجاه الخاطي تماما.
ولعل من الأهمية بمكان، ان تقوم الدول النامية التي لعبت دورا هاما في المفاوضات التجارية الدولية متعددة الأطراف في الفترة الماضية، ان تعاود نشاطها، بصورة اكثر فعالية، لحمل جميع الأطراف على تثبيت وتطوير الالتزام الأساسي بمنظمة التجارة العالمية، وأخذ مصالح هذه الأطراف بعين الاعتبار، وخاصة مصالح الدول النامية. ومن اهم هذه الدول الهند والبرازيل ومصر وإندونيسيا. وللأسف فإننا لم نجد إشارات قوية على حدوث ذلك في الفترة القريبة الأخيرة، والأمل معقود عليها مع ذلك، لدق ناقوس الخطر في حال الإضرار بالأساس التنظيمي للتجارة الدولية. والأمل معقود عليها كذلك للدعوة إلى السير على الطريق الصحيح للتمسك بقواعد التنظيم والقانون الدوليين المرعية، مع العمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه دون إبطاء.
وخلاصة الرأي أن خطرا محدقا يحيط بمنظمة التجارة العالمية فعليا في ضوء الإجرءات الانفرادية المتخذة من طرف الإدارة الأمريكية، وما يتلوها من ردود أفعال دولية. ولكن طريقا وحيدا يلوح في الأفق للمساعدة في حماية الكوكب والتطوير المشترك لسكانه جميعا_ إنه طريق التمسك بالأركان الركينة للنظام العالمي وحماية استقراره، مع إصلاحه وتطويره من خلال الإرادة المشتركة والعزم المشترك على احترام مصالح الآخرين، وخاصة منهم الأقل حيلة والأكثر ضعفا.
وفيما يلي نقدم مثالا تطبيقيا على كيفية حماية المصالح الوطنية في إطار مراعاة قواعد القانون الدولي المرعية وأسس التنظيم الدولي التي تم إرساؤها بعد جهد جهيد.
حماية المصالح الوطنية مع الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية:
المادتان 18 و28 من اتفاقية "الجات"
فلننظر بإمعان هنا –ونحن بصدد تقديم مثال تطبيقي دالّ-إلى المادتين رقم (18 و 28) من (اتفاقية التعريفات الجمركية والتجارة العالمية) واللتين تسمحان للدول، وخاصة النامية منها، باتخاذ الإجراءات الضرورية والكافية لحماية منتجاتها المحلية . ففى مقابل الطريقة "الهجومية" ولا نقول "العدوانية" التي أبداها عدد من الدول المتقدمة لحماية مصالحها الوطنية_ كما يبدو من المعركة الجارية بشأن "الرسوم الجمركية" حاليا-أبدي بعض المسئولين في البلاد النامية اعتراضه على فكرة استخدام "الرخصة" التى تتيحها اتفاقات التجارة العالمية من أجل وضع وفرض تطبيق إجراءات الحماية الجمركية وغير الجمركية للإنتاج المحلي وخاصة من القطاع الصناعي .
وقد يتبادر إلى الذهن أول وهلة أن المادتين المذكورتين المتعلقتين بحق الدول فى حماية انتاجها المحلى ، يقعان فى صلب الاتفاقات المذكورة لعام 1994 وخاصة (اتفاق السلع) الذى هو أحد تلك الاتفاقات الأساسية المنبثقة عن المفاوضات المسماة بجولة أوروجواى ، والتى أفضت إلى إنشاء منظمة التجارة العالمية كما هو معروف .
ولكن بتصفح الاتفاق المنشىء للمنظمة و(اتفاق السلع) ، لانجد ذكرا للمادتين . وإنما توجد إشارة صريحة فى ديباجة (اتفاق السلع لعام 1994) إلى الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة لعام 1947 باعتبارها جزء لا يتجزأ من مجموعة اتفاقات 1994 والتى سميت (جات 1994).
