في الاصل والجوهر، فان الاجندة الحقيقية التي تقف دائما وراء حالات الغزو والتدخلات الخارجية في البلدان والاوطان العربية، هي النهب والسلب والتدمير والاخضاع وفرض التبعية، وتفكيك مقومات الوحدة والقوة لدى أي دولة عربية مؤهلة لتحقيق ذلك، والنموذج الساطع لدينا على ذلك، ما جرى في العراق على مدى سنوات الغزو الامريكي-البريطاني 2003-2011، وكل ذلك في خدمة الاجندة والاستراتيجية والاهداف الصهيونية.
فالعقل العربي مستهدف، والثروة العلمية العربية مستهدفة، والتراث العلمي /التعليمي العربي مستهدف، والقدرات العلمية والتكنولوجية العربية مستهدفة، والارشيف العربي المتعلق بالحضارات والتراثات العريقة مستهدف، ومقومات البقاء والتواصل الحضاري العصري العربي مستهدفة،ومقومات القوة الاقتصادية مستهدفة، كل هذه وغيرها الكثير من العناوين تكثف لنا حقيقة ما جري ويجري في بلدان العرب المحتلة، فعلى ارض العراق العربي تابعنا حرب الابادة المنهجية الشاملة ضد العقل و العلم والثقافة والحضارة وقدرات البقاء العراقية، فهناك جرت على مدار الساعة عمليات القتل الممنهج للمتميزين من علماء العراق: أساتذة جامعات، أطباء، طيارين، مهندسين، وقد باتت هذه حالة معروفة وموثقة ولم تعد تثير أحدا من العرب رغم أهميتها وخطورتها ورعبها، وهناك جرت وتجري اضخم واخطر عمليات سرقة لاضخم واعرق ارشيف تراثي في العالم، فكشفت وزارة الثقافة العراقية مؤخرا النقاب عن أن الولايات المتحدة لا تزال تماطل في تسليمها النسخ الأصلية لعدة وثائق عراقية قديمة، وخصوصا الأرشيف الذي عثر عليه في أقبية مبنى المخابرات العراقية والخاص باليهود في العراق، وقد استلمت القوات الأمريكيةهذا الأرشيف بموجب محضر رسمي بينها وبين"هيئة الآثار والتراث" ثمّ نقلته إلى الولايات المتحدة بحجة"إجراء الصيانة" له على أن يسلم إلى الجانب العراقي في منتصف عام 2006، ورغم مرور 6 سنوات على موعد التسليم فلا تزال الوثائق العراقية "مسجونة" في ما يشبه "غوانتانامو ثقافية" يحرسها الأمريكان، وذكرت تسريبات صحافية أن إسرائيل تقف وراء"سرقة" هذا الأرشيف باعتبارها المستفيد الأول من سرقته، وقد أشار إلى ذلك صراحة نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي الذي قال: "إن العراق تعرض لأكبر عملية نهب وسرقة لوثائقه وكنوزه التاريخية وإن إسرائيل ضالعة بالجريمة"، وكشف خبراء آثار أن الأرشيف اليهودي العراقي يحتوي على قرابة 3 آلاف وثيقة و1700 تحفة نادرة توثق للعهود التي سبي خلالها اليهود في العراق وهما السبي البابلي الأول والسبي البابلي الثاني، إضافة إلى آثار يهود العراق الموجودين أصلا في هذه الأراضي آنذاك".
وما حصل في العراق، يتكرر في هذه الايام في سورية، ولكن على يد غزاة من صنف مختلف، فقد سلّطت صحيفة"فايننشال تايمز" الضوء على التراث الأثري في سوريا، الذي"يختفي قطعة قطعة" نتيجة"سرقته وتهريبه عبر الحدود"، في ظلّ الفوضى المدمرة التي تطال الآثار أساسا، وكذلك "اليونسكو" التي قرعت ناقوس الخطر بشأن الأضرار التي تلحق بالمواقع التراثية في سوريا، بما في ذلك المسجد الأموي والسوق المقبّب في حلب، والذي كان قد احترق قسم كبير منه خلال الاشتباكات، وبحسب الصحيفة"فمنذ اندلاع الأزمة السورية وردت تقارير عن سرقة بعض الآثار وتدمير البعض الآخر، إلا أن الأمر يصبح الآن منظّماً، وباتت السرقة ممنهجة، والتهريب يتم عبر لبنان وتركيا إلى مختلف أنحاء العالم، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حصل في العراق خلال الاحتلال".
وما يعزّز نهج السطو، هو الغنى غير العادي الذي تشهده سوريا في المواقع الأثرية، فهي كانت الحاضنة لكثير من الحضارات القديمة، بما فيها الحضارة الرومانية، وهي تحتوي كذلك على العديد من الكنائس والمساجد التي تُستخدم بشكل متواصل منذ الأيام الأولى للمسيحية والإسلام، أما بخصوص نهب القطع الأثرية، فتؤكد الصحيفة أن العمليات تتم عبر لبنان وتركيا بإشراف خبراء-ومن هم هؤلاء- يقومون بالتأكد من صحتها، وبيعها للعديد من دول العالم، ومن بينها أميركا".
فالمشهد العراقي يتكرر الآن في سورية، نهب وتدمير وسطو وتهريب للآثار السورية العريقة للخارج، باتجاه الولايات المتحدة وجهات اخرى، واللصوص هم بالتأكيد من نمط اولئك الذين عملوا في العراق وكانوا موظفين لدى الاستخبارات الامريكية البريطانية الصهيونية، وكل ذلك يتم تحت غطاء جحافل المجاهدين القادمين عبر الحدود التركية، فحينما يسطو هؤلاء اللصوص سطوا مسلحا على آثار سورية التراثي، على هذا النحو السافر، وحينما يكون هذا التراث في خدمة"اسرائيل"في الحاصل الاستراتيجي، فان ذلك ينطوي على ابعاد استراتيجية مرعبة، تشير بمنتهى الوضوح الى ان كل ما جرى ويجري من تدمير وتخريب والغاء في سورية، انما هو في خدمة الاجندة الصهيونية، ويبقى ان يعتبر كل اولئك الذين يدعمون الغزو الخارجي المتصهين....!