خلال ثلاثة شهور أحرق السعوديون والأميركان ومَن معهم ثلاث أوراق كلّف إنتاجها، وكلفت رعايتها مالاً وزمناً ومعارك، فقد دفع السعوديون مسعود بارزاني بتشجيع أميركي لاستعمال قدرته على المشاغبة والإرباك بوجه محور المقاومة ولو علموا سلفاً أنه سيُهزم، لكنّهم راهنوا أنه سيشتري لهم وقتاً لأشهر إنْ لم يكن لسنوات.
مضى بارزاني في الخطة، ولما اكتشف أنه سيقاتل وحدَه فضّل تجنّب الخراب على جماعته والدمار لبلده وارتضى الهزيمة بلا تكاليف، وسقطت الحلقة الأولى من الرهان الذى جمع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وجاريد كوشنر.
التجأ الثلاثي إلى انتحاري آخر يرمون به في النار، فوقع الاختيار على رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، ولما تهيّب المشهد ومترتبات إعلان الحرب علي حزب الله خطفوه وكتبوا له البيان وأجبروه على القراءة، فحدث ما لم يكن في الحسبان بوقفة الثلاثي رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وفقاً لمعادلة أعيدوا الحريري وبعدها ننظر في الاستقالة.
قلب الأوروبيّون خطة الثلاثي عندما بلغتهم التقارير الأمنية التي تقول إنّ سقوط الحكومة في لبنان واهتزاز الاستقرار فيه سيعنيان تدفق النازحين إلى سواحل أوروبا وعواصمها، وأنّ دماء الأوروبيين ستكون وقوداً للخلايا الإرهابية النائمة المردوعة في لبنان إذا تسللت إلى أوروبا، فنجحت مساعي استنقاذ الحريري من الخطف، واستنقاذ لبنان من الحرب الانتحارية.
لم يبقَ في الميدان إلا حديدان، توجّه الثلاثي نحو اليمن، ودرسوا ملفّ الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحدود مطالبه للانخراط في حربهم، واضح منذ انضمامه للوقوف مع أنصار الله، رفع العقوبات الأميركية والخليجية عن أمواله وأبنائه، وضمان موقع مستقلّ له عن منصور هادي في التسوية المقبلة، وتولى الشيخ محمد بن زايد هندسة التفاهم، وأعدّ صالح جماعته للتحرّش بحثاً عن ذريعة لتفجير الحرب وإعلان الانقلاب.
كشف الثلاثي كوشنر وبن سلمان وبن زايد دورهم في الانقلاب بإعلان التأييد، وكشف صالح جماعاته، ولم ينتبهوا جميعاً أنّ قوة صالح التي كانت في الماضي تغيّرت معالمها، ولا حسبوا معنى أن يكون الناس والقبائل والعسكر مع صالح زعيماً لمقاومة العدوان وأن يبقوا مع صالح كاختراق للعدوان.
فثلاث سنوات كانت كافية ليتفاعل قادة العشائر والقوات المسلحة التي كانت تُحتَسب لصالح مع الوضع الجديد وعنوانه مواجهة العدوان السعودي، وتاريخ علاقة أنصار الله مع صالح كانت سبباً كافياً ليتحسّبوا للحظة الانقلاب، والثلاثية التي ظهرت مراراً في صنعاء بين الجيش واللجان والشعب ليست كرتونية ولا خداعاً بصرياً، وهي تُخرج الملايين إلى الساحات والطيران السعودي يقصف العاصمة.
استوعب أنصار الله الصدمة، وتفاعلوا مع حدودها، وخاطبوا بلغة العقل المعنيين كلهم، بمن فيهم صالح لوأد الفتنة، ولما اكتملت عناصر الحسم باشروا خطة التنظيف، وما يجري عسكرياً وسياسياً، بات واضح النهايات، والوساطات لإخلاء صالح صحيحة، والصاروخ اليمني نحو أبو ظبي صحيح أيضاً، والسيطرة على أغلب أحياء صنعاء وتطهيرها من جماعات صالح صحيحة أيضاً وأيضاً.
تولّي صالح مهمة الحرب الانتحارية التي انسحب منها بارزاني جزئياً، فنجت كمطقته من الخراب، ونجا خَلَفُه من العزل، وتمّ تحديد الخسائر بالممكن بعد الغلطة الأولى، وهي الحرب التي انسحب الحريري منها كلياً، فكسب الكثير ونجا بلده وتولّدت بدلاً من الفتنة وحدة وطنية. وها هو صالح يقول لبارزاني وللحريري ولجمهوريهما ولأهل البلدين، ما الذي كان ينتظر الجميع، وماذا كانت تتضمّن المكرمات السعودية من خراب؟