يشن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملة ضد الاتفاق النووي الإيراني، الذي أبرمه سلفه باراك أوباما، دون أن يبذل جهداً لكسب الحلفاء الأوروبيين وروسيا والصين، أو حتى إقناع مساعديه، وقيادات الكونغرس.
ما سيفقد أي إجراء معناه، أو يجعل الولايات المتحدة في مواجهة مع حلفائها، وأمام خطر انقسام داخلي.
جرى التوصل للاتفاق الدولي مع إيران بعد عملية بطيئة ودؤوبة استطاع أوباما فيها حشد الصين وروسيا وأوروبا معه، بحيث بات واضحاً للإيرانيين، أنّ عدم الوصول لاتفاق يهدد باستمرار الحصار وتعمقه. ولولا ذلك الإجماع الدولي لما تجاوب الإيرانيون. وفي المقابل فإنّ أعضاء الكونغرس الأميركي لم يجيزوا الاتفاق إلا بعد الكثير من النقاش والجدل والتردد، ووضعوا نص قانون يسمح بآلية إعادة التقييم كل 90 يوماً، التي يستخدمها الآن ترامب. فما فعله ترامب، عملياً، هو أنّه اعتبر أنّ الالتزام الإيراني بالاتفاق غير كافٍ، وأنّه ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية الاستمرار بالاتفاق، وجعل القرار لأعضاء الكونغرس الآن، لتحديد ماذا عليهم فعله.
صرّح رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس بوب كوركر، من الحزب الجمهوري، مطلع هذا الشهر، أنّ تصريحات ترامب، تجعل ما يقوم به البيت الأبيض (العاملون هناك) يوميّاً، هو "محاولة احتواء الرئيس"، ووصف تغريدات ترامب على تويتر بأنّها مدمرة للسياسة الخارجية الأميركية. وقال إنّ الكل يعلم أنه ينشر أمورا غير صحيحة. وقال إنّ تعليقاته تجعلنا "ربما نتجه نحو حرب عالمية ثالثة". وبعد هذا هاجم ترامب كوركر، وقال إنّه المسؤول عن الوصول للاتفاق الإيراني الحالي. ما جعل CNN، تنشر تحقيقاً توضح فيه كيف عارض كوركر الاتفاق، وأنّه من الذين فرضوا مراجعة الاتفاق ووصلوا للقانون الذي يسمح بمراجعة دورية للقرار. وقد أجيز هذا القانون في مجلس الشيوخ حينها بموافقة 99 عضوا ومعارضة عضو واحد.
يخوض ترامب معارك مع كل من حوله تقريباً، فعدا كوركر، أصدر تغريدات يخالف فيها وزير خارجيته ريكس تيلرسون، علنا، واعتبر جهوده الدبلوماسية لحل مشكلة كوريا الشمالية، إضاعة وقت. وسمع مسؤولون تيلرسون يصف ترامب، بعد اجتماع طلب فيه الأخير مضاعفة الترسانة النووية بنحو عشرة أضعاف، بأنّه "غبي". وعندما علم ترامب بذلك، قال ربما هي أخبار مزيفة، ولكن إذا قالها "يمكن إجراء اختبار ذكاء" للمقارنة مع تيلرسون!.
الآن على الكونغرس مراجعة الاتفاق، فإذا ذهب الكونغرس للتمسك بتحفظاته السابقة، وألغى أو طلب تعديل الاتفاق، فقد يفتح الباب هذا لاستئناف البرنامج النووي الإيراني، وهذا يعني كما تقول مجلة "نيويوركر" الاقتراب من خيار عسكري، قد يترافق بحرب مع كوريا الشمالية، أي أنّ الولايات المتحدة قد تجد نفسها في حرب مع قوتين دوليتين، في آن واحد.
يقوم ترامب في الوقت ذاته بإلغاء ووقف اتفاقيات وترتيبات دولية أخرى خصوصاً في مجالة البيئة (مثل اتفاق باريس للمناخ) ويعيق اتفاقيات تجارية مع دول أميركا الشمالية (كندا والمكسيك) ومع دول المحيط الهادئ، ما يعني أنّ مصالح العالم مع الولايات المتحدة تتراجع، وتقوم دول العالم بترتيب اتفاقيات وتفاهمات بعيداً عن واشنطن. وبالتالي فإنّ دخول واشنطن في أي مواجهة عسكرية، ستكون دون مساندة دولية، سواء بسبب تراجع المصالح الأميركية مع هذه الدول أو لأنّه يتحرك منفرداً دون تنسيق مسبق معها. والأمر ذاته ينطبق على أي قرارات قد يتخذها الكونغرس لفرض حصار على إيران، فهو قد يعني أن تقوم هذه الدول (خصوصاً أوروبا والصين وروسيا) برفض الانضمام للحصار، وإذا فرض الكونغرس عقوبات على الشركات الأوروبية والعالمية الأخرى الذي ستتعامل مع إيران، ربما سيؤدي هذا لصدام بين دول هذه الشركات والولايات المتحدة، وربما لتكتلها ضد واشنطن.
لا يمكن لترامب أن يذهب لحروب وعمليات كبيرة خارجياً دون دعم الكونغرس، ومساعديه، وهذا يدفع للاعتقاد بأنّ أي عمليات عسكرية لها استمرارية وتداعيات طويلة لمدى، ستؤدي لانقسام داخلي أيضاً.
تؤدي شخصية ترامب إلى فتح الباب على احتمال دخول العالم بمواجهات خطرة للغاية، تضع مكانة الولايات المتحدة في اختبار كبير، وحتى إذا استطاعت المؤسسة الأميركية احتواءه فإنّ خياره "أميركا أولاً" يهدد الولايات المتحدة بفقدان مكانتها القيادية في كثير من المجالات.