بسرعة كبيرة، تغير المشهد العسكري في سوريا. هذا العام حمل معه تطورات مهمة تصب في مصلحة الدولة السورية.
ففي بداية السنة تم تحرير مدينة حلب بشكل كامل وهو ما اعطى دمشق دفعة قوية سياسياً وعسكرياً، والآن وبعد ان بتنا على اعتاب نهاية السنة وبات تنظيم “داعش” الوهابي ايضا على اعتاب نهايته، حيث خسر اخر معاقله المهمة في ريف دير الزور وهي مدينة البوكمال، ومعها باتت قيادات “داعش” تتحصن في جيوب بالصحراء السورية ويتنقلون من قرية لاخرى دون ان يتمكنوا من الاحتماء بمدينة كبرى.
هذا التطور اتاح للدولة السورية وضع استراتيجية جديدة لمعركتها القادمة، والتي كانت تعتمد على محاربة الارهاب وفك الحصار عن المدن المحاصرة، ومع تحرير دير الزور لم يبقَ سوى بلدتي كفريا والفوعة اللتين تقعان تحت حصار الارهابيين في ريف ادلب الشمالي، فبات بإمكان دمشق ان تخطط لمعركة اخرى وهي “التوحيد” وذلك لكسر اي مشروع انفصالي او فرض هيمنة خارجية على اي جزء في البلاد.
من يشاهد الخريطة السورية، يرى ان شمال البلاد يعيش على فوهة بركان التقسيم بالرغم من ان تحرير مدينة حلب هدَّأ من ثورانه قليلاً. ففي الشمالي الشرقية تسعى الوحدات الكردية، التي تجمعت تحت اسم “قوات سوريا الديمقراطية” وبقيادة اميركية، للاعلان عن فدرالية كاملة وهو ما يمهد للانفصال في اي لحظة على غرار المشهد العراقي، ورفض الاكراد ايضا طرح دمشق بمنطقة حكم ذاتي، يؤكد ان مطالبهم آخذة بالتوسع حالها حال المناطق التي تقدموا اليها وحلوا فيها محل “داعش” كالرقة ودير الزور وغيرها من المناطق ذات الطابع العربي وليس الكردي.
سعت قوات “قسد”، في المناطق التي تسيطر عليها، الى طمس الهوية العربية والسورية، وخير مثال على ذلك رفعها في وسط الرقة لصورة الزعيم الكردي عبد الله اوجلان، وبدأت تتصرف على أنها دولة كاملة، وذلك من خلال اصدار الوثائق الرسمية التي تحمل اسمها بمعزل عن دمشق، وفرض رسوم وجمارك على العربات القادمة من مناطق الدولة السورية.
هذه الاحداث جعلت المواجهة مع مخطط الشمال الشرقي ضرورة حتمية لاستمرار سوريا على قيد الحياة، وربما التسريبات التي خرجت في الايام القليلة الماضية من القيادتين السورية والايرانية، على ان معركة الرقة هي التالية بعد دير الزور، هي تأكيد مهم على قرب اندلاع المعركة، فالوضع في الحسكة والرقة والقامشلي لم يعد محتملا لدى دمشق، والاستفزازات الكردية والاميركية باتت تشكل خطراً على الدولة السورية. ولكن السؤال هنا: الروس مع من سيكونون ان وقعت المعركة في الرقة؟
لا يخفَ على احد ان روسيا تدعم الاكراد بشكل كبير في سوريا، ولديها قنوات تواصل مباشرة معهم في محاولة لسحب هذه الورقة من الولايات المتحدة، ولكن ان وقعت معركة بين حليفتها دمشق والاكراد، هل ستكون بخانة المتفرجين ام الضاغطين على دمشق للانسحاب من المعركة او على الاكراد؟ المواجهة قادمة بلا محالة ونتائجها ستؤثر على الخريطة السورية المستقبلية، فإما المحافظة على ما هي عليه، او تقسيمها لفترة طويلة.
وهناك سؤال اخر يطرح نفسه بقوة: هل العراق سيكون ايضا في خانة المتفرجين؟ فمن ينظر الى الخريطة العسكرية يرى ان القوات الكردية او “قسد” تحمي داعش في جيب طويل على الحدود مع العراق، وهو ما يهدد الامن العراقي، بالاضافة الى ان أي فكرة لتقسيم سوريا تهدد بغداد ايضا، هو امر يجعل مشاركة العراق في هذه المواجهة محتملة بنسبة كبيرة. وهناك تساؤل يطرح نفسه وهو عن ماهية الدور التركي في هذه المعركة؟ والى اي حد ستقبله دمشق؟
اما في الشمال الغربي لسوريا فهناك عملية لتغيير وجه ادلب وريف حلب الغربي بشكل كامل، فمن ينظر الى المنطقة يشعر بنفسه وكأنه يعيش في محافظة تركية وليست سورية، وهو ما يجعل المواجهة هناك امراً محتماً لضمان بقاء الدولة السورية في المنطقة على قيد الحياة وعدم طمسها، وهنا أيضا يدور التساؤل عن روسيا ودورها والى جانب من ستقف ان دخلت دمشق على خط معركة تحرير ادلب، بعد ان سعت انقرة الى تحييد دورها في هذه المنطقة.
لا شك ان الدولة السورية باتت اقوى من اي وقت مضى، وهو ما سيجعل المواجهة معقدة للطرف الاخر بشكل كبير.