- سقطت / روما / عندما أصبح لديها من الرّهبان ، أكثر ممّا كان لديها من الجنود / ڤولتير؟
يُراهن الفكرُ الأوربّيّ ، و الغربيّ عموماً ، على أنّنا في الشّرق العربيّ أقوامٌ و شعوبٌ لا نُجيد التّفكير. نحن نُدرك هذا الأمر من خلال الممارسات التي يقوم بها / الآخر / الغربيّ و التي تفضح اعتقاده بأنّ / العقلَ / التّاريخيّ قد استقرّ أخيراً في / الغرب /، كما كان قد اعتقد بذلك ( هيغل )، في / فلسفة التّاريخ /، بأنّ / الرّوح الجرمانيّ / ( في الأمم الجرمانيّة ) هو ما يمثّل الوعي في حرّيّته ، و بأنّه هو / روح العالم الجديد /، ما تكرّس مُشوّهاً ، ثقافيّاً و سياسيّاً ، في نزعة / المركزيّة الأوربّيّة/ التي ترى قَصْرَ الفكر و الحضارة على / الغرب/..
ذلك لأنّ مثل ( هيغل ) شخصٌ لا يفوته مغزى أكثر شموليّةً ممّا تقدّم ، فهو القائل ، أيضاً ، إنّ حوض البحر الأبيض المتوسط هو / مركز تاريخ العالم /.. ، و / قلب العالم القديم/.. و / لولاه ما كان يمكن تصوّر تاريخٍ للعالم /. و لكنّ الأهمّ فيما يطرحه ( هيغل ) من كلّ ما تقدّم هو في قوله : / إنّ العقل يسيطر على العالم ، و إنّ تاريخ العالم ، بالتالي ، يتمثّل أمامنا بوصفه مساراً عقليّاً /. ( هيغل- العقل في التّاريخ. المجلّد الأوّل. محاضرات في فلسفة التّاريخ )
سنتلافى ذلك ، الآن ، لنقول إنّه لا يهمّ هنا / الجدال / في صحّة الاعتقاد بالمركزيّة الأوربّيّة من عدمها ، إذ أنّ المسألة تحتاج إلى مدوّنات في برهان / القضيّة / أو عكسها، و لكنّ الأهمّ في الأمر هو أن نحاول ، نحن ، في أن ننظر إلى هذا / الوضع / من منطلق الكيفيّات التي تكفل لنا أن نستخدمَ الوقائع و الظّواهر كمادة حيّة و ضروريّة في التّفكير.
أصبح من السّهل لنا بعد تجربة هذه الحرب ، أن نختبر جملةً من الممارسات و العمليّات التي تمتدّ بأفكارنا ، و تحدّد مضامينها و اتّجاهاتها ، إلى أمد عمليّ طويل ، من حيث نظرتنا إلى / الحرب / كمناسبةٍ في تأسيس النّسق الضّروريّ لِخطّيّةِ إنتاجات الفكر العمليّ ، و كمنعطف سياسيّ و تاريخيّ استولى و سيستولي على أهمّ اتّجاهات وأنماط العمل و طُرُزِ التّفكير و التّحفيز القسريّ و الضّروريّ ، للمضامين و المفاعيل و الدّلالات الاجتماعيّة و السّياسيّة ، الكلّيّة..
بما في ذلك اهتمام جميع الفاعلين ، أو الذين ينبغي أن يكونوا فاعلين ، في مساحات و حدود و فضاءات العبارة و الّلغة و النّشاط اليوميّ و المبادرة و / المؤسّسة / و الدّولة و القرار.
ليست الحرب ، مع نهاياتها التي تلوح في المعطيات ، بتلك الواقعة التي تنمحي آثارها مع وقف
عمليّات الاقتتال و القتال.
