في مدينة القدس نشهد "تسونامي" إستيطاني غير مسبوق، يطال كل حي وبقعة من أحياء وبقاع مدينة القدس، وتستخدم فيه أساليب وطرق غير شرعية وملتوية. ويقف على رأس تلك المشاريع وإقرارها بطرق الضغط والتزوير والتزييف المتطرفين من أمثال رئيس بلدية الإحتلال "نير بركات" ونائبه "مائير ترجمان".
ففي البؤرة الإستيطانية المقامة في قلب بلدة جبل المكبر المعروفة بـ"نوف تسيون" ومصادقة لجنة التخطيط والبناء على إضافة 176 وحدة استيطانية جديدة إلى الـ91 وحدة إستيطانية المبنية في هذه البؤرة، كشفت لورا بريتون عضو لجنة التنظيم والبناء من المعارضة، إن "المصادقة على البناء في جبل المكبر هي فضيحة من كل الجوانب، فمن طلب البناء هم ليسوا أصحاب الأرض، والشركة التي تدفع بالمشروع هي شركة مجهولة مسجلة في جزر كايمان، والبلدية طرحت الموضوع للنقاش بدون تقديم الوثائق المطلوبة، ومن خلال تزوير أقوال أصحاب الأرض".
وهذه المشاريع الإستيطانية الممتدة من مطار قلنديا شمالاً والحديث عن إقامة عشرة آلاف وحدة استيطانية على أرض المطار في قلب الأحياء العربية، وكذلك بناء 700 وحدة استيطانية جديدة في مستعمرتي "رمات شلومو" 500 استيطانية و"راموت" 200 وحدة استيطانية، ناهيك عن 4500 وحدة استيطانية على اراضي قرية الولجة. والحديث عن ضم مستوطنات "غوش عتصيون" و"إفرات" و"بيتار عليت" و"جفعات زئيف" و"معاليه ادوميم" إلى مدينة القدس، بحيث تصبح مساحتها 10% من مساحة الضفة الغربية، وبما يعني ضخ 150 ألف مستوطن الى مدينة القدس وإخراج 100 ألف فلسطيني منها، الأحياء العربية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري والمصنفة قدس وفق مخطط بلدية الإحتلال: كفر عقب ومخيم شعفاط وقسم من أراضي السواحرة الشرقية.
وتذهب خطة عضو الكنيست الإسرائيلي عن الليكود "عنات باركو" إلى هو ما أبعد من ذلك، بإخراج 95% من سكان مدينة القدس خارج حدود بلدية الإحتلال، من أجل إحداث تغيير جدي في ميزان القوى الديمغرافي في المدينة لصالح المستوطنين، فحسب المعطيات التي طرحتها، فإنه في عام 2030 سيكون في المدينة 58% يهود و42% عرب.
هذه المستوطنات هي شكل من أشكال التطهير العرقي وترتقي إلى جرائم حرب، ولها أهداف سياسية وأيديولوجية، وليس تجارية واقتصادية، ومن ضمنها منع إخلاء تلك المستوطنات في أي تسوية سياسية قادمة، ومنع تسليم تلك الأحياء، كما يقول المتطرف بينت إلى سلطة غير يهودية، ومواجهة الخطة السياسية أو ما يسمى بـ"صفقة القرن" التي يتحدث عنها الرئيس الأمريكي ترامب، والتي قد تفرض على إسرائيل أوضاعاً في المدينة لا ترغب فيها.
الحرب المعلنة على القدس، والتي لا تشمل فقط الإستيطان، حيث عمليات الإستيلاء على العقارات والممتلكات الفلسطينية، كما هو الحال في "كباينة أم هارون" في الشيخ جراح، وخطر الطرد والتطهير العرقي، يتهدد الحي بكامله (45) بيت فلسطيني، لكي يقام مكانها حي استيطاني يهودي جديد مكون من (400) وحدة استيطانية، وقد بدء هذا المخطط بالإستيلاء على بيت المسن أيوب شماسنة من قبل جمعية استيطانية يترأسها المتطرف أريه كنج، عراب تهودي الجليل الفلسطيني، وكذلك نشهد عمليات هدم غير مسبوقة، أصبحت تشمل هدم عدة بيوت في أكثر من قرية فلسطينية وفي آن واحد، ناهيك عن مئات الإخطارات بالهدم لما يسمى بالبناء غير المرخص، ولسنا هنا لكي نستعرض كل إجراءات وممارسات الاحتلال وبلديته ووزارة داخليته بحق أهلنا وشعبنا في مدينة القدس.
