منذ سقوط الشاه وعربان الخليج لم يغمض لهم جفن، ما انفكوا يحيكون المؤامرات لزعزعة أمن واستقرار البلد الذي خرج شعبه في ثورة شعبية كبرى هي الأولى من نوعها، فأسقطت أعتى الديكتاتوريات، للوهلة الأولى قد نرجّع السبب إلى أن محميات الخليج وإيران الشاه كانوا يتبعون منظومة واحدة، وبالتالي من حقهم التباكي على رفيقٍ لهم كان مُعداً بأن يصمد لعدة ساعات في وجه الشيوعية (الملحدة) إذا ما قررت مهاجمة المنطقة إلى أن يأتي المدد من العم سام.
كانوا يخشون تصدير الثورة إليهم، وهم يدركون بأنهم لم يعملوا شيئاً طوال أعوام حكمهم، سواء من حيث الأيدلوجية المستنيرة بتعاليم الإسلام السمحاء، أو البناء العسكري والاقتصادي بما يمكنهم من الذود عن أنفسهم في حال تعرضهم لأي هجوم، لقد وضعوا أنفسهم في خدمة المستعمر الغربي والارتماء في احضانه، سلّموه مقدّرات بلدانهم بما فيها من إدارة المؤسسات العامة والشركات الكبرى، ليس لأجل الاستفادة وإحلالهم فيما بعد، بل كي يظل هؤلاء في مواقعهم، يتصرفون كما يشاؤون، وتذهب عائدات النفط والغاز ومشتقاتهما في شراء أسلحة وتكديسها بكميات خيالية، لن تستخدم في الذود عن الحياض، بل يعتريها الصدأ (وفي أفضل الاحوال يتصدقون بها على دول معدمة تشهد نزاعات اثنية)، ويكون الهدف من ذلك هو لأجل تحريك عجلة الاقتصاد الغربي وتخفيض مستويات البطالة.
أربعة عقود يناصبون ايران العداء,بأموالهم ساهموا في تحطيم العراق الذي استطاع بناء نفسه وإقامة بعض الصناعات الاستراتيجية,من خلال تشجيعه على ضرب الثورة الايرانية في مهدها, بحجة التمدد الشيعي,كما انه لا يخفى على احد بأنهم يكرهون نظام البعث العلماني ويعتبرونه ملحدا ومن ثم( فخار ايكسر بعضه).
وبفضل سياستهم غير الحكيمة(لو افترضنا جدلا بأنهم يديرون شؤونهم بأنفسهم!! ) اصبح الهلال الشيعي بدرا يلتف حولهم,اربع دول عربية كانت الى الامس القريب على علاقة جد جيدة بل حميمة مع عربان الخليج من حيث الاستثمارات والتنزه,اصبحت مدينة لإيران بمساعدتها في التغلب على القوى الارهابية والتكفيرية التي غرسها الغرب بتمويل خليجي,كافة المدن السعودية اصبحت في مدى صواريخ الحوثيين الايرانية المنشأ.
عرب النفط حاولوا جاهدين بان لا يرى الاتفاق النووي النور,لكن الادارة الامريكية السابقة قامت بالتوقيع عليه,لأجل ابتزازهم,فالسيد ترامب كان اكثر وضوحا من سابقيه حينما قال بان على حكام المنطقة ان يدفعوا ثمن تامين الحماية لهم,وكانت اولى تنقلاته الخارجية الى العربية السعودية حيث جمع الجزية التي فاقت قيمتها كل تصور ودفعوها وهم صاغرون.
أمريكا التي يعول عليها الخليجيون في إسقاط النظام الايراني، خاب أملهم عندما علموا بأن النقاط الاثنتي عشرة لا تهدف إلى إسقاط النظام، بل إلى فرملة تحركاته الخارجية، والهدف الرئيس هو حماية أمن الكيان الصهيوني، لأن أمريكا تدرك جيداً ان نظام العقوبات لم يؤتي اكله المنشود على مدى اربعة عقود,بالتأكيد لم تكن الامور على ما يرام وخاصة الشأن الاقتصادي وتردي الاوضاع المعيشية، لكن عجلة الانتاج لم تتوقف وبالأخص مجال الصناعات العسكرية لحماية الدولة من أي عدوان خارجي,فأصبحت دولة اقليمية.
أما الذين يراهنون على خروج العراق من "العباءة الايرانية" فأقول بأن السيد مقتدى الصدر رغم أنه ينادي بمحاربة الفساد المالي والمناداة بعدم التسلط الطائفي والمذهبي ومحاولة خلق كيان سياسي عابر للطوائف والاثنيات، فإنه لن يرضى (ولن يسمح له الذين سيتحالفون معه لتشكيل الحكومة وخاصة الشيعة) بأن يناصب إيران العداء أو يقف على الحياد في حال تعرضها للخطر، وهو يدرك أن أفضالها عليه وعلى طائفته لا تعد ولا تحصى.
نكرر القول بأن عرب النفط هم من دفعوا الدول الأربع للتوجه نحو إيران، ومحاولة عودة تلك الدول إلى الحضن العربي رهن بتصرفات دول النفط التي يجب ان تغير سلوكها بدلاً من الضغط على ايران لتغيير سلوكها، إنه رهان على جواد خاسر فالسيد ترامب أكثر ما يهمه هو الحصول على الاموال لتحريك الدورة الاقتصادية بأيسر السبل ودونما عناء وذاك جد متوفر لدى الخليجيين لأنهم لم (يعملوا) يوماً لأجل استقلالهم بل لان يكونوا تُبّعاً إلى أبد الآبدين.