تجاوزَت ، اليومَ ، الحربُ في سورية معالمَها الأوليّة تجاوزاتٍ طويلةً في اتّجاهات عديدة. كان من هذه الاتّجاهات ما هو مألوف مثل تراجع الصّراع و انكفاء الأعمال المسلّحة و تقويض / الإرهاب / ، و ما يتّصل بذلك من وقائع دالّة و مساعدة و شاهدة في الأرض و السّياسة.
غير أنّ ما هو ليس مألوفاً في / التّطوّرات / هو ذلك الذي تطرحه علينا نتائج هذه الحرب من أسئلة و تحدّيات مصيريّة ، فعلاً ، لا يمكن لنا أن نعاصر فيها نهايةً / ملموسة / للحرب ، ما لَم نتمكّن من مقاربة مضامين هذه التّحدّيات ، مقاربةً موسوعيّة و احترافيّة و مسؤولة و منظّمة في السّايكولوجيا و علم النّفس الاجتماعيّ و علم نفس سلوك الأفراد و الجماعات ، و في السّياسة و المعرفة و الفكر و الاقتصاد و الثّقافة و الإدارة و سائر المؤسّسات الأخرى ، الاعتباريّة منها و الرمزيّة في إطار تطوّرات / الاجتماع / الأخيرة التي تُقرأ مباشرة في ، مبيان بسيط من معالم أنثروبولوجيا الأمم و الدّول و الشّعوب.
هذه مسألة تحدٍّ يشترك فيها ، في مواجهتنا ، /الزّمن / نفسه ، بالتّضامن مع أقسى ما يُلحّ علينا من ضرورات و أسئلة و أجوبة و واجبات.
بدا إلى حين - و هذا صحيح حتّى الآن - أنّ الكثير ممّا فرضته علينا الحرب ، إنّما كان يدخلُ في عداد / ردود الأفعال /...
ينصرف الأمر إلى البيئة السّياسيّة السّابقة على الحرب ، كما إلى تلك التي فرضتها طبيعة الحرب في ساحة للمعارك ، لا يمكن أن تشكّل بالنّسبة إلينا ساحة أعمال عسكريّة أو مسلّحة استراتيجيّة.
ففي المواجهة كنّا نواجه / الخصوم / في بيئة سوريّة ذاتيّة و أليفة ، لا تصل بالإجمال إلى / جبهة حرب / التّقليديّة.
كنّا نقاتل / العدوّ / فيما بيننا و في إطار أهلنا و مجتمعنا و وسطنا الطبيعيّ و فضائنا الوطنيّ.
لقد فَرض علينا هذا الأمر صعوباتٍ خارقةً جعلت من قتال الدّولة لمواجهة /الإرهاب / أمراً معقّداً ، لا تستطيع معه جميع وسائل الحرب ، إلّا أن تبقى في إطار / الدّفاع / المحض عن المجتمع ، ممّا أدّى بجميع أعمال الدّفاع ، العسكريّة منها و السّياسيّة ، إلى أن تأخذ صيغةً أو صيغاً واضحة ، و مكلفةً ، أيضاً ، من الصيغ التي انحكمت بأن تبقى في إطار /ردود الأفعال / ، التي ساهمت بطبيعتها بإطالة أمد هذه الحرب ، التي كانت تنطلق من جغرافيا المجتمع و المواطنين و السّكان ، و تدور فيها أحداثُها في الوقت نفسه.
كان هذا أمراً شاقّاً في الوصف و لكنّه كان مكلفاً للمجتمع و الدّولة و الأفراد معاً ، و هذا ما شكّل الجانب الأكثرَ إيلاماً للجميع.
و في المقابل ، و في ظروف ما قبل الحرب ، و تحت عناوين مزمنة لمواقف سياسيّة رسميّة للدّولة الوطنيّة في سورية ، كانت أن تجمّدت روح المبادرة المبنيّة على المغامرة الاجتماعيّة و السّياسيّة ، في المعالجات ذات الآفاق التّاريخيّة التّغييريّة ، بغايات جذريّة في المشاريع الفوقيّة لفكرة الدّولة.