و إننا لنجد بالفعل فى المادتين رقمىْ 18 و 28 من (جات 1947) كنزاً قانونياهائلاً يسمح للمشّرع الوطنى وراسم السياسة الاقتصادية سنداً أىّ سند لحماية الإنتاج المحلى ضد كل ما من شأنه أن يضر بالمنتجين الصناعيين والزراعيين ومنتجى الخدمات على اختلافها ، مالية كانت أو متعلقة مثلاً بالنقل البحرى والاتصالات عبر الشبكات وغيرها كثير.. فماذا تقول المادتان -وفق ترجمتنا لهما- وخاصة المادة 18 ؟ يجري النص الرئيسى للمادة 18 كالتالى ، و نورده كاملاً لإتمام الفائدة ومزيد الإيضاح، تحت العنوان الرئيسي "المساعدة الحكومية للتنمية الاقتصادية":
(1) تؤكد الأطراف المتعاقدة أن تحقيق أهداف هذه الاتفاقية يمكن تيسيره عن طريق التطوير المتقدم لاقتصاداتها ، وخاصة تلك الأطراف التى لا تسمح إمكانياتها الاقتصادية سوى بمستويات منخفضة من المعيشة وما تزال فى مراحلها الأولى من التنمية.
(2) تؤكد الأطراف المتعاقدة، أكثر من ذلك ، أنه يمكن أن يكون من الضرورى لها – من أجل تطبيق برامج وسياسات التنمية الاقتصادية الهادفة إلى رفع المستوى العام للمعيشة لشعوبها - أن تتخذ إجراءات حمائية، و غيرها، ذات تأثير على الواردات، وذلك فى حدود ما تسهّل به تحقيق أهداف هذه الاتفاقية .
وتوافق الأطراف المتعاقدة ، من ثم ، على أنه من اللازم أن يتوفر لديها من الأدوات
(أو التسهيلات) الإضافية ما يمكّنها من :
أ – أن يكون لديها مرونة كافية فى هياكل التعريفة الجمركية بما يمكّنها من تقديم الحماية الجمركية المطلوبة لتأسيس الصناعة الخاصة بها .
ب- أن تطبق القيود الكمّية لأغراض توازن ميزان المدفوعات بطريقة تأخذ فى اعتبارها الكامل المستوى المستمر والمرتفع للطلب على الواردات والمتولّد بالذات من برامج التنمية الاقتصادية لديها .
(3) تؤكد الأطراف المتعاقدة أخيراً أنه فيما يتعلق بتلك الأدوات (أو التسهيلات) الإضافية المنصوص عليها فى القسمين ( أ) و (ب) من هذه المادة ، فإن نصوص هذه الاتفاقية كافية فى الأحوال الاعتيادية لمساعدة الأطراف المتعاقدة على مواجهة متطلبات التنمية الاقتصادية لديها . وتوافق الأطراف المتعاقدة مع ذلك على أنه قد يكون هناك من الظروف ما يؤدى إلى عدم قابلية التطبيق للإجراءات المتوافقة مع نصوص الاتفاقية، و بما يسمح لطرف متعاقد يمر بعملية التنمية الاقتصادية بأن يمنح الدعم الحكومى المتطلّب للمساعدة فى إقامة صناعات معينة على طريق رفع المستوى العام للمعيشة للشعب . ولمواجهة هذه الحالات ، تم النص على إجراءات مخصوصة فى القسمين (ج) و (د) من هذه المادة .
(4) (أ) يترتب على ما سبق ، أن الطرف المتعاقد الذى لا تمكنه قدراته الاقتصادية إلا من الوفاء بمستويات منخفضة للمعيشة ، ولم يزل فى المراحل الأولى من التنمية ، سوف يكون حرّاً فى الخروج بصفة مؤقتة من نطاق نصوص المواد الأخرى فى هذه الاتفاقية كما هو مبين فى الأقسام (أ) و (ب) و (ج) من هذه المادة .
(ب) الطرف المتعاقد الذى يمر اقتصاده بعملية التنمية ولا يندرج فى نطاق الفقرة السابقة (أ) يمكنه أن يتقدم بطلبات أخرى للأطراف المتعاقدة ككل ، تحت القسم (د) من هذه المادة.
(5) تؤكد الأطراف المتعاقدة أن متحصلات التصدير للأطراف ذات الاقتصادات الموصوفة فى القسمين (أ) و (ب) من الفقرة رقم (4) السابقة، و التى تعتمد على تصدير عدد قليل من السلع الأولية ، هذه المتحصلات قد تنخفض بشدة نتيجة نقص المبيعات من هذه السلع . طبقا لذلك ، فإنه حينما تتأثر صادرات السلع الأولية لمثل ذلك الطرف بالإجراءات المتخذة من طرف آخر، فيمكنه اللجوء إلى النصوص الخاصة بالتشاور (بين الأطراف) وفق المادة رقم (22) من هذه الاتفاقية .
