القومية هي ظاهرة مجتمعية تعبّر عن شعور طبيعي لدى فرد أو جماعة بالانتماء الى قوم معيّن صاحب شخصية تاريخية مميّزة. أمّا القومية كفكرة أو كاتّجاه عقائدي سياسي ايديولوجي يتوخّى قيام "الدولة/ الأمّة" فنشأت في أوروبا القرن التاسع عشر.
عرفت أوروبا في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر ظروفاً سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية ولاهوتية معقّدة ما أدّى الى انطلاق الحركة القومية فيها من عدّة تيّارات:
- اعادة النظر في الفكر الديني (اللاّهوت) وفي المؤسّسة الدينية (الكنيسة) قاد هذا التيّار لوثر وكالفن والحركة البروتستانتية.
- انتشار التنوير الفكري (عصر التنوير) قاد هذا التيّار روسّو وهوبس وهيوم والحركة الليبرالية.
- التغيير في بنية المجتمع (من المجتمع الزراعي الاقطاعي الى الثورة الصناعية)
الحركة القومية في الغرب تجسّدت في نظريتين قوميّتين:
* النظرية الفرنسية المرتكزة الى الارادة المشتركة أو وحدة الارادة.
* النظرية الألمانية المرتكزة الى وحدة اللغة (هردر، فيخته)
في فرنسا جرى نقاش تاريخي بين المؤرّخين الفرنسيين والمؤرّخين الألمان حول قضيّة الالزاس. فكانت نظرية رينان في الارادة، أي في ارادة الحياة معاً. الثورة الفرنسية (1789) أكسبت فكرة القومية روحاً صوفية/ رومنطيقية، فانتشر بين القوميين الأوروبيين ايمان مطلق بضرورة أن تتجسّد القومية الواحدة في دولة واحدة. فالدولة هي التعبير السياسي عن الشخصية القومية. وانّ أفضل توصيف لهذه الدولة القومية هو الدولة/ الأمّة. فالأمّة هي قومية محقّقة، أي منجزة في دولة، والقومية هي وعي بالأمّة وسعي الى تحقيقها في دولة. هذه الأفكار تحوّلت الى قوّة ايديولوجية هائلة حرّكت العمل السياسي طوال القرن الماضي وغيّرت الخرائط الجغرافية للدول الغربية.
أمّا في ألمانيا فمن أسباب نشوء الفكرة القومية هزيمة بروسيا أمام نابليون في عهد التجزّؤ، نداء فيخته الى الأمّة الألمانية، الثورة الصناعية، دور بسمارك وقيام الوحدة الألمانية عام 1870
منذ القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى يلخّص ساطع الحصري التغيّرات التي طرأت على خريطة أوروبا في عبارة هي: "انتصار مبدأ القوميات".
هناك دول قامت باسم القومية وهناك أمم عريقة الوجود (فرنسا، بريطانيا) أقامت دولتها القومية تأكيداً وتثبيتاً لهذا الوجود. ولكن جميعها لم يسلم من المشاكل التي قامت في وجهها على قاعدة الأخذ بالمبدأ القومي نفسه. فرنسا، الدولة/ الأمّة التي هي من صنع أربعين ملكاً تجمع شخصيات قومية متعدّدة (القومية البروتونية، قضيّة كورسيكا) بريطانيا أو المملكة المتّحدة تضمّ كذلك شخصيات قومية متعدّدة (القومية الاسكتلندية) اسبانيا بدورها تتشكّل من شخصيات قومية (كتالونيا، الباسك)
بالمقابل نجد أنّ الدولة السكندنافية تفكّكت على الرّغم من قيامها على أصل قومي واحد. هذه الدول لا ينطبق عليها مبدأ "القومية الواحدة/ الدولة الواحدة".