كان ذلك يجري بتسويغات / نظاميّة / مختلفة تتلخّص بضرورات / ائتلافيّة / أو / أُلفويّة / اجتماعيّة ، تحافظ على صيغ مهادنة في الاستقرار و التّطوّر الفاتر و التّطوير الهادئ و المسالم للبنية الثّقافيّة في المجتمع و الدّولة في سياق واحد. و ربّما كانت المصلحة / التّقليديّة / السّياسيّة تقتضي ذلك.
لم يكن من المحدّد ما يمكن أن تؤول إليه تراكمات هذه / المسالمة / التّاريخيّة التي لا تخلو من التّغاضي و التّجاوز المُفرِط ، لكثيرٍ من الظّواهر التي جعل تراكمها منها سلطاتٍ إضافيّة ، انضمّت إلى السّلطات الجهويّة و الفئويّة و الأيديولوجيّة الأخرى ، لقوى اجتماعيّة محافظة أو رجعيّة ، قامت مشاريعها و تعزّزت في وجه مشروع الدّولة الذي لم يكن ، في الحقيقة ، واضحَ المعالم في مستوى الحداثة التّاريخيّة و المَديَنَة و العلمنة و المعاصرة الحضاريّة ، التي تقتضي جملةً من / العناوين المتحرّرة / و / المنفتحة / في سلوك الدّولة و المؤسّسة.
لقد أعادت القوى المحافظة و الرّجعيّة في الدّولة و المجتمع ، تدويرَ عجلة التّطوّر بعكس ما كانت تدفع بها الدّولة، فيما كانت / السّلطة / السّياسيّة تكتفي غالباً بالرّد المناسباتيّ و العلاج الظّرفيّ ، و هما ما شكّلا ما نقول عليه / ردّ الفعل / في ظروف الحاجة إلى / الفعل /.
لقد اشتغلَ / الثّقافيّ / و / الاجتماعيّ / و / السّياسيّ / بعكس جهة / النّظاميّ / المعبّر عن مشروع الدّولة في المؤسّسة الرّسميّة. و اكتفى / السّياسيّ / بالمتابعة التي قد تقصّر أو تواكب / الثّقافيّ / و / الاجتماعيّ /، في وقت كان عليه ( السّياسيّ ) أن يسبق و يتجاوز / الوقائع / الأهليّة في تخطيط سابق و سبّاقٍ للمتوقّع و المألوف ، في حين لم يفعل أو لم يتمكّن من تمثيل هذا الدّور المنظّم و الوقائيّ أو الحصيف.
جرى تعنّت / الواقع / في صراعات عميقة و مركّبة ، و لو أنّه أبدى وجهاً ناعماً و انتهازيّاً و مارقاً ، استطاع معه أن ينجح بالتّقنّع الرّسميّ لفترة ، عبَرت أهمّ محطّات الانتقالات الوطنيّة السّوريّة منذ ما يقارب نصف القرن ، كانت خلاله قوى الكبح تعمل بحرّيّة مدعّمة بالأصول الزّمنيّة الثّابتة ، في الثّقافة و الدّوافع و المسوّغات الواسعة، و ب / الفعل / المحدّد و المقصود ..
فيما كانت الدّولة في حرج سياسيّ دائم ، جرّاء عدم ثقتها بأدواتها في المؤسّسة و النّظام ، أو جرّاء عدم التّمكّن من فكرة / المشروع / ، و عدم وضوح رؤيته وضوحاً كافياً ، أو عدم نضوج / الفكرة / السّياسيّة الكافية على مشروع / النظام /.
في الفترة التي نتحدّث فيها ، الآن ، عبرت سورية مقاطع زمنيّة حسّاسة و معقّدة من التّحوّلات الأيديولوجيّة و الدّينيّة و الاقتصاديّة و الهيكليّة الإداريّة ، و بخاصّة منذ نهايات سبعينات القرن العشرين و حتّى العقد الأوّل من القرن الواحد و العشرين.
