في كل وجع صهيوني، بعد انتصارات الجيش السوري ومحور المقاومة، نرى عودة لزرع البلبلة، من استهداف بالصواريخ والطائرات، وعودة ملف اغتيال العقول والعلماء، حيث استشهد مدير مركز البحوث العلمية في مصياف الدكتور عزيز إسبر إثر عملية استهدفته عبر تفجير عبوة ناسفة بسيارته في ريف حماه، وأشارت المعلومات إلى أن الشهيد إسبر قد اغتيل بالعبوة الناسفة بعد خروجه من منزله في مصياف بسبع دقائق، العبوة صغيرة الحجم ولكن رسائلها كبيرة، يصل صداها إلى مسامع العالم أجمع.
الشهيد الحائز على دكتوراه بالفيزياء الذرية ودكتوراه بالوقود الصاروخي السائل من فرنسا، اختار تسخير حياته وتفاصيلها لأجل خدمة المشروع المقاوم عبر تطوير أسلحة الجيش السوري، كرماً لهدف الانتصار على المشروع التكفيري والصهيوني والأميركي الصهيوني، فغدا سراً من أسرار الجيش، فالشهيد الخمسيني جدد لنا ألم الفراق، فراق القادة الشهداء، جدد لنا الأحزان ونحن نستذكر العلماء والقادة الشهداء الذين ارتقوا اغتيالاً على يد الموساد من الحاج حسان اللقيس إلى الدكتور نبيل زغيب إلى القائد الجنرال حسن طهراني، فحاز الدكتور عزيز الوسام وارتقى شهيدا.
ومنذ أول عملية اغتيال في الحرب على سوريا، تم تحديد مجموعات مسلحة توزعت على جبهة النصرة وداعش وأيضا على مجموعات داخل ما يسمى بالجيش الحر، تمتلك أجهزة اتصال ورصد حديثة مرتبطة بشكل مباشر مع اللأقمار الصناعية، وتقاطعت تلك المعلومات مع ما قدمته المخابرات الروسية والصينية، وترافقت مع الكشف عن دور فاعل للمخابرات في الكيان الإسرائيلي و"السي آي إيه" فيها، وتحديداً الدور الفاعل للجنرال الأميركي ريتشارد كليفلاند، في إدارة هذه العمليات، حيث كشفت المعلومات عن تدريب فرق خاصة مكلفة بالاغتيالات تحت إشراف المخابرات المركزية الأميركية، وتسللت تلك المجموعات إلى الداخل السوري عبر الحدود مع الأردن وعبر الحدود مع الجولان السوري المحتل، وانتشرت في الجغرافيا السورية.
كما كان لـ"الموساد" الدور الأكبر في إنشاء غرف العمليات وإقامة معسكرات التدريب في الأردن وتركيا ومنطقة كردستان شمال العراق، هذه الفرق التي دربت بالتعاون مع فرقة "ماغلان" الإسرائيلية المتخصصة بالهجوم على المطارات وفرقة "بيتا إير" المتخصصة في الاغتيالات، وتتعاون معها بشكل دقيق ووثيق وبشكل مباشر، وتم تزويد مجموعة الاغتيالات بلائحة من الكيان الإسرائيلي، كشف عنها المجرم رونين بيرغمان، المقرّب من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث تم وضع قائمة سوادء لقتل عدد من العقول السورية والإيرانية وقادة المقاومة في إطار سلسلة عمليات اغتيالات سرية، استهدفت أعداء الكيان في المنطقة، بدءً من الشهيد عماد مغنية عام 2008.
من الواضح تماماً أن الشهيد عزيز أسبر كان موضع رصد دقيق في الفترة السابقة، وهذا ما يفسر الاستهدافات المتكررة لمركز البحوث العلمية في ريف حماة، والذي تعرض لأكثر من غارة صهيونية، كان أحد أهدافها اغتيال الدكتور الشهيد، وصولاً إلى اختيار اللحظة المناسبة لاغتياله، ما يذكرنا بعمليات اغتيال الطيارين السوريين المدربين على أحدث الطائرات في ريف حمص، واغتيال اللواء عبد الله الخالدي، واللواء نبيل زغيب المسؤول المباشر عن تطوير برنامج الصواريخ السورية حتى أنه كان يسمى بأبي الصواريخ السوريّة، كما شهدت حلب اغتيالاً مماثلاً للدكتور سمير رقية، المختص في هندسة الطيران، والذي عُرف عنه خروجه عن منطق الانقسام العمودي، إذ جرى اختطافه من قبل إرهابيي جبهة النصرة عام 2012 في حلب، وفق الأسلوب الاستخباراتي المعروف لجهاز "الموساد" باستهداف الشخصيات والعلماء والقادة.
ويأتي اغتيال الشهيد أسبر، في سياق معركة مفتوحة بين الجيش السوري والعدو الإسرائيلي، والتي أخذت وتأخذ أشكالاً متعددة، وبينت ما عكسته الانتصارات التي حُققت في الجنوب السوري والمواجهة الدائمة للمشروع التكفيري والعدو الصهيوني، من صفعة قاسية للكيان، بالرغم من أن هوية الرجل المُستهدَف تشكل خسارة كبيرة، لكنّها الحرب.