يقول فردريك هرتز: "عندما صيغت معاهدات الصلح في سنة 1919 افترض بصفة عامّة أنّ الناس الذين يتحدّثون لغة واحدة تقريباً يرغبون في تأليف أمّة واحدة وأنّ اشتراكهم في جنسية واحدة لا يحتاج الى أيّ دليل آخر. وقد قوبلت جميع هذه التسويات بمعارضة كبرى لا من جانب الأقليات فحسب بل أيضاً من جانب الجنسيات التي أدمجت في اسم الدولة واعتبرت بذلك أجزاء ممتازة من الأمّة".
ثمّة أقلّيات قومية، اذاً، تمكّنت من خلق مشاكل داخل تلك الدول.
بالمقابل، تمكّنت أقلّيات قومية من اقامة دول لا علاقة لها بالفكرة القومية كالولايات المتّحدة ونيوزيلاندا وأستراليا.
وهذا ما يحدو على طرح التساؤلات الآتية:
"الدولة/ الأمّة" حقيقة هي أم وهم؟
ألم تثر الفكرة القومية مشكلات أكثر ممّا حلّت قضايا؟
الدولة القومية أموجودة هي أم لا؟
هذا في أوروبا والغرب. أمّا في الوطن العربي فالقومية العربية، من حيث هي ايديولوجيا تعبير عن حركة سياسية، نشأت نشوءً عفوياً عشيّة انهيار الدولة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. جاءت ردّة فعل على حركة التتريك من جهة أولى وعلى حركات التبشير والاستعمار الجديد، خصوصاً في مغربه، من جهة ثانية. فالفرنسيون احتلّوا الجزائر سنة 1830 وتونس سنة 1881 وفرضوا وصايتهم على مراكش سنة 1912. والانكليز احتلّوا مصر سنة 1882 ثمّ السودان. والايطاليون احتلّوا ليبيا سنة 1911.
ردّة الفعل هذه تمثّلت في تمجيد العرب والعروبة وفي التمسّك باللغة العربية وفي رفض هيمنة السلطات الأجنبية وفي الاعتزاز بالتاريخ العربي.
بدأت يقظة القومية العربية، في المشرق العربي، في النّصف الثاني من القرن التاسع عشر بتأليف أوّل جمعية عربية على يد نخبة من المثقّفين العرب عرفت باسم "الجمعية العلمية السورية" سنة 1857 من أهدافها: دعوة الأمّة العربية الى النّهوض من تخلّفها والى التخلّص من نير الحكم العثماني الذي كاد أن يفقد العرب مقوّمات أمّتهم، حضارتهم تراثهم واللغة. ألقى الشيخ ابراهيم اليازجي قصيدته المعروفة بالبائية في أعضاء الجمعية سنة 1868:
"تنبّهوا واستفيقوا أيّها العرب.."
نخب من المفكرين الأحرار، اذاً، عن طريق انشاء جمعيات سرّية في بيروت راحت تنشر بذور الفكرة القومية العربية. من هؤلاء: ابراهيم الحوراني، يعقوب صرّوف، ابراهيم اليازجي، فارس نمر، شاهين مكاريوس، سليم عمّون، الياس حبالين (قرأ فولتير وكان تقدّمياً وثورياً في أفكاره)
الأفكار القومية، بالمفهوم الأوروبي العلماني، لاقت قبولاً واسعاً في نفوس اللبنانيين المشبعين بالثقافة الفرنسية. نجيب عازوري نشر في باريس سنة 1905 باللغة الفرنسية كتاباً بعنوان "يقظة الأمّة العربية في آسية التركية" كتب فيه أنّ القرن العشرين سيشهد صراعاً بين حركتين قوميّتين لا مجال للتعايش بينهما، الحركة القومية العربية من جهة والحركة الصهيونية من جهة أخرى. وأنشأ بعد ذلك مجلّة شهرية اسمها "الاستقلال العربي". انّه أوّل من وضع القومية العربية على أساس علماني. نقع في كتابه "يقظة الأمّة العربية" على بيان نشرته "اللجنة الوطنية العربية" جاء فيه: "والذين أصبحوا الآن يعرفون أنّهم أمّة واحدة يوحّد بينها التاريخ والشعور الوطني ووحدة العرق يرغبون في الانفصال عن الأتراك.. وتأسيس دولة عربية مستقلّة (دولة مدنية) "التفكير القومي ذو النّمط الأوروبي ترك آثاره في القومية العربية وذلك في مستوى الفكرة التي توجب قيام "الدولة/ الأمّة":
"انّ مبرّر الدّعوة للقومية العربية العاملة للوحدة العربية السياسية في دولة واحدة تمتدّ من المحيط الى الخليج انّما هو كون العرب أمّة واحدة".