كان هذا الواقع قد شكّل بنيةً فرضَت ، أثناءها و في ما بعد ، أسلوباً أصبح تقليداً جامداً على مستوى تلقائيّات / الفعل / و / ردّ الفعل / كاستراتيجيّات سياسيّة و اجتماعيّة للدّولة في سورية. .
بمعنى أنّ التّحوّلات الانتقاليّة الأساسيّة في مفاصل عبور المراحل الضّروريّة في البنية المتحرّكة ، موضوعيّاً ، للمؤسّسة و النّظام السّياسيّ ، إنّما كانت خاضعة لشروط الاستجابة الشّرطيّة الانعكاسيّة ، لمتطلّبات البنى الاجتماعيّة و الثّقافيّة العميقة، بدلاً من العكس.
لقد قاد / الاجتماعيُّ / .. / السّياسيَّ / في الوقت الذي كان على / السّياسيّ / أن يقود حركة / النّظام العامّ / و تطوّرات المراحل المختلفة لبنية الدّولة السّياسيّة ، في ظروف كان من المفروض أن تكون / ثوريّة / في المعاصرة و التّقدّم ، في حين جاءت باهتة و واهنة ، مَكّنت القوى الرّكيكة و الجامدة أو الثّقيلة و ذات التّسارع البطيئ ، من أن تقود عجلة السّرعة و التّسارع السّياسيين ، الّلذين كانا بحكم الضّروريين و المتوقّعين في وقت واحد.
لقد قادت أدوات / ردّ الفعل / السّياسيّ في برامج الدّولة المختلفة و المؤّسّسة العامّة و القرار النّظاميّ ، قادت مضمون / التّغيّرات / و / التّحوّلات / ، بدلاً من أن تكون أسس و شروط / الفعل / ، هي القائدة لأعمال التغيير السّياسيّ في سيرة الدّولة و فكرتها الثّابتة في / القوة /.
هكذا تخلّت الدّولة عن / القوّة / ، في ضروراتها ، عندما لجأت إلى / ردود الأفعال / ظنّاً منها ، و تحت شعارات و إملاءات و آراء مشكوك في ولاءاتها الوطنيّة، أنّها تحافظ - هكذا - على / لحمة المجتمع / و / استقراره / المزيّف.
فيما لم يكن بادياً و لا واضحاً ، للحساسيّة السّياسيّة في المسؤوليّات العامّة ، أنّ هذه / المهادنات / التّسويفيّة ، سوف تنتج عكسها من تضخّمٍ و تسرطنٍ لآليّات / الطّموحات / الخاملة ، في بنية الدّولة و في بنية المؤسّسة و في بنية المجتمع ، بحيث استعادت تلك / السّواكت / الكابحة / عافيتها / العمليّة .. فإذا بها مشاريعُ مواجهةٍ أيديولوجيّة معزّزة بالنّظام الذي سطت عليه ، و مسلّحة بأدوات الدّولة التي استولت عليها ، و مقاتلة بفكرة / الدّولة / ، نفسها ، هذه الفكرة التي عملت قوى الماضي على تفريغها ، لتصبح فكرة على / جيوب/ و / أخاديد / و / تعليمات / مؤيّدة بجيش من المناصرين و المريدين الانتهازيين و المقاتلين في سبيل التشبّث بمواقع السّلطة ، التي طوّرها هؤلاء إلى سلطاتِ عصياناتٍ ضدّ التّقدّم و التّغيير ، متجذّرة في البنيتين التحتية والفوقية في المجتمع والدولة والحقل والقضاء .
