في موقف لافت قال رئيس الدبلوماسية الفرنسية إنّ سورية دخلت المرحلة الأسوأ، ترافق موقفه مع تسعير النار من قبل المسلحين الذين يختطفون الغوطة الشرقية والذين كان عليهم الالتزام بمقتضيات وأحكام المناطق المنخفضة التوتر التي ارتضوا هم الانخراط فيها، لكن مشغليهم في الخارج ومع تقدّم الجيش العربي السوري وحلفائه في الشمال الغربي وجدوا انّ تفجير الميدان في محيط دمشق وفي أحيائها بنار تشلّ الحركة وتعطل الحياة فيها أمر مفيد ولا بدّ منه.
نعم لقد وجد دعاة العدوان على سورية أنّ في تحريك هذا الملف ملف الغوطة وبالشكل الذي يحصل الآن – مدخل للضغط على سورية لوقف عملياتها في الشمال أولاً ثم للقبول بتفاوض ما حول الحلّ السياسي بما يحفظ لمكونات العدوان فرصاً معينة أو جوائز ترضية بعد أن خسروا الحرب الأساسية.
وبالتالي نرى أنّ الضغط الناري المخدوم بتهويل وتباكي إعلامي وحراك دبلوماسي يقوم به معسكر العدوان، يأتي في سياق عمل متكامل غايته دفع سورية للتنازل عما في يدها من مكتسبات، ووقف ما تسعى إليه من المزيد في الميدان. ولكن الأهم والأخطر مما تخفيه عمليات الإرهاب انطلاقاً من الغوطة هو حجب النظر عن التحوّل الذي آل اليه العدوان على سورية وانتقاله من واقع الحرب البديلة التي اتخذ الإرهاب أداتها، الى الحرب المباشرة التي يشنها الآن مثلث العدوان المباشر على سورية المشكل من اميركا وتركيا و«إسرائيل»، ولهذا لم يكن صدفة أن تتزامن عمليات الإرهاب والقصف المنطلق من الغوطة على دمشق ومحيطها مع بدء تركيا عدوانها الاحتلالي في اتجاه عفرين في الشمال وتكثيف إسرائيل عملياتها العدوانية الجوية في محيط دمشق، فضلاً عن الوقاحة التي تعبّر بها اميركا عن مشروعها لاقتطاع الشمال الشرقي السوري وإقامة كيان انفصالي فيه يوفر لها مساحة كافية لنشر قواعدها العسكرية في مهمة فصل مكوّنات محور المقاومة شرقاً عن مكوناته في الغرب.
لكن سورية مع حلفائها وبعد الوقوف على ما يبتغيه العدوان طوّرت استراتيجية المواجهة المعتمدة ووجهت ضربات موجعة لمثلث العدوان بدأت في السماء السورية في مواجهة الطيران الإسرائيلي وأثمرت اسقاط أكثر من طائرة أف 16 من طائراته المعتدية، إسقاطاً تطوّر الى سقوط العربدة والغطرسة الإسرائيلية في الأجواء السورية وفرض معادلة ردع جوي بين سورية و«إسرائيل» حرمت العدو من قوة التدخل الرئيسية في الأزمة السورية والتي طالما لجأ اليها خلال سنوات العدوان السبع الماضية وهو التدخل الجوي في ظلّ العوائق والمحاذير للتدخل البري.
أما في مواجهة تركيا التي كانت تطمح لإقامة منطقة أمنية تحت سيطرتها في الشمال والشمال الغربي السوري والتي من أجلها انقلبت على تعهّداتها في استانة وتجاوزت مخرجات او مفاهيم مناطق خفض التوتر ليكون لها مشروعها الخاص، فقد وجّهت سورية لها ولمشروعها ضربة موجعة أيضاً تمثلت بدخول القوات الشعبية السورية الى عفرين في عملية عسكرية نفذت رغم النار والرفض والمناورات التي قامت بها تركيا التي عملت المستحيل لمنع هذا الدخول. فتركيا تعلم انّ عودة عفرين الى حضن الدولة السورية ونشر الأمن الشرعي السوري فيها انما هو عمل يقطع الطريق على مشروعها الاحتلالي ويطيح بأحلام أردوغان مرة أخرى كما أطاح تحرير حلب بأحلامه سابقاً.
وعليه نرى أنّ الهستيريا العدوانية التي دفعت الى تفجير الجبهات في الغوطة وعفرين فضلاً عن مناطق أخرى تستمرّ فيها المواجهة، وإنْ بحدة أقلّ. انّ هذه الهستيريا فشلت حتى الآن في تحقيق أيّ من أهداف أصحابها الأساسية، لا بل يمكن القول إنّ سورية استطاعت أن تحوّل التحدّي الى فرصة تحقق عبرها مكاسب تخدم خطتها الدفاعية وسعيها لاستعادة السيطرة على كلّ شبر من الأرض السورية وبسط الأمن الشرعي عليها، وسيكون لدخول القوات الشعبية السورية الى عفرين أثر بالغ على مسار المواجهة والعمليات الجارية في الشمال، كما سيكون لعملية تطهير الغوطة التي يحضر لها على نار حامية، تداعيات ستفقد العدوان صوابه.
وبالتالي، فإننا نرى أنّ الذي يهدّد به الفرنسي بانه المرحلة الأسوأ، والمتقاطع مع التهويل الأممي على لبنان والذي جاء على لسان غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة والتحذير من الحرب المقبلة التي تنوي «إسرائيل» شنّها ستدمّر نصف لبنان، والمتلاقية مع قول رئيس الحكومة التركية بأنّ دخول الجيش العربي السوري الى عفرين يعني تقسيم سورية، مضافاً الى ما تمّ تسربيه من خطة أميركية للتقسيم الفعلي، كلها تأتي في سياق التهويل والضغط على سورية وحلفائها من اجل منعهم من استثمار الانتصارات التي تحققت والحؤول دون متابعة حصد الانتصارات في قابل الأيام، لأنّ في ذلك إسقاطاً كلياً للعدوان على سورية ونعياً نهائياً لأحلام مكوناته ومثلثه المباشر. ومن اجل هذا وضع معسكر الدفاع عن سورية استراتيجيته الجديدة المتطورة والمركبة، وهي استراتيجية مواجهة الحرب المباشرة والتصدي لخطط الاحتلال والانفصال وإقامة مناطق النفوذ الاستعمارية على ارض سورية. انها استراتيجية التحرير بعد ان نجحت استراتيجيات الاحتواء والتطهير والإجهاز على الإرهاب.