القومية العربية صحيح أنّها نشأت في جانب من اتّجاهاتها الفكرية والسياسية نشأة علمانية. والصحيح كذلك، وهنا يكمن غناها الفكري، أنّها نشأت، في جانب آخر من اتّجاهاتها على يد مسلمين اصلاحيين داخل السّلطنة العثمانية: جمال الدين الأفغاني دعا الى اعتماد اللغة لعربية لغة رسمية في الدولة العثمانية. الوهّابيون دعوا الى خلافة عربية قرشية. المهدية في السودان والسنوسية في ليبيا أكّدتا عروبة البلدين اللذين تنتميان اليهما في اطار نقدهما لضعف الدولة العثمانية تجاه الغرب.
القومية العربية في بعدها الديني لم تفارق الإسلام ولم تصادمه ولم تفهم مقوّمات الأمّة العربية بالابتعاد عن قيمها الروحية والحضارية، وهي لم تستهدف، تالياً، وحدة الدولة العثمانية بل واجهت محاولات التتريك التي قامت بها جمعية الاتّحاد والترقّي التي أعلنت الحرب على العروبة والقوميات الأخرى. يقول المؤرّخ زين الدين زين:
"حتى أنّ فكرة الانفصال التام كانت، بعد 1908، فكرة طارئة دفع قادة العرب اليها دفعاً وذلك بسبب قصر نظر “تركيا الفتاة” وسياستها القومية المتطرّفة التي كانت تقول بالجامعة الطورانية".
طالب بك النقيب أصدر بياناً في العراق سنة 1912 قال فيه:
"انّ أعضاء هذه الجمعية (جمعية الاتّحاد والترقّي) ليسوا بمسلمين وحاشا أن يكونوا، بل انّهم كفّار خدعوا الإسلام وحاولوا تمزيقه وتقويضه من أساساته. وهم الذين يحاولون تتريكنا والقضاء على لغتنا العربية".
حتى عشيّة الحرب العالمية الأولى لم تتوقّف المساعي والاتّصالات لاجراء مصالحة عربية/ تركية اذ أنّ العرب، كما يؤكّد أسعد داغر، لم يكونوا في وارد الانفصال عن السلطنة العثمانية بل كانون يريدون تقوية العنصر العربي فيها حماية لها من الضّعف والانهيار أمام التدخّلات الأوروبية بشؤونها الداخلية.
النضال العربي ضدّ الحكومات التركية، في أحد جوانبه، اذاً، كان لغرض الحصول على بعض الحقوق عن طريق الاصلاح الداخلي. يقول توفيق الناطور، أحد زعماء الحركات الاصلاحية في ذلك الحين:
"انّ فكرة القومية العربية أو العروبة، لم تكن قد تبلورت وقويت، جلّ ما كنّا نحن العرب، نطلبه، هو أن نتمتّع في الإمبراطورية العثمانية بنفس الحقوق والواجبات التي كان يتمتّع بها الأتراك، وأن تقوم الإمبراطورية العثمانية على ركنين عظيمين، الشعب التركي والشعب العربي".
انّ قادة القومية العربية من المسلمين الاصلاحيين في المشرق العربي لم يفصلوا اذاً بين العروبة والإسلام في نضالهم القومي الاصلاحي: "الجمعية القحطانية" (1909) و"الجمعية العربية الفتاة" (1911) قادة وأعضاء، كانت غالبيتهم من العرب المسلمين الذين عملوا لإعادة مجد الدولة العربية الإسلامية بعد أن غلبت الطورانية الوثنية المغولية (جنكيز خان وهولاكو) على العديد من الجمعيات التركية (ترك قوجي، أي التركي الشجاع، وترك أوجاقي أي الموفد التركي) التي راحت تهاجم فكرة الأمّة الإسلامية وتدعو أعضاءها الى استبدال أسمائهم الإسلامية بأسماء طورانية.