لا نبحث هنا سيرورة التّناقضات السّياسيّة في البرامج العامّة و آليّات إحداث التّغييرات الضّروريّة في الواقع الاجتماعيّ و السّياسيّ ، و إنّما نتحدّث على / جزئيّة / واحدة من أدوات استراتيجيّة الدّولة في تحقيق فكرتها التّقدّميّة أو المتقدّمة على / المجتمع / ، و هي جزئيّة دور / الفعل / المباشر للقضاء على الأفعال التّحتيّة المتأصّلة في آليّات الكبح التّاريخيّ للتّحوّلات العامّة ، و في خطورة الاكتفاء بردود الأفعال إزاء الأفعال التي لا تنتهي ، و التي تمتهنها قوى الكبح من أجل المحافظة على مواقعها و مكاسبها ، المتحقّقة في التّاريخ و تكريسها و تحسينها أيضاً ، بفضل تحسين شروط بيئتها و خطابها السّياسيّين بشكل أوّليّ و أساسيّ.
إنّ كلّ / استقرارٍ / في أسلوب و أدوات الدّولة في العمل في الشّأن العامّ ، عن طريق / ردّ الفعل / إزاء / الأفعال / الحيّة.. التّقليديّة أو المستجدّة أو الطّارئة ، سيقابله ، دائماً ، تفوقٌ واضحٌ في هجوم / السّلطات / الاجتماعيّة و السّياسيّة التّقليديّة على مكتسبات الدّولة في التّقدّم و الإنجاز العام .
لا يقهر فكرة / الدّولة / بقدر ما تقهرها قوى / البربريّة / القادمة من الماضي أو من الحاضر ، من التّاريخ أو من الأعماق ، من الثّقافة أو من التّقاليد ، من داخل الحدود أو من خارج الحدود .. و التي لا يُخيفها شيء بقدر ما تُخيفها فكرة / التّغيير / و / التّقدّم / ، هذه الفكرة التي غالباً ما تقودها الدّولة في المجتمع ، باعتبار الدّولة ظاهرة في التّاريخ السّياسيّ تعبّر دوماً تعبيراً مباشراً ، و لو بتباينٍ ، عن النّظام العام و مصلحة المجتمع ..
و لكنّ تعبير الدّولة عن مصلحتها السّياسيّة الذّاتيّة التي تعكس مصلحة المجتمع ، لا يمكن إلّا أن يكون بواسطة / الفعل/ الذي يسبق / ردّ الفعل / ، بحيث يكون / ردّ الفعل / السّياسيّ ، استدراكاً لبعضِ انحرافات / الفعل / نفسه أثناء التّنفيذ و الممارسة ، و ليس بديلاً عنه في / المباشرة / بالسّلوك و التّنظيم.
يمكن القول إنّه بين / الفعل / و / ردّ الفعل / ، تثوي قصّة نجاح الدّولة في تعبيرها عن موضوعيّتها أو عجزها عن تجسيد هذه / الموضوعيّة /.
من المعروف أن / ردّ الفعل / في علوم السّلوك ، هو سلوكٌ ذاتيّ و انفعاليّ و انعكاسيّ ، دون أن يكون ، كما هو / الفعل / ، معبّراً عن إنشائيّةٍ في ابتكار خيارات التّعبير و صور العمل و الفعل و التّأصيل ، و التي تعتمد أصلاً على الابتكار و التّخطيط و التّنفيذ ، بما يتناسب مع الحاجة المفهومة فهماً منظّماً ، قضى وقته الضّروريّ في الرّؤية و التّبصّر و إدراك الحاجة التّاريخيّة في / الموضوعيّة / في الّلحظة ، قبيل إدراك / الذّاتيّة / الخاصّة بالفاعلين . .
و عندما تقود / الموضوعيّةُ / .. / الذّاتيّةَ / ، على نحو ما نقصد إليه ، هنا ، فقط نكون أمام / المشروع العامّ / .. ليست / الدّولة / ، في جوهرها ، سوى تعبير نظاميّ عن مشروع عامّ.