بالمقابل واضح بأن البطريرك الأرثوذكسي ثيوفيوليوس الثالث ومجمعه المقدس ماضون في بيع وتصفية أملاك الكنيسة العربية الأرثوذكسية في كل فلسطين، وفي مدينة القدس على وجه التحديد، حيث صحيفة "هارتس" التي كشفت عن ثلاث صفقات بيع جديدة لأملاك أرثوذكسية في مواقع حساسة في المدينة، مبنى من ثلاث طبقات في شارع الملك داود بـ850 ألف دولار، ومبنى يضم حوانيت وأبنية سكنية وشقق فخمة من ست طبقات بـ2.5 مليون دولار وقطعة أرض في البقعة 2.3 دونم بـ350 ألف دولار، وهذه القيمة لا تساوي 1100 من قيمة العقارات والأراضي المباعة، وواضح بأن عمليات البيع والتسريب، ليس البطرك عنوانها ومجمعه المقدس، بل هناك عدة جهات مشاركة فيها منها إسرائيلية وأمريكية ويونانية وغيرها.
والخطر ليس في عدد وحجوم العقارات والأراضي التي يجري تسريبها وبيعها على الرغم من أهمية ذلك وخطورته، بل الخطر في نوعية تلك العقارات، وما تحتله تلك العقارات من مواقع حساسة تشكل خطر جدي على عروبة القدس ومداخلها، حيث صفقة باب الخليل المعروفة بصفقة الفندقين (البتراء وامبريال) تشرفان وتتحكمان بشكل مطلق بميدان عمر بن الخطاب والباب الرئيسي للبلدة القديمة، ومن الجهة الشرقية تشرفان على المسجد الأقصى، وبذلك الخطورة في تحويل بوابة القدس من جهة باب الخليل من بوابة فلسطينية عربية إلى إسرائيلية صهيونية، مع طمس معالم تاريخها العربي عبر قرون وقرون.
أما بيت المعظمية في باب حطه، فالإستيلاء عليه يشكل خطراً جدياً على الطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى، وعلى باب حطة، الذي عمد الاحتلال إلى إغلاقه في هبة باب الأسباط، وحاول أن يمنع فتحه، ورغم الفشل في ذلك، فالإحتلال بالإستيلاء على بيت المعظمية تتوفر له فرصة ذهبية للسيطرة على باب حطة، كما هو الحال في بابي المغاربة والرحمة.
الجهات الفلسطينية والأردنية والتي لديها لجان عليا مشكلة لمتابعة شؤون المقدسات، وبالذات اللجنتان العليتان الرئاسية للشؤون الكنسية والملكية لشؤون المقدسات، عليهما القيام بمتابعة جادة وحقيقة، لما يجري من تسريب وبيع وتأجير طويل للعقارات والأراضي العربية الأرثودكسية من قبل البطريرك ثيوفيوليس ومجمعه المقدس، بدل الوقوف إلى جانبه ومحاولة الدفاع عنه رغم كل الدلائل والحقائق التي تشير لتورطه، وضرورة الإستماع والإصغاء إلى ما تقوله الجهات الوطنية وكذلك الجهات التي تمثل الطائفة العربية الأرثودكسية ممثلة بمجلسها المركزي الأرثودكسي والحركات الشبابية الأرثودكسية ولجنة المتابعة التي انبثقت عن المؤتمر الوطني لدعم قضية الكنيسة العربية الأرثودكسية الذي عقد في فندق قصر جاسر في بيت لحم في الأول من هذا الشهر، حيث طالب المؤتمرون برفع الغطاء عن هذا البطرك تمهيداً لعزله ومحاسبته، ومن ثم طرده وإقصائه عن رئاسة الكنيسة العربية الأرثوذكسية في فلسطين.
قضية الـ"تسونامي" الإستيطاني في مدينة القدس وبيع أملاك الكنيسة العربية الأرثودكسية في القدس مترابطتان، وتحملان معاني التطهير العرقي وتفريغ المدينة من سكانها العرب لصالح المستوطنين، ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.