عندما ذهبت أميركا الى مجلس الأمن بمشروع قرار قدّمته الكويت والسويد حول الأزمة السورية عامة والغوطة الشرقية خاصة، كانت تبتغي تحقيق 3 أهداف رئيسية معاً، واتخذت من العامل الإنساني ذريعة لترويج المشرّع والضغط على روسيا من أجل تمريره. أما الأهداف الأميركية فقد كانت تباعاً:
- قطع الطريق على الجيش العربي السوري ومنعه من تنفيذ عملية تطهير الغوطة بعد أن أعد لها بعناية واستكمل تحرياتها.
- تمكين المسلحين من إعادة تنظيم قواهم وإعادة التزويد بالسلاح والذخائر والتعزيز بالعديد من خارج الغوطة وعلى يد أميركية خططت لنقل 2000 من الإرهابيين من إدلب الى الغوطة عبر التنف.
- إقامة مركز مراقبة داخل الغوطة يكون النواة لقيادة عسكرية أميركية على كتف دمشق.
هذا دون أن يشمل مشروع القرار بقية الأرض السورية خارج الغوطة، ودون أن يميّز من بين المسلحين مَن صنّف دولياً إرهابياً ومَن لم يصنّف، ودون ان يضع ضوابط للمراقبة والتنفيذ وإلزام الجماعات المسلحة بالتقيّد فعلاً عن إشارة المشروع بشكل ضمني الى انه متخذ على ضوء الفصل السابع من الميثاق الذي يفتح باباً لأميركا ليشرّع كلّ وجودها الاحتلالي في سورية ويمكنها من اختلاق الذرائع من أجل ذلك مدّعية أنها تنفذ قراراً أممياً.
بيد أنّ روسيا وبالتنسيق مع سورية وحلفائها أجهضت المناورة الخدعة، ومنعت أصحابها من الوصول الى أهدافهم العدوانية، كما انها أجهضت المحاولة الأميركية الخبيثة التي ترمي الى شيطنة السلوك الروسي عبر دفع روسيا الى استعمال الفيتو ثم الخروج على العالم بالقول إنّ روسيا ترفض الهدنة وتريد الحرب التي تؤذي المدنيين. لقد كان الخبث الأميركي في إدارة الملف واضحاً ظنّ معه الأميركي أنه سيكسب في أيّ حال سواء مرّر المشروع بشروطه ام أسقطه بالفيتو الروسي.
لقد ناور الروسي دبلوماسياً، بحيث انه لم يبق المشروع على حاله ولم يضطر الى الفيتو، حيث أدخلت تعديلات على المشروع أجهضت الأهداف الأميركية المباشرة وغير المباشرة، وصدر القرار 2401 من غير ان يقيّد الجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب، ومن غير أن يحصر في منطقة أو يستثني منطقة من مناطق سورية، وكان فرصة لإطلاق سورية تهديداً لأميركا في مجلس الأمن، بأن احتلالها القائم على أرض سورية ستبادهه المقاومة التي ستكون حتمية إن لم تخرج قواتها المحتلة والموجودة بشكل غير مشروع في سورية.
ونستطيع القول إنّ المناورة الأميركية في مجلس الامن ومحاولة استعمال عنوان إنساني لتحقيق اهداف عسكرية ميدانية واستراتيجية او اهداف سياسية، إنّ هذه المناورة فشلت وبقي الجيش العربي السوري متمتعاً بحقه السيادي في ملاحقة الإرهاب على أيّ أرض سورية من دون أن يقيّد بأيّ قيد. وبقيت عملية الغوطة الشرقية قائمة على قدم وساق دون أن يؤثر القرار في مبدئها، فجلّ ما فعل القرار هو إعادة النظر بكامل الخطة العسكرية وتجزئتها، وفقاً للمراحل التي تعتمد بالنظر لطبيعة المسلحين وسلوكهم في مواجهة الجيش.