اليقظة العربية الإسلامية انمازت، في مرحلتها الأولى، بالدعوة الى التساوي مع الأتراك في اطار وحدة الدولة العثمانية وانمازت في مرحلتها الثانية بالدعوة الى اقامة نظام لا مركزي أو اتّحادي ضمن الاطار نفسه وانمازت في مرحلتها الثالثة بالدعوة الى الاستقلال التام عن تركيا واقامة الدولة العربية الإسلامية الواحدة.
هذه التفاعلات والتداعيات أسهمت في بلورة الفكرة القومية وفكرة الوحدة العربية بهدف التخلّص من سيطرة العثمانيين الاتّحاديين فعقد المؤتمر العربي الأوّل في باريس سنة 1913. في هذا المؤتمر عرّف عبد الغني العريسي خصائص الأمّة العربية بالآتي: "وحدة اللغة، وحدة العادات والتاريخ، وحدة المطمح السياسي". أمّا ذروة تصاعد الوعي العربي وشموليّته فقد جسّدتها ثورة الشريف حسين بن علي في الحجاز في العاشر من حزيران سنة 1916 جاء في بيان الثورة:
"لن نترك كياننا الديني والقومي ألعوبة في أيدي الاتّحاديين وقد يسّر الله تبارك وتعالى للبلاد نهضتها كما وفّقها بحوله وقوّته لأخذ استقلالها".
يقول ساطع الحصري:
"هذه الثورة التي بدأت من مكّة المكرّمة، تحت زعامة أمير مكّة، لم تكن ثورة حجازية بل كانت ثورة عربية بكلّ معنى الكلمة: انّها كانت ترمي الى استقلال الولايات العربية بأجمعها وكانت تصبو الى تكوين دولة عربية جديدة موحّدة تنهض بالأمّة نهضة حقيقية تعيد اليها مجدها السالف".
هذه الدولة العربية الجديدة الواحدة قامت فعلاً في سوريا برئاسة فيصل الأوّل بن حسين في آذار سنة 1920. ولكنّها لم تصمد أمام الهجوم العسكري الفرنسي سوى خمسة أشهر فانتهت يوم الخامس والعشرين من تمّوز من العام نفسه، وهو اليوم المعروف ﺑ"يوم ميسلون".
يقول الحصري الذي عاش في تلك الظروف من موقعه وزيراً للمعارف في تلك الدولة الناشئة:
"نحن لا نغالي اذا قلنا انّ ذلك اليوم (يوم ميسلون) كان يوماً فاصلاً في تاريخ القضيّة العربية وانّه كان خاتمة الفصول الأولى من القضيّة العربية وفاتحة فصولها الجديدة".
ثمّ أصدر الحصري كتاباً بعنوان "يوم ميسلون، في دمشق عام 1945 يعتبر فيه أنّ هذا اليوم كان بداية لمرحلة جديدة أكثر جذرية في تاريخ القومية العربية وسيرورتها حيث تبلورت صورة القومية العربية التي حلّت نهائياً محلّ فكرة الارتباط بالدولة العثمانية.
ويقول الحصري:
"انّ يوم ميسلون من أخطر الأيام التي سجّلها تاريخ الأمّة العربية في العصور الحديثة لأنّه كان اليوم الذي انقرضت فيه أوّل دولة عربية عصرية تأسّست في الشام بعد الحرب العالمية. ولكن هذه الدولة الفتيّة على قصر عمرها كانت عظيمة الدلالة وجليلة الشأن لأنّها كانت وليدة الثورة العربية وقبلة آمالها. انّها كانت دولة عربية عصرية بكلّ معنى الكلمة: تشعر بعروبتها شعوراً واضحاً وتعمل للقومية العربية عملاً متواصلاً وتقدّر في الوقت نفسه مقتضيات الحياة العصرية تمام التقدير. وقد تضافرت على تأسيسها جهود أحرار العرب ومفكّريهم وتركّزت حولها آمالهم وأمانيهم بعد أن كان قد مضى على عهود استقلال الأمّة العربية ومجدها سلسلة طويلة من قرون الانحطاط والاستسلام".
