وكلاء اسرائيل فى مصر فى مجال الاقتصاد
* تؤكد موسوعة التطبيع والمطبعون فى مصر 1979-2011 فى أحد أجزائها المهمة أن شبكة العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية لابد وأن تكون مكتملة لذا كان لابد من وجود (قناصل) لإسرائيل فى مصر يمثلون الذراع التجارى والاجتماعى والاقتصادى لها ، وقد كان ، حيث أنشئت قنصليتان احداهما فى الاسكندرية والثانية (الرئيسية أو القنصلية العامة) فى القاهرة وذلك منذ بداية الثمانينات ، والأخيرة كان يتولى رئاستها حتى فترة قريبة أحد خبراء الأمن الإسرائيلى واسمه [ايلى ليفى] ،ومهمته مساعدة النشاط الدبلوماسى للسفارة الإسرائيلية فى مزيد من التدخل والتعامل السياسى والتجارى مع شرائح وفئات المجتمع المصرى الاقتصادية.
المعلومات والأرقام المتاحة عن حجم ونوع العلاقات الاقتصادية والثقافية المصرية الإسرائيلية التى تولاها السفراء والقناصل ، تؤكد حقيقة ، غير متوقعة – وهى أنه رغم ما كان يبدو من توتر فى العلاقات السياسية – أحياناً – فى عهد حسنى مبارك ، ورغم جمود (المستوى السياسى) للعلاقات فى بعض الفترات خاصة إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005)، فإن العلاقات الاقتصادية والسياسية ، وبالأخص (الاقتصادية) كانت فى تزايد ونمو ملحوظ حيث تم توقيع اتفاقية الكويز الاقتصادية وعاد السفير المصرى الى تل أبيب ، وأطلق الجاسوس عزام متعب عزام ولعبت مصر دوراً مهماً فى اتفاقات التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد تفاهمات شرم الشيخ (مارس 2005) ووقع اتفاق الغاز وسبق كل هذه التطورات نمو ملحوظ على مستوى العلاقات الاقتصادية الرسمية، وبعودة إلى الأرقام التاريخية وقتها نكتشف أنه فى عام 1997 -كنموذج لسنوات التسعينات- مثل البترول المصرى المصدر الأول للطاقة بالنسبة لإسرائيل 30% من احتياجاتها البترولية الاجمالية ، وبعد ان كانت صادرات مصر لإسرائيل عام 1980 تصل الى 12 مليون دولار فى العام اذ بها عام 1996 (بعد انتخاب نتنياهو) تصل الى 116.84 مليون دولار ، وعام 1997 الى 107 مليون دولار، وفى عام 1980 كان اجمالى الواردات المصرية من إسرائيل يصل الى 7 بلايين دولار ، قفزت فى عام 1996 الى 124.7 مليون دولار، وفى عام 1997 الى 142.26 مليون دولار واليوم وصلت الى حوالي 300 مليون دولار ، والأخطر من هذه القفزات الرقمية هو انه بقياس ما تصدره مصر الى إسرائيل يمثل 9.72% عام 1996 و8.05% عام 1997 وهما رقمان غاية فى الدلالة اذا علمنا ان اجمالى صادرات مصـر الى الدول العربية فى نفس العامين على التوالى هى 69.1% عام 1996 و63.5% عام 1997.
(المصدر : وزارة التجارة – مصر – صادرات مصر عامى 1996/1997 – القاهرة فبراير 1998) والأمر ازداد دفئاً فى عهد باراك بل وفى أيام الانتفاضة (28/9/2000) وما تلاها حتى مرحلة شارون وتفاهمات شرم الشيخ ثم مرحلة اولمرت ومن تلاه حتى ثورة 25/1/2011 .