و إذا كانت / ردود الأفعال / الظّرفية ، كما قلنا أعلاه ، قد فرضت علينا نتيجة لمجتمع ما قبل الحرب ، كما لطبيعة الحرب و بيئتها و محظوراتها الأخلاقيّة ، فإنّه من غير السّياسيّ أن يمتد مدى / ردود الأفعال / هذه ، ليشملَ النّتائج الأعلى التي أصبحت ضرورات معالجتها كمشكلات ، أفرزتها الحرب ، كما راينا بالنّسبة إلى تحقيق فكرة الدّولة في النّظام ، في أصول القرار السّياسيّ الذي صارت واضحة ضروراته و آليّاته و إمكانيّاته المستقبليّة الّلازمة.
و أما على صعيد هذه النّتائج ، علاوةً على مقدّمات تأسيس و إعادة تأسيس النّظام السّياسيّ ، فإنّ ما طرحته الحرب من أسئلة ، إذاً ، يجب أن لا ننظر إليها كأسئلة بسيطة و مباشرة يكون جوابها شكلاً من أشكال / ردّ الفعل / ، و إنّما فقط باعتبارها أسئلة تاريخيّة ، تحتاج إلى إعادة مراجعة المشروع الاجتماعيّ و المشروع السّياسيّ ، الّلذين يشكّلان مسوّغ وجود الدّولة الوطنيّة بالذّات.
من جهة أخرى ، فإنّ الوقت الذي وصلنا إليه مع شكل الدّولة الوطنيّة السّوريّة في شروطها الواقعيّة ، اليوم ، هو أنسب الأوقات ، من جديد ، لنتناول مفهوم / الفعل / و / ردّ الفعل / السّياسيين ، بالنّقد و المراجعة و التّفنيد ، تمهيداً لرؤية فكريّة تدخل في تجذير النّتائج الإيجابيّة الأفضل للحرب و تستبعد ، في الوقت نفسه ، السّلبيّات - ما أمكن - مع الإحباطات التي أصابتنا في المجتمع و الدّولة و النّظام و العلاقات و القيم و أنماط السلوك.
نحن نعبُرُ ، اليومَ ، مرحلة انتقاليّة في سورية من شأنها أن تكون مرحلةً من مراحل التّأسيس التّاريخيّ للدّولة السّوريّة المستقبليّة ، بشرط فهم و إدراك أن مشروع نظام الدّولة الاجتماعيّ و السّياسيّ ، لا يمكن أن يكون شيئاً تلقائيّاً طبيعيّاً تتحسّن ظروف تفاعلاته البينيّة ، كما يجري الأمر في ضرورات الطّبيعة ، التي تخضعُ إلى نواميس شديدة الموضوعيّة. .
صحيح أنّ هنالك قواني موضوعيّة في السّياسة و الاجتماع ، و لكنّها ممّا يُساهم فيها الفعل الإنسانيّ في الفكر السّياسيّ الغائيّ ، كمساهمة في صناعة الفكر للقدر السّياسيّ للأمم و الدّول و المجتمعات و الشّعوب .. و تختصر تقنيّةُ / المؤسّسة / الفكرةَ العامّة التي تنضوي عليها تلك الإسهامات ببساطة و وضوح.
/ الدّولة / بالذّات هي / المؤسّسة / الأشمل من بين سائر المؤسّسات العامّة الأخرى ، التي يقوم عليها النّظام العامّ .. و هي عبارة عن / روح / مجموعة المؤسّسات السّياسيّة و الحكوميّة و الإداريّة الأخرى المتعدّدة و المختلفة إلى درجة التّطرّف في / الاختلاف / ، لولا أنّها تجمعها كلّها فكرة أساسيّة واحدة ، هي فكرة السّيادة السّياسيّة على الاجتماع.