أمّا في المغرب العربي فللقومية العربية روّادها. وانّ لهم نضالهم الفكري والسياسي دفاعاً عن الوطن والعروبة واللغة. وهذا يدلّ على وحدة الشعور القومي وشمولية المكان للفكر القومي العربي عند العرب جميعاً في المشرق كما في الغرب.
* عبد القادر الجزائري رائد من هؤلاء دافع عن أرض اعتبرها جزءً لا يتجزّأ من الوطن العربي، ولقّب نفسه بالأمير العربي. كان مؤمناً بعروبته انتماء وقضيّة،يقول:
"لنا في كلّ مكرمة مجال... ومن فوق السحاب لنا رجال
ورثنا سؤدداً للعرب يبقى... وما تبقى السماء ولا الجبال
ومنّا لم يزل في كلّ عصر... رجال للرّجال هم الرّجال.."
ويخاطب الجزائريين سنة 1846 قائلاً:
"لقد حان موعد استفاقتكم، هبّوا جميعاً واستجيبوا لندائي، انّ الله وضع سيفه الملتهب في يدي. لنمض جميعاً الى الأمام ونرو حقول وطننا بدماء المعتدين".
عاش عبد القادر الجزائري في المشرق قبل اعلان ثورته في الجزائر (1832- 1847)بعد فشل الثورة أقام في دمشق (1852- 1883) مناضلاً من أجل وطنه وعروبته.* حمدان خوجه (1773- 1840) مفكّر جزائري شكّل مع آخرين حزباً قومياً باسم "اللجنة المغربية" داعياً الى الاعتراف بالقومية العربية في الجزائر، وكتب: "انّ الأمّة العربية قامت لتردّ العدوان الذي يهدّد لغتها ودينها وعاداتها وتقاليدها ووجودها". ورفع مذكّرة الى لجنة التحقيق الفرنسية سنة 1833 قال فيها: "انّ بين الشعبين الجزائري والفرنسي حواجز لا يمكن اجتيازها لأنّهما لا يتحدّثان اللغة نفسها ولا يمارسان العادات نفسها ولا يؤمنان بالتقاليد نفسها ولا يدينان بالدين نفسه". وأكّد من خلال كتاباته أنّ "الوطن العربي للعرب".
* عبد الحميد بن باديس، مفكّر جزائري ربط بين اللغة العربية والقومية:
"انّ اللغة العربية.. لغة القومية.. وحدها الرابطة بيننا وبين ماضينا وهي وحدها المقياس الذي نقيس به أرواحنا بأرواح أسلافنا".
والاضطهاد القومي للعرب، في رأيه، يجري من خلال اضطهاد لغتهم:
"انّها هي اللغة المطاردة في عقر دارها المغلقة مدارسها ويحارب القانون نشرها بين أبنائها".
وكتب كثيراً في الوحدة العربية. وأسّس سنة 1931 حركة سياسية ذات طابع قومي هي "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين". طالبت هذه الجمعية بحرّية التعليم العربي، واعتبرت الدفاع عن الجزائر دفاعاً عن العروبة، وعملت لاحياء اللغة العربية وآدابه وتاريخها في موطن عربي وبين قوم من العرب، وعملت كذلك "لتقوية رابطة العروبة بين العربي والعربي".
* عبد العزيز الثعالبي، مفكّر تونسي يقوم فكره على مبدأ قومي: العرب أمّة واحدة لا بدّ من أن تتوحّد. يقول:"الوحدة العربية كيان عظيم ثابت غير قابل للتجزئة والانفصال يشغل قسماً كبيراً من رقعة آسيا الغربية وشطراً من أفريقيا، يمتدّ رأسه في الشرق من المحيط العربي ويسير غرباً الى المحيط الأطلنطيكي، ويضمّ في هذا الشطر نصف القارّة الأفريقية".