* ولعل أبرز المشاريع الاقتصادية بين الحكومتين خلال سنوات التطبيع الأولى هى المشاريع التى تمت فى القطاع النفطى والثقافى والزراعى بفضل وجود يوسف والى وزير الزراعة الأسبق الذى اشتهر بدوره التطبيعى الواسع مع العدو الصهيونى فى مجال التطبيع الزراعى وبخاصة فى مجالات (الأسمدة – البذور – المبيدات الإسرائيلية والتى كانت تمثل 45% من السلع التى يستخدمها الفلاح المصرى) ووجدت فى عهد مبارك ، لإسرائيل ثلاث مستوطنات زراعية موسعة فى كل من المنوفية – العامرية – طريق الاسكندرية الصحراوى وهى ملكية خاصة لهم ، وكانت وزارة الزراعة تصدر حوالى 30 سلعة وتستورد من إسرائيل وحدها 46 سلعة زراعية وفواكه [والفصل الخاص بالتطبيع الزراعى سيكشف تفاصيل أشد خطراً ]، وفى نفس المجال الاقتصادى أنشئت مصفاة للبترول فى الاسكندرية أسسها بعض رجال الاعمال المصريين والإسرائيليين عام 1994 وسميت مصفاة نفط الشرق الأوسط وبدأت عملها الفعلى عام (1998) وتكلفت مليار دولار واشتركت فيها الهيئة المصرية العامة للبترول بنسبة 20% ، وبنفس الإطراد فى المجال الاقتصادى انسحب الأمر على النشاط السياحى كما سنتابع تفصيلاً فى أبواب الموسوعة (التى ستنشر فى الأسواق خلال شهر سبتمبر القادم 2014).
أبرز وكلاء إسرائيل فى مصر فى مجال التطبيع الاقتصادى فى سنوات التطبيع الأولى:
* لأن الاقتصاد – كما هو معلوم - هو عصب الحياة فى المجتمعات المعاصرة ، والكيان الصهيونى أدرك ذلك جيداً ومبكراً ، ولذلك حاول ولايزال اختراق الاقتصاد العربى وتحويله الى مجرد اقتصاد مهلهل ، لا وزن ولا دور له فى نهضة مجتمعاتنا يساندهم فى ذلك المخطط الشيطانى شبكة واسعة من المساندات الغربية والامريكية ، استطاعت ونجحت – للأسف – فيما أرادته 0
* وكان لاتفاقات التسوية وبالأخص مع أهم دولة عربية (مصر) منذ عام 1979 ، الدور الرئيسى فى تحقيق الاختراق الإسرائيلى للاقتصاد العربى بمساندة امريكية تستهدف تركيع هذه المجتمعات وقبولها للسلام الأمريكى/الإسرائيلى الذى هو حتماً يعنى الاستسلام والركوع!!
* الا ان مصر الشعبية قاومت ، رغم استمراء (مصر الرسمية) وتوغلها فى التطبيع الاقتصادى مع إسرائيل وبالأخص فى قطاعى البترول والزراعة ، وشعبياً كانت المقاومة لهذا التطبيع حاضرة وعلى كافة الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية كانت قوية وصامدة ولم تخترق بالكامل.
الشركات الإسرائيلية التى عملت فى مصر خلال سنوات التطبيع الأولى
1 – شركة دلتا تكستايل إيجيبت : كان مقرها المنطقة الصناعية بمدينة نصر ، وهى توكيل (سان مايكل) ، وهذه الشركة إسرائيلية برأسمال يهودى ، والقيادات فى هذه الشركة من مديرين ورؤساء قطاعات وأقسام كلهم من اليهود من جنسيات مختلفة اما العمالة فقط فهى من المصريين ، ومارست هذه الشركة عملها بمصر بموجب القوانين المنظمة للاستثمار بالمنطقة الحرة ، وهى متخصصة فى المنسوجات القطنية والملابس الداخلية 0
2 – ميرال لينش : وهى شركة يهودية أمريكية برأسمال يهودى ، وهذه الشركة هى المسيطرة على أعمال البورصة المصرية ، وهى من آثار الخصخصة التى اتبعتها الحكومة المصرية خلال السنوات الأول من التسعينات .
3 – مجمع ميدور لتكرير البترول : مقره الإسكندرية ، وهى شركة مصرية – إسرائيلية مشتركة لتكرير البترول وتم تصفية حصة إسرائيل فيها مؤخراً ، وكان أبرز المساهمين فيها من مصر رجل الأعمال حسين سالم وكان صديقاً مقرباً للرئيس السابق حسنى مبارك وكان له دور مشبوه في توقيع اتفاقية توصيل الغاز المصري إلي إسرائيل وحكم عليه بالسجن ، والآن هو هارب خارج مصر فى أسبانيا بعد ثورة 25 يناير ومتهم فى ثلاث قضايا جنائية تتصل بالعلاقات مع العدو الصهيونى .
** أبرز وكلاء الشركات الإسرائيلية فى مصر :
- المجال الزراعى :
1 – شركة كارمل .
2 – شركة أجرولاند .
