كشفت محاكمة مؤسسي سرية إرهابية بالجزائر لنواة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، عن اختراق مصالح الأمن الجزائرية لهذا التنظيم الإرهابي، ما سمح بالإطاحة ب 25 داعشيا موقوفا منهم 21 متهما و4 آخرين تحت الرقابة القضائية من أصل 39 داعشيا يتواجد منهم 14 فردا في حالة فرار، أبرزهم الضابط الشرعي لداعش الإرهابي الخطير (م.محمد) المكنى "أبو مرام الجزائري" الذي حول مخيما صيفيا بمدينة بودواو إلى معسكر عسكري للتدريب وتجنيد "الدواعش" من الجزائريين، وفضحت طيات الملف الوجه الآخر للتنظيم من خلال شهادات حية لأحد المتهمين وسرده لمشاهد مريعة لجحيم "داعش" لا تمت بصلة لمبادئ الإسلام منها اغتصابات جماعية لفتيات قاصرات من سبايا داعش.
وتم الكشف عن هذه المجموعة الإرهابية التي انطلقت محاكمة عناصرها، صبيحة أمس الإثنين، بالمحكمة الجنائية لمجلس قضاء الجزائر، بناء على معلومات بلغت فصيلة البحث والتحري بتاريخ 20 نوفمبر 2014، حول نشاط مجموعة من شباب ناحية بومرداس يعملون لصالح تنظيم داعش ويخططون للالتحاق بساحة القتال في سوريا عبر دفعات مرورا بتركيا، ليتبين أن هذه المجموعة تعد أكبر خلية ونواة لداعش في الجزائر، من حيث الوسائل البشرية والمادية، حيث أسفرت التحريات عن ضبط 25 متهما موقوفا منهم 21 داعشيا، وضبط بحوزة كل واحد منهم مبلغ 500 أورو وتأشيرات سفر يستعدون للسفر إلى تركيا بعد ترتيبهم لكافة الإجراءات للالتحاق بداعش، واتضح أنهم تدربوا على استعمال الأسلحة الحربية خلال تجمعهم بمخيم صيفي في مدينة بودواو البحري بولاية بومرداس، ليحول المخيم إلى معسكر تدريبي للشباب الجزائري لتحضيره للالتحاق بداعش بعدما تم إغراؤهم بالأموال والسبايا وزواج المتعة، من خلال حلقات كانت تعقد بمسجد "الرحمة" والمخيم الصيفي ببودواو برئاسة الضابط الشرعي الحالي لداعش المكنى "أبو مرام الجزائري". وكشفت التحقيقات أن الأخير تواصل مع كل من (ب.أسامة) و(ك.زهير) عبر شبكة التواصل الاجتماعي "فايسبوك" وأعلمه بأنه بات مفتيا لداعش، وأرسل إليهما صورا لمقاتلين بينهم المتهمين الفارين في قضية الحال على غرار (ح.حسين). كما ثبت من خلال معاينة الهواتف النقالة واللوحات الإلكترونية وأجهزة الإعلام الآلي المضبوطة بحوزة المتهمين، أن المفتي كان يحرضهم ويحثهم على الالتحاق به في ساحة القتال بسوريا مقابل ضمان لهم مبالغ مالية كمساعدات قدرها 500 أورو.
مخيم صيفي يتحول إلى معسكر لتدريب الدواعش بالجزائر
وبتوقيف المتهم (ك.زهير) الذي يعد منسقا بين الضابط الشرعي "أبو مرام الجزائري" وباقي المتهمين لتميكنهم من التنقل إلى تركيا عبر تركيا، حيث أقر بلقائه بالمفتي خلال حلقات كان يعقدها بمسجد الرحمة بودواو، وظل على تواصل معه وحتى خلال تواجده بمعاقل التنظيم، حيث أرسل دعوات لكل معارفه عبر "الفايسبوك" لحثه على الالتحاق به.
وضبطت بذاكرة هاتف نقال المتهم صور إرهابيين ومقاتلين ورايات جهاد والعلم الخاص بتنظيم الدولة، فضلا عن صور للعمليات الإرهابية التي نفذها جزائريون وفيديوهات أخرى لمختلف جرائم الإرهابيين. كما تم حجز مبلغ مالي ووصية حررها لوالدته في حال وفاته، فضلا عن قصاصات ورقية وأرقام هاتفية لدول أجنبية. أما المتهم (ب.أسامة) فاعترف بدوره بصلته بباقي المتهمين الذين التحقوا بساحة القتال في سوريا والعراق، مؤكدا اقتناعه بالفكر الجهادي من خلال ما كان يلقيه "أبو مرام" في حلقاته بالمسجد، كاشفا بدوره عن هوية باقي المتورطين الذين كانوا يحضرون حلقات "أبومرام" بمسجد الرحمة ومخيم بودواو الذي تحول إلى معسكر للتدريب على القتال وحمل واستعمال الأسلحة الحربية.
أربعة من المتهمين نفذوا عمليات انتحارية في سوريا
وتبين من خلال الملف أن 4 من الواردة أسماؤهم نفذوا عمليات انتحارية في سوريا وتم إخطار ذويهم بالجزائر من قبل أتباع الضابط الشرعي لداعش، حيث أقيمت لهم جنائز حضرها جل المتهمين الموقوفين في قضية الحال، ويتعلق الأمر بكل من (ب.علي)، (و.فاتح)،(م.عبد الكريم) و (ر.حمزة)، في حين لا يزال باقي المتهمين الفارين ينشطون في ساحة القتال بسوريا والعراق بدعم من الضابط الشرعي.
