في 8 أيّار (مايو) الماضي، بدأت حملة «#تطبيع_مدارك» على تويتر، اعتراضاً على نشر «دار مدارك» السعودية أخيراً الترجمة العربية لكتاب «السعودية والمشهد الاستراتيجي الجديد» (2010) للإسرائيلي جوشوا تيتلبوم. العمل ترجمه السعودي حمد العيسى، وقدَّمه الكاتب اللبناني الصهيوني الهوى فؤاد عجمي. يحمل الكتاب في طيّاته دعوة صريحة إلى التطبيع وحرف مسار الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وإيجاد سردية جديدة تقوم على مواجهة إيران «الشيعية» بدلاً من إسرائيل.
يحاول الكتاب بث الدعاية الصهيونية الفجة في التفريق الطائفي. يتمثّل المشهد الاستراتيجي الجديد الذي يطرحه في فريقين: أحدهما شيعي والآخر سني، تجسّدهما إيران والسعودية بالتوالي في ظل صراع عقائدي ــ سياسي في المنطقة، على أن يكون التغيير الحاصل في المشهد السياسي هو في صالح الطرف «الشيعي الإيراني» على حساب تراجع القوّة السنية والدور السعودي.
تغيير سيكون نتيجة لتأثيرات أحداث عدّة، خصوصاً بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001 التي جعلت السعودية في موقف حرج. وفق الكتاب.
ويشرح جوشوا تيتلبوم كيف أنّ التوغل الإيراني في المنطقة، سواءً عبر تحالفاته مع بعض الدول العربية أو عبر وجود «ممثلين» لإيران من الجماعات السياسية الشيعية، هو خطر يهدّد الموقف السعودي، متغافلاً عن محتل مغتصب يدمّر ويقتل بشكل يومي في فلسطين العربية.
المحتل الصهيوني ليس مصدر القلق الحقيقي بالنسبة إلى السعودية كما يوضح تيتلبوم، بل إنّه يأتي من الصراع الايديولوجي مع التدخل الإيراني في الشؤون العربية. من هنا، تأتي الرسالة التطبيعية الصريحة القاضية بتغيير بوصلة العداء صوب طهران، واعتبار الوجود الصهيوني في المنطقة «طبيعياً»، ونفي الصراع العربي ــ الإسرائيلي، لـ«صالح الصراع السني ــ الشيعي».
يوضح المتحدث الرئيسي في «المؤتمر السياسي السنوي للجنة الشؤون العامة الاميركية الاسرائيلية» (آيباك) أنّ القرار الأميركي يجب أن يكون «متفهّماً للموقف السعودي ومخاوفه من إيران، وأن يأخذ في الاعتبار المشهد الاستراتيجي الجديد، بأن تكون الأولوية فيه لحفظ أمن منطقة الخليج من التدخل الأجنبي (الإيراني)»، كأنّ الولايات المتحدة وتدخّلها هو حق مشروع في المنطقة!.
يكرّس الكتاب سردية الصراع في المنطقة ضمن ثنائية السعودية ــ إيران، بما يؤجج الصراع الطائفي في العالم العربي، ويعمد إلى إغفال القضية الأهم المتثملة بوجود العدو الصهيوني المحتل في المنطقة العربية. وهو ما يتوافق تماماً مع أكثر أشكال الدعاية الصهيونية فجاجة، إذ يطمح الصهاينة لتأكيد الصراعات الطائفية، ووجود كيانات سياسية/ طائفية من منطلق ديني ومذهبي، لتبرّر وجود «إسرائيل» وسياساتها في المنطقة بوصفها «ممثلاً لحالة يهودية أمام حالات سنية وشيعية».
لم يكن وصف ترجمة الكتاب بالخطوة التي تنشر ثقافة التطبيع بعيداً من الدقة. النظرة التي يقدّمها تيتلبوم للصراع في منطقتنا، تتوافق مع الدعوات الطائفية التفتيتية التي تصب في خدمة الكيان الصهيوني، ومع محاولات بعض الكتّاب السعوديين خلال السنوات الماضية لتعظيم «الخطر» الإيراني مقابل التقليل من ذلك الصهيوني على السعودية ودول الخليج، إضافة إلى عزل السعودية عن السياق العربي للصراع مع «إسرائيل». ويبقى الأكيد أنّ ترويج بعض الليبراليين السعوديين لهذه الفكرة بأشكال مختلفة يزداد صفاقة يوماً بعد يوم.