كشفت محاكمة 39 داعشيا في محكمة الجنايات بمجلس قضاء العاصمة، صبيحة الاثنين، عن تفاصيل مثيرة لتأسيس أخطر وأكبر تنظيم إرهابي في الجزائر مواز لما يسمى (داعش)، وأسرار الأساليب التي استخدمها "مفتي داعش" لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب الجزائري المغرّر بهم.
حسب ما ورد في قرار الإحالة التي يحوز "النهار أونلاين" على نسخة منه، فإنّ تفكيك الخلية المذكورة، انطلق بتاريخ 20 نوفمبر 2014، بناءً على معلومات وردت مصالح الضبطية تفيد بأنّ بعض الشباب من أبناء مدينة بودواو بولاية بومرداس، التحقوا بالتنظيم الإرهابي المسمى "داعش" ، حيث تمكنت المصالح ذاتها من تحديد هويات هؤلاء الأشخاص، كما توصلت إلى معلومات تفيد أنّ بعضهم، التحق فعلا بهذا التنظيم في سوريا والعراق.
بالتزامن، وردت معلومات غير مؤكدة بخصوص المدعو "ع.برادعي" و"فاتح.و" و"عبد الكريم. م"، "حمزة.ر"، أنهم نفذوا عمليات انتحارية ضمن التنظيم إياه في "بلاد الشام"، في حين لا يزال الرأس المدبر والمحرض الأساسي لتجنيد هؤلاء الشباب للقتال في تلك المناطق المدعو "محمد/م" وأتباعه المقربين يمارسون الأعمال القتالية في هذه البلدان ويحرضون الجماعة الباقية في الجزائر من أجل الإلتحاق بهم، من خلال الإتصال بهم هاتفيا أو عن طريق شبكات التواصل الإجتماعي"فيسبوك" وتوجيههم من أجل استكمال إجراءات التنقل إلى تركيا ومن ثمة الدخول إلى المعسكرات الإرهابية داخل التراب السوري.
إحباط الرحلة التركية
غير أنّ مصالح الأمن تمكنت من ايقاف المشتبه بهم قبل مغادرتهم التراب الوطني في اتجاه مطار اسطنبول بتركيا، ويتعلق الأمر بكل من "زهير.ك"، "أسامة.ب" رفقة 23 آخرين، لتتم متابعتهم قضائيا بموجب طلب افتتاحي صادر عن نيابة الإختصاص محكمة "بودواو" .
وفي جلسة انطلقت على التاسعة ونصف صباحا بمحكمة الجنايات في العاصمة، شرع القاضي في استجواب 39 متهما، منهم 14 فارا أبرزهم مفتي داعش "محمد/م" المكنى "أبو مرام الجزائري"، وشقيقه "ياسين"، إضافة إلى 21 متهما موقوفا، يُذكر منهم الإرهابي "عمر/ح" العائد من جحيم ووحشية (داعش) في سوريا والعراق.
وصرح المتهم "زهير/ك" أمام الضبطية القضائية أنه بتاريخ 9 نوفمبر 2014، تعرّف على المدعوين "محمد/م" و"عمر حازم"، وشقيقه "ياسين"، مضيفا أنّ كل من "محمد/م" و"ياسين/ح" التحقا بالعمل المسلح في العراق خلال شهر رمضان 2014، ليلتحق بهما " ح.عمر" ثم عاد إلى أرض الوطن وتم حبسه بسبب ذلك.
تحولات ما بعد زلزال بومرداس
أما بخصوص علاقته بالمدعو "محمد/م"، فأكد "زهير/ك" أنه تعرف عليه بعد زلزال 2003، خلال حادثة وفاة والده أين قام بتغيير مقر إقامته إلى حي بن تركية ببودواو، وعلى إثر ذلك انقطعت علاقتهما لسفر "م/م" إلى الخارج، وبعد عودته من الخارج لاحظ أن سلوك الأخير تغيّر بعدما أصبح ملتح ويتردد على مسجد "الرحمة" بالعاصمة.
وفي رمضان من السنة نفسها، جدّد "زهير/ك" علاقته ب "محمد.م" بعدما التقاه في محل لبيع المثلجات رفقة المدعو"حليم.م.ع"، لتتكرّر لقاءاتهما بعد صلاة التراويح، أين بدا له متشبعا بالفكر الجهادي في سوريا والعراق، غير أنه لم يكن متحمسا للجهاد داخل التراب الوطني، وأضاف أنه وبعد أيام تقدم منه المدعو "عمر.ح" وأخبره أنّ الشاب الذي تكلم مع "محمد.م" بخصوص العمل المسلح في الجزائر، والتحق بتنظيم "داعش" في سوريا والعراق رفقة أحد أبناء الحي يدعى "نبيل".
وتابع "زهير/ك" أنّ "محمد/م" التحق بالجماعات المسلحة تحت لواء "داعش" وتلقى منه دعوة عبر "فيسبوك" باسم "أبو المرام الجزائري"، كما بعث له على وسيلة الإتصال ذاتها، صورته الملثمة وتمكّن من التعرف عليه عبر عينيه، فضلا أنه كان ينشر على صفحته مقالات وصور لتحريض الشباب للالتحاق بداعش.
إنكار.. واعترافات مثيرة
تميزت جلسة المحاكمة بإنكار المتهمين للوقائع المنسوبة اليهم، واعترفوا أنّ حضورهم لجنائز انتحاريي سوريا والعراق، كان من باب كونهم من أبناء الحي، كما أكدوا أنّ حضورهم حلقات "أبو مرام الجزائري" من باب التشبع بالدين وليس الجهاد في سوريا والعراق، وأنّ حيازتهم على مبالغ مالية بقيمة 500 أورو لكل واحد، وجوازات سفر وتأشيرات الى تركيا جاء من باب الصدفة.
لكن اعترافات المتهم "عمر.ح" العائد من معاقل "داعش" في بلاد الشام، قلبت موازين المحاكمة، حيث صرّح "عمر/ح" أنه تعامل مع مفتي "داعش"، بحكم امتلاكه طاولة قريبة منه في أحد الأسواق وكان يحدثه في بادئ الأمر عن المسائل الفقهية، إلى أن أصبح يحدّثه عن مسألة الجهاد في سوريا، وراح يحرضه على ضرورة الجهاد.
وأضاف "عمر.ح" أنه في أحد الأيام، تلقى مكالمة هاتفية من شقيقه "ح.ياسين" وأخطره بأنه قرر السفر إلى سوريا، فحسم أمره وكان في الدفعة الثانية المكوّنة من خمسة أشخاص، أين نمّ استقبالهم في فيلا على الحدود التركية السورية، مشيرا إلى أنه شاهد أشياء منافية للدين الاسلامي، على غرار إقدام أشخاص ملتحين على تدخين "السيجار" وسط رطنهم بلغة عربية ركيكة.
بشاعة الغرف المغلقة
وكان "عمر.ح" شاهدا على اغتصاب جماعي لقاصرات من طرف الدواعش في غرف مغلقة، وهي مناظر أثرّت في نفسية "عمر.ح"، فقرّر العودة متحججا بإصابته بمرض الربو ولديه اطفال صغار في انتظاره، أين اتصل بعائلته لتسليم نفسه للسلطات الجزائرية التي أوقفته بالمطار.
يُشار إلى أنّ هذه المحاكمة المثيرة ستتواصل إلى غاية الثلاثاء، على أن تقدّم النيابة العامة التماساتها قبل النطق بالحكم.