ربط نضال الحركة الوطنية في تونس بالحركة الوطنية في مصر والمشرق العربي. وعندما غزا الايطاليون ليبيا سنة 1911 قامت هذه الحركة (حركة تونس الفتاة) بارسال متطوّعين الى طرابلس لينضمّوا الى صفوف المقاومين الليبيين.
أسّس الثعالبي جريدة "سبل الرّشاد" سنة 1901 وأسّس حركة "تونس الفتاة" سنة 1907. أكّد أعضاء هذه الحركة عروبة تونس وانتماءها العضوي الى الوطن العربي وطالبوا بتعريب التعليم وانشاء مدارس عربية.
رأس الثعالبي تحرير جريدة "التونسي" التي صدرت بالعربية سنة 1909
* ابراهيم سراج الدين في ليبيا أصدر جريدة أسماها "الحجاز". وكان من أبرز أعضاء جمعيّة سرّية جسّدت أوّل تجربة تنظيمية معبّرة عن يقظة عربية ظهرت بعد احتلال الانكليز لمصر سنة 1882. دعت هذه الجمعية الى مقاومة الأطماع الفرنسية في تونس والجزائر وأكّدت ضرورة التعليم بالعربية ونبّهت الى أهمّية الدفاع عن الوطن واللغة والجنس والدين.
النضالات القومية في مشرق الوطن العربي كما في مغربه تدلّ على أنّ شعوراً قومياً واحداً ووعياً قومياً واحداً كانا سائدين آنذاك. فالوطن العربي هو الوطن القومي لكلّ العرب. وتدلّ تالياً على أنّ النّهوض القومي في النّصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عمّ معظم أقطار الوطن العربي. هذا النّهوض عبّر عن نفسه بأشكال ثلاثة:
- الانتاج الفكري والديني والأدبي واللغوي
- الانتاج السياسي/ العقائدي/ الايديولوجي
- التنظيم السياسي السرّي والعلني
- المقاومة المسلّحة والثورة
بعد الحرب العالمية الأولى واجهت القومية العربية أحداثاً خطيرة وكبيرة فرضها الاستعمار الأوروبي:
واجهت تنفيذ معاهدة سايكس/ بيكو 1916
واجهت الشروع بتنفيذ وعد بلفور 1917
واجهت كلّ السياسات الأجنبية التي كانت تعمل لتثبيت السيطرة الاستعمارية على الوطن العربي.
واجهتها بثورة مصر سنة 1919، بثورة العراق سنة 1920، بثورة سوريا سنة 1925، بثورة تونس بين عامي 1934- 1936، بثورات فلسطينية متتالية: 1920، 1929، 1930، 1933، 1935، وبالثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936
هذه الثورات أسهمت في ازدياد تبلور الوعي القومي والترابط الفكري والنضالي داخل الحركة القومية العربية.
القومية العربية، على امتداد المرحلة الممتدّة من منتصف القرن التاسع عشر حتى الثلاثينيات من القرن العشرين، بأشكاله العفوية والتنظيمية، انطلقت من أنّ الهويّة العربية تشكّل الجامع القومي، ومن أنّ الوحدة القومية هي من وحدة الأمّة العربية لغة وشعبا وتراثاً وأرضاً وتاريخاً، ومن أنّ العروبة أوّلاً في زمن تعالت فيه أصوات الطورنة والسورنة والفينقة والفرعنة والصهينة، ومن أنّ الوحدة العربية نزعة طبيعية عند العرب، فتكرّست بذلك حركة تاريخية ثابتة ومتطوّرة فكراً وممارسة وحتميّة بقاء تعبّر عن نضال العرب المتواصل من أجل التنمية والنّهوض والتحرّر وتأكيد استقلال الأمّة وحماية شخصيتها التاريخية وانجاز وحدتها القومية.