مصادرة مناشير تمجد الأعمال الإرهابية ك "فريضة في دين الله"
كما تبين من خلال الملف أن (ش.أمين) هو الآخر كان على علم ودراية بموضوع تكوين جماعة إرهابية تحت إمرة (م.محمد) المكنى "أبو مرام الجزائري" مفتي "داعش" في سوريا، وأنه كان يعلم أن مخيم شاطئ بودواو البحري كانت تجري فيه تدريبات عسكرية، فضلا عن علمه بالتحاق أصحاب المخيم بالتنظيم المسلح في سوريا إلا أنه لم يقم بتبليغ السلطات، معترفا أنه علم عن طريق (ش.أمين) بأن (ح.حسن) و(ح.قويدر) التحقا بالجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة، حيث تم العثور بمسكنه وخلال تفتيش منزل (ش.أمين) وهو عامل بشركة طباعة بمدينة بودواو عثر به على فيديوهات وصور للأعمال الإرهابية التي ارتكبت بالجزائر، مدعيا أنه قام باستنساخها من شبكة الأنترنيت دون أن يقوم بإعادة نشرها أو توزيعها على أشخاص آخرين، وكذا مناشير تحريضية مستخرجة من منبر التوحيد والجهاد للكاتب "محمد بن عبد الوهاب" وكذا هواتف نقالة تضمنت ذاكرتها على صور إرهابيين يحملون أسلحة نارية وعبارات تمجد الأعمال الإرهابية وتعتبرها "فريضة في دين الله".
كما كشفت مجريات التحقيق أن أفراد هذه الشبكة الإرهابية ارتكبت جرائم تتعلق بمخالفة أحكام التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج وحيازة وحمل أسلحة نارية وذخيرة، على غرار المتهم (ر.محمد رضا) صاحب محل لخدمات الهاتف وبيع العملة الصعبة الذي ضبطت بحوزته قارورة مسيلة للدموع ومبالغ مالية قدرت ب 3265 أورو و900 دولار أمريكي ومبالغ مالية أخرى من العملات التركية والسعودية والقطرية، وهو من مكن البعض من المتهمين بتحويل العملة الوطنية إلى عملة أجنبية من أجل الالتحاق بالتنظيم الإرهابي "داعش".
وورد أن المتهم (ع.عمار) كان على علم بما كان يقوم به الإرهابي الخطير (م.محمد) المكنى "أبو مرام الجزائري" وباقي شركائه في مسجد "الرحمة" ببودواو، وكان على علم باجتماعاتهم وتحضيراتهم للالتحاق بساحات القتال بسوريا وبإخضاع جهاز إعلامه الآلي للخبرة التقنية ثبت وجود علاقة لهذا المتهم بالنشاط الإرهابي السائد بالمنطقة. فيما ورد أن المتهم (و.عبدالله) شقيق (و.فاتح) المتواجد ضمن التنظيم الإرهابي "داعش" كان على علم بالتحاق شقيقه بهذا التنظيم وتوجه إلى تركيا لإقناع شقيقه بالعدول عن فكرة الالتحاق وإقناعه بالرجوع إلى أرض الوطن ثم عاد إلى الجزائر، لكنه لم يبلغ مصالح الأمن بهذه الأحداث.
شهادات مثيرة لعائد من سوريا
وخلال مثول المتهمين للمحاكمة، فندوا الادعاءات المنسوبة إليهم من جرائم جناية تأسيس جماعة إرهابية هدفها المساس بأمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية والانخراط في جماعة إرهابية تنشط في الخارج وجنحة تحرير وقائع غير صحيحة ماديا، الإشادة بأفعال إرهابية وطبع ونشر وثائق وتسجيلات تشيد بأعمال إرهابية وجنحة حمل سلاح محظور دون أمر من السلطات المختصة وجنحة مخالفة أحكام التشريع والتنظيم، مجمعين على القول أن ذنبهم هو حضورهم مراسيم جنائز أبناء حيهم من الانتحاريين الجزائريين الذين نفذوا عملياتهم في سوريا والعراق، كما أقروا بحضورهم حلقات الوعظ ل "أبو مرام الجزائري" من باب التشبع بالدين وليس الجهاد في سوريا والعراق، معللين ضبطهم بنفس المبالغ المالية خلال التوجه نحو تركيا من باب الصدفة.
فيما حملت تصريحات المتهم (ح.عمر) الذي سلم نفسه شخصيا للسلطات الجزائرية بمساعدة زوجته، وجها مغايرا للتنظيم بسوريا الذي التحق .
وظل به مدة قبل أن يعدل عن أفكاره من خلال وحشية تعاملات عناصر التنظيم منها اغتصابات جماعية للسبايا وفتيات قصر في غرف مغلقة ولج إليها خلسة بعدما نسي الدواعش أحد أبوابها مفتوحة، وأمور أخرى لا تمت بصلة لتعاليم الدين الإسلامي، مضيفا أنه قصد معاقل التنظيم لحث شقيقه على العودة وليس للتجند في صفوفه، لاسيما بعدما عايش سوء معاملة الأطفال والتصرفات المشينة للدواعش الذين كانوا يلبسون ثوب الإسلام بلحيتهم ويتناقضون بتصرفات من فسق وتعاطي "السيجار" والممنوعات. فيما تبقى القضية للمتابعة.