(6) سوف تتم مراجعة سنوية من قبل الأطراف المتعاقدة لكل الإجراءات المطبقة تبعاً للقسمين (ج) و (د) من هذه المادة .
وفيما يلى نورد الفقرة الأولى فقط من المادة (28) مع التصرف :
المادة (28)
تعديل جداول (التخفيضات الجمركية)
Modification of Schedules
من حق الطرف المتعاقد – فى حالات معينة و بشروط محددة – والذى قدم امتيازات لطرف أو أطراف أخرى ، أن يعدل أو يسحب الامتيازات المتضمنة فى الجدول المناسب من ملاحق هذه الاتفاقية .
هذا، وفضلاً عما سبق ، مما هو مذكور فى الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة لعام 1947 والمدمجة فى الاتفاقات المنشئة لمنظمة التجارة العالمية لعام 1994 ، فإن الاتفاقات الأخيرة تسمح، فى عديد من المواد، للدول المعنية، باتخاذ إجراءات وقائية مع طلب التعويضات المناسبة، بالإضافة إلى اللجوء إلى آلية المشاورات أو تقديم شكاوى مشفوعة بطلبات لتسوية المنازعات.
و يتم ذلك فى حالة تضرر الدولةمن جراء الممارسات المقيدة لحرية التجارة كما فى حالة إعاقة المنافسة عن طريق الدعم الحكومى للمشروعات القائمة بالتصدير إلى العالم الخارجى أو التشدد فى المواصفات الفنية والاشتراطات الصحية والبيئية .
خاتمة
من المثال التطبيقي السابق، الخاص بالمادتين رقميْ 18 و 28 من "اتفاقية الجات" يمكن الخلوص إلى درسين مستفادين رئيسيين:
1-إن الدول عموما –أعضاء منظمة التجارة العالمية- ينبغي عليها، و يمكن لها، الاعتصام بقواعد منظمة التجارة العالمية، والاحتكام إليها، فيما يتعلق بتصرفاتها في مجال التجارة الخارجية، كسبيل أمثل لتحقيق مصالحها القومية، دون افتئات على سائر أعضاء المنتظَم الدولي.
وتطبيقا لذلك، من جهة نظر المثالية الدولية الرشيدة، فإنه يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تستفيد من نص المادة رقم 28، سالفة الذكر، والتي تقضي بأنه (من حق الطرف المتعاقد – فى حالات معينة و بشروط محددة – والذى قدم امتيازات لطرف أو أطراف أخرى ، أن يعدل أو يسحب الامتيازات المتضمنة فى الجدول المناسب من ملاحق هذه الاتفاقية). والمهم هنا كلمتان : الحالات المعينة، والشروط المحددة. بمعنى انه يحق للدولة المعنية ان تسحب ما اوردته من تعهدات بخفض الرسوم الجمركية في "جدول التعهدات" الذي قدمته للسلطات المسئولة في منظمة التجارة العالمية، وذلك في إطار الحالات ، وبالشروط ،المنصوص عليها. فإن وجدت في ذلك إخلالا بمصالحها فيمكن أن تلجأ إلى تقديم شكوى إلى المنظمة مشفوعة بطلب التحقيق، فإن كان لها الحق فسيمكن لها طلب التعويض المناسب مقابل الضرر الذي لحق بها من جراء خفض الرسوم في وقت سابق.
2- إن الدول النامية يحق لها اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة، ذات الطابع الحمائي، لحفظ حقها في تطوير الإنتاج المحلي والصناعة المحلية.
ومن ذلك نخلص إلى أن "منظمة التجارة العالمية" تمثل، في عموميتها وشمولها الإطار الأنسب، والبديل الأفضل لحماية المصالح الوطنية للأطراف المتعاقدة الممثلة للمجتمع العالمي كله في اللحظة الراهنة. وإن من الواجب إصلاح هذا الإطار، كلما وجب ذلك، كطريق لا فكاك عنه لتطوير التجارة العالمية و المساهمة، من ثم، في تحقيق الرفاه لشعوب العالم جميعا ولو في الأجل الطويل.