كما أننا نرى انّ القرار حقق لسورية خدمة من اتجاهات عدة، أولها سحب ذريعة العامل الإنساني ونقل عبئه من الجانب السوري حيث كان الاتهام الغربي يُطلق جزافاً، الى جانب المسلحين حيث انهم سيظهرون فعلاً بأنهم هم من يتسبّب بمعاناة المدنيين ويمنعون خروجهم ويمنعون وصول المساعدات المعيشية إليهم ويستعملونهم دروعاً بشرية/ كما ان القرار سيتيح الفرصة للجيش العربي السوري في وضع خطته العملانية بعد فرز المسلحين بين إرهابي او موافق على مخرجات استانة والحلّ السياسي، فيقاتل الأول في مرحلة أولى محيّداً الآخر ثم يكون تصرفهم الثاني متناسباً مع سلوكه فإنْ التزم بمفاهيم قواعد خفض التوتر كان به، وإلا يكون الميدان هو الحلّ. اما إذا لم يميّز نفسه أصلاً عن الإرهابيين الآخرين فلا يكون للقرار قيمة أصلاً.
وعلى هذا الأساس تجد أميركا نفسها أمام خيبة كبيرة، وأن الجيش العربي السوري الذي أرادت تقييده في عملية تطهير الغوطة سيمضي في خطته من دون أن يأبه لها، وأنها لن تستطيع نقل ارهابيّيها الى الغوطة ولا أن تقيم قاعدة أميركية فيها مستظلة بقرار أممي لم يعطها الحق بشيء من ذلك، وأنها خسرت ورقة العامل الإنساني الذي كانت تؤمل منها تبرير كلّ ذلك ما يطرح السؤال: هل تركن أميركا للخسارة أم أنها ستلجأ لمناورة أخرى تتيح تعويض الخسارة؟
يبدو أنّ اميركا لم تتأخر كثيراً في التفكير وعادت فوراً الى الذريعة القديمة التي تبقيها دائماً ورقة احتياط بيدها عندما تريد الضغط على سورية وتهديدها بعمل عسكري ضدّها لوقف الاندفاعة في الميدان أو للضغط في السياسة، انها العودة الى ورقة استعمال الكيماوي. ولكن روسيا فضحت الخطة هذه المرة قبل ساعتين من استعمالها، وجاءت وزارة الدفاع فيها ببيان يؤكد أنّ المسلحين يخططون لاستعمال مواد سامة في الغوطة لاتهام الحكومة السورية بها، وبعد ساعتين فقط من البيان الروسي خرج مَن ينطق باسم ما يسمّى «جيش الإسلام» مدّعياً أنّ الجيش السوري استعمل الكلور في الغوطة. وهنا لا يمكن أن ننسى ما صرّح به الفرنسيون والأميركيون ومن خارج السياق اثناء التداول في مشروع القرار 2401 بأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام احتمال استعمال السلاح الكيماوي.
إنّ أميركا التي أجهضت كلّ المحاولات لإقامة منظومة تحقيق محترفة ومتوازنة لكشف مزاعم استعمال الكيماوي، تعلم جيداً وباليقين القاطع على لسان المندوبة الدولية انّ سورية تخلصت كلياً من ترسانتها الكيماوية وتعلم جيداً أيضاً انّ سورية في عمليتها العسكرية متوفقة في الميدان ولا تحتاج لأيّ سلاح غير تقليدي، ثم أنّ سورية الراجحة الكفة في الميدان لا يمكن ان تعطي ممسكاً على نفسها او ذريعة لأحد لتلويث انتصاراتها العسكرية. وبالتالي فإنّ أيّ اتهام لها في هذا المجال يكون هراء وكيدية لا يمكن أن يوافق عليها أو يقبلها عاقل.
ومع هذا فقد يكون إصرار على الاتهام، ورغبة في التدخل لوقف عملية تطهير الغوطة التي تُعتبر ورقة استراتيجية بالغة الأهمية باليد الأميركية. بيد أنّ سورية التي عرفت كيف تواجه وفقاً لاستراتيجيات واقعية بعيدة النظر تعرف أيضاً كيف تردّ على الاتهام وتُجهضه وتواجه أيّ محاولة لمنعها من تطهير أرضها وتحريرها من أيّ إرهاب او أجنبي محتلّ.