إنّ مصلحةَ الدّولة تتداخل ، حتماً ، مع مصالح المجتمع و الأفراد ، و لا توجد إحداها بمعزل عن الأخرى؛ و لكنّ فكرة التّمييز في التّفضيل ليست أكثر من فكرة توجّه بعض المصالح المنفردة و الموزّعة ، بواسطة توجيهات المصالح الكلّيّة للجميع .. بمعنى أن / الاجتماعيّ/ هو الذي يخضع ل / السّياسيّ / ، و ليس العكس .
يُشير هذا الطّرح الواضح البسيط إلى فكرتين :
الأولى ، إلى نقديّة سياقيّة تتعلّق بماضي الحدث أو الأحداث السّوريّة ، على ما قلناه ، باختصار، أعلاه..
بينما تشير الثّانية إلى فكرة أو أفكارٍ مستقبليّة تخصّ مستقبل الإطار السّياسيّ ، لإعادة توجيه نتائج الحرب وفق سياقها التّاريخيّ - الموضوعيّ ، الاجتماعيّ و السّياسيّ.
إنّه من دواعي الثّقة بالمجتمع و الدّولة ، على الأقلّ ، ما قد تحصّل من نتائج سياسيّة بعد هذه السّنوات الجِسَام التي مرّت على سورية ..
و إنّه - بالتّالي - من دواعي الثّقة بإمكانيّة البناء الفعليّ على ما بقي ثابتاً في الأصول الاجتماعيّة و السّياسيّة ، و لكن في سياق فكريّ و ثقافيّ ، ينبغي أن يكون مختلفاً في المفاصل و المقاطع الكبرى و نقاط و آليّات العمل و الفعل و التّأثير .
نحن أمام فرصة تاريخيّة سانحة و حقيقيّة من أجل إعادة توزيع / القوّة / ، في حقول التّبادل الاجتماعيّ و الثّقافيّ ، و في صناعة مستقبلات جديدة لمنتجات / القوّة / في فضاء / السّياسيّ /.
نحن في مشروع الدّولة مهدّدون ، دائماً ، في الانعطاف الطّبيعيّ و الانثناء التّلقائيّ للفرديّ و الجهويّ و الفئويّ ، على / الذّات / ، و ذلك بالتّضحية أبداً بالدّولة من أجل ما هو أضيق من الدّولة ، من اعتبارات و مصالح و فوقيّات و فضاءات ..
وهذا ما نكرّره ، باستمرار ، حول طموح السّلطات / الكامنة / في أن تكون بديلاً لسلطة الدّولة .. و هذا ليسَ شأناً شاذّاً أو مفارقاً ذلك لأنّه ، بالفعل، شأنٌ موضوعيّ و طبيعيّ ، و لو في حدّه الدّافعيّ على الأقلّ.
فأنْ يعمل الاجتماعيّ و الثّقافيّ على تجاوز / السّياسيّ / ، فهذا أمر في حدود / المشروعيّة / بل و / المعقوليّة /، أيضاً..
و لكن أن يسمح / السّياسيّ / بهذا التّجاوز و الإلحاق المقلوب ل/ السّياسيّ / ب / الثّقافيّ / و ل/ المدنيّ / ب / الأهليّ / ، فهذا ما يُشكّل اعتداءً على / العقلانيّة / بالذّات ، بوصفها ( العقلانيّة ) التّوضّع الأعلى للعقل في المؤسّسة التي هي / الدّولة /.
/ الدّولة / نفسها هي أعلى مراحل / العقلانيّة / في / الاجتماع / ، و عليه يجب أن يُنظر إلى علاقة المستويات المختلفة ب/ السّياسيّ /.
لا يتعلّق الأمر بالذّكاء الشّخصيّ و الخبث الثّقافيّ و الاجتماعيّ و السّلطويّ الأهليّ ، أو حتّى بالمُكرِ الفلسفيّ ، الذي على / الدّولة / أن تتجنّبها جميعاً ، فحسب. .
