من الملاحظ مؤخرا أن الشعوب العربية خرجت من كونها شعوب حية تتفاعل إيجابيا مع قضايا الامة المصيرية مما يؤكد نجاح الانظمة في القضاء علي وعي هذه الشعوب وحرف مسار تفكيرها عن القضايا المصيرية الهامة الي مسار هامشي اخر لا يمثل اي عبئ علي الانظمة ولا يلزمها بمواقف ايجابيه ...
وقد تبدو مظاهر نجاح الانظمة في القضاء علي حيوية الشعوب العربية من خلال جمود الشعوب بصورة مخيفة لاسيما الطبقات المثقفة فيها ولو بنسب متفاوته من شعب الي شعب وبحسب مزاجية النظام المسيطر ...
فمثلا الشعوب الخليجية والتي باتت تمثل قمة هرم التدجين والانحراف عن قضايا الامه نراها اليوم تسير وفق طاعة عمياء نحو وجهات الانظمة حتي ولو كان في ذلك خروج عن القيم وعباءة التدين التي تتمظهر به هذه الشعوب إستجابة لدين الملوك والامراء والذين لا يخفون عبثهم بهذا الدين المدعين حمايته وحراسته وتطبيقه ...
لاشك أن الانظمة لم تكن لتصل الي المحطة القائمة اليوم الممثلة في القضاء علي حيوية الشعوب التي تعيشه الان الا بعد خطوات سابقة ومرتب لها خلال السنوات الماضية كانت الخلاصة منها ما هو حاصل اليوم من تدجين ممنهج وقتل متعمد لقيم الاصاله العربية واستبدال ذلك باستراتيجية الميوعه والالهاء بالهوامش الفارغه التي ترعاها الانظمة كقضايا هامة في حياة الشعوب.
القضية الفلسطينية كانت محور ليقضة الشعوب العربيه وموضع لغليان غضبها المتصاعد تجاه اجرام العدو الصهيوني الغاصب وكانت الغضبة العربية تنطلق تجاه اي محاولة صهيونية نحو القدس الشريف باي شكل من الاشكال حيث كانت القاهرة تمثل المخزون العربي الغاضب ومنها تنطلق شرارات المسانده للقضايا العربيه وبها تقتدي بقية الشعوب العربيه كصدي لهيجان هدير قاهرة المعز ..
هذا ما كنا نعرفه في العقود الاخيره من القرن الماضي ..
اليوم تبدلت الاحوال وتغيرت السياسات وحققت الانظمة العربيه العميلة اهدافها في لجم الشعوب وحرف مسار تفكيرها حتي باتت الشعوب لا احساس لها ولا شعور لديها تجاه بعضها البعض ...
سوريا تدمر ولم نسمع صوت لشعب عربي يقول بنصرة الشعب السوري.
ليبيا تدمر ولم نسمع بصوت شعب عربي يتضامن.
الصومال خرجت من دائرة العروبه من اواخر القرن الماضي ولم يعد لهذا الشعب اي اهتمام في قواميس الشعوب العربيه ..
العراق ذاق الويلات ودمرته الانظمة العربيه العميله ولم نسمع من يشجب او يدين ما يتعرض له العراق من تدمير وقتل وارهاب ..
اليمن وقد يكون اكثر الشعوب العربية مظلومية اذا ما تم مقارنته بما يحصل للشعب الفلسطيني والعراقي والسوري والليبي والبحريني ورغم هذا لم نسمع ان خرج شعب عربي يندد بالة القتل السعودية الامريكية في اليمن بستثناء الشعب اللبناني وكأن الشعب اليمني غير معروف وليس عربي ولا يتوسط موقعه قلب الوطن العربي ...
هذا الصمت الشعبي العربي المخجل تجاه قضايا ومشاكل الشعوب العربيه اذا ما بحثنا اسبابه سنجد انها ترتبط مباشرة باستراتيجية الانظمة العربيه التي تولت مهمة ضرب عري الاخوة العربية وتفكيك روابط الشعوب ببعضها وحرف تفكيرها عن القضايا المصيرية الهامه وهذا يعد النجاح الملموس والوحيد للانظمة العربية خلال الفترة الاخيرة من القرن الماضي وبداية القرن الحالي وربما لم تكتفي الانظمة بما وصل اليه حال الشعوب اليوم بل انها ستمارس المزيد من قتل حيوية الشعوب ومن حرف وعيها وتفكيرها حتي تامن من غليانها وتطمئن من موت قيمها ...