و إنّما الأمر يتعدّى ذلك إلى ضرورة الإقرار بأنّ ذلك ، جميعاً ، إنّما هو / مجرّد / إمكانيّة طبيعيّة و استراتيجيّة حيويّة صِرفة ، تنغرز في الفطرة الأوليّة لفكرة الوجود البشريّ ، و بخاصّة منه في طوره التّفاعليّ الاجتماعيّ.
في العموم ذكر ( دلتاي ) : ( 1833 -1911م ) أمراً مشابهاً في معرض حديثه على أحد أهمّ منطلقات / النّقديّة الفلسفيّة / فقال : / إنّ الانعطاف على الذّات ، ليس بخاصّة من خصائص الذّكاء وحده ، بل هو سمة فريدة يتّسم بها الوجود الإنسانيّ / ( ريمون آرون- فلسفة التّاريخ النّقديّة - ترجمة حافظ الجمالي ).
تُعدّ فكرة / الفعل / و / ردّ الفعل / في / القرار / السّياسيّ ، و بخاصّة منه / السّياديّ / و / الجوهريّ / الذي يمسّ أركان نظام / الدّولة / و بنيتها / الفكريّة / ، من الأفكار التي تطرحها الاستراتيجيّات النّقديّة عند التّنظير في فلسفة الدّولة ، في معرض الاستعراض الدّرسيّ الدّائم للمشكلات و الحاجات و الأسئلة الاستراتيجيّة و الحلول الملحّة و الوحيدة ، التي تعترض مسيرة الدّولة ؛ هذا إلى أنّ الدّولة / مشروع / اجتماعيّ - سياسيّ تاريخيّ ، لا يقوم من دون فلسفة سياديّة ، تُعنى بالأسس و الماهيّات التي عليها تؤسّس ذاتها و محيطها كمؤسّسة سياسيّة.
من الطّبيعيّ أنّ اتّساع فكرة / الدّولة / في / القرار / و / التّنظيم / و / النّظام / و الوسائل و الأدوات ، إنّما يمتدّ ليشملَ جميع المؤسّسات الأخرى المنبثقة عن مؤسّسة / الدّولة /..
و مفهوم كيف تتناضدُ / المؤسّسات / السّياسيّة في إطار / الدّولة / ، ليكون بعضها فوق بعضها في شكل مراتب و أولويّات و أهمّيّات و أفضليّات. .
لهذا ليسَ من المهمّ ، هنا ، أبداً ، الدّخول في تفاصيل مراتبيّة المؤسّسات / السّياديّة / منها و / التّنظيميّة / ، و البحث في ترتّب / الواحدة / منها على / الأخرى / ، ففي هذا تفصيلٌ مدرسيّ يألفه كلّ المهتمّين و الدّارسين و الباحثين و أفضلُ و أنبهُ القرّاء.
و بهذه المناسبة .. فقد علّقَ، مرّةً، ( فولتير ) : (1694 - 1778م ) على/ الكوارث / - وفق تعبيرِهِ - التي سبّبت بسقوط ( روما ) بأنّها : / البرابرة ، و المجادلات الدّينيّة /!
و لكنّه توقّف ، أكثرَ ، فقال : / لأنّ الإمبراطوريّة أصبح لديها من الرّهبان ، أكثر ممّا كان لديها من الجنود../ ... !!؟
هذا ليسَ مثالاً على رمزيّة ما نريد التّطرّق إليه ، كما لو كنّا في معرض تعداد الأولويّات ، و لكنّه شيءٌ يوحي ببعض ما هو من الجوهريّات في الأولويّات ، التي يمكن فيها التّفريق و التّمييز بين مخاطر الاكتفاء بردود الأفعال ، في مناسبات ضرورات و دَور و جِدّيّة / الأفعال /.
من سلسلة الفكر الإستراتيجي " 6 " الحلقة السادسة