3 – الشركة الاستشارية للمشروعات والاستمار " بيكو " : لصاحبها صلاح دياب ، وهو صاحب جريدة (المصرى اليوم) ، وتعمل هذه الشركة فى مجال استيراد التقاوى والمخصبات الزراعية ومعدات الرى الإسرائيلية منذ عام 1990 ، وتضم الشركة مجموعة من الخبراء الإسرائيليين فى مجال الزراعة ، كما تقوم بزراعة شتلات الفاكهة والخضر (الموز – الفراولة) المستورد بعضها من إسرائيل .
4 – مجموعة المغربى الزراعية .
5 – شركة تكنوجرين .
6 – شركة سيف أجريت : وهم وكلاء شركة تتانيم الإسرائيلية والمتخصصة فى عمليات الرى بالتنقيط ووكلاء لشركة أركال الإسرائيلية 0
7 – شركة أجروتك .
8 – مجموعة شركات (هريزا – حيفا – كلال) : وهذه الشركات توكيلات مباشرة للشركات الإسرائيلية وتحمل نفس الأسماء فى مصر ومقرها طريق مصر الفيوم الصحراوى وتقوم بالترويج للمنتجات الزراعية الإسرائيلية ومستلزمات الانتاج وآلات الميكنة الزراعية بجميع أنواعها فى مصر.
9 – مجلس المحاصيل البستانية : ويتعاون منذ عام 1981 مع شركة (أجروكيميالز) الإسرائيلية فى مجال استيراد آلات زراعية إسرائيلية 0
10 – شركة زين الدين للاستيراد والتصدير .
11 – شركة ستار سيدس إيجبيت .
** فى المجال التجارى والالكترونى :
1 – المجموعة الاستشارية للدواجن (إيباج) : ومقرها مدينة القاهرة ، وتستورد من شركة تنيواف الإسرائيلية كتاكيت رومى من نوع (بيج سكس) 0
2 – المجموعة الدولية للتوريدات : وتقوم باستيراد بعض طيور النعام الإسرائيلى لمنافستها بمثيلاتها المستوردة من الدول الأخيرة التى ترتفع فيها تكاليف الشحن بصورة كبيرة 0
3 – مجموعة شركات بهجت : تقوم هذه الشركة باستيراد مكونات أجهزة التكييف التى تصنعها تحت اسم (يورو إير) والمكونات الالكترونية المصنعة فى إسرائيل
4 – شركة كاتو أروماتيك : ومقرها مدينة القاهرة لصاحبها ابراهيم كامل الذى يمتلك حصة قدرها 5% من المجمع الصناعى العسكرى الإسرائيلى (كور) ، ويعمل فى مجال تكنولوجيا الاتصالات وصناعة الكيماويات والانشاء والتشييد وانتاج المعدات الإسرائيلية.
- فى المجال الصناعى :
- الشركات السويسرية للملابس الجاهزة (سويس جارمنتز) .
- فى المجال الملاحى :
1 – شركة إليكس جروب : وهى وكيل لشركة (زيم) الإسرائيلية للملاحة البحرية منذ عام 1981 ، وجميع صادرات مصر الى القارة الافريقية تنقل عبر هذه الشركة ، نظراً لعدم وجود أسطول بحرى تجارى مصرى .
* ويعتبر جورج سورس ، رجل الاعمال اليهودى الأمريكى من أخطر رجال الاعمال اليهود على الاقتصاد المصرى ، وقد تردد أنه حضر الى مصر خلال التسعينات تقريباً لممارسة أعماله فى البورصة المصرية ، ومصدر التخوف لدى رجال الاعمال المصريين بسبب ما قيل عنه فى السابق حيث نسب له انه كان العامل الرئيسى فى تدمير بورصة شمال آسيا من خلال مضارباته غير المشروعة والتى تتسبب فى ارتفاعات وانخفاضات غير طبيعية ، مما يؤدى الى تدهور احوال البورصة والقضاء على العديد من المضاربين فيها .
*اطار عملية السلام الراهنة والعولمة سعت إسرائيل للعودة الى مصر مجدداً عن طريق عدة مداخل :
أولهما : اتفاقات مباشرة مع الحكومة المصرية مثل (مجمع ميدور – شركة دلتا تكستايل) وكان هذا يتم بقرار سياسى مباشر من حاكم مصر (أنور السادات ثم حسنى مبارك) .
ثانيهما : عمليات تحتية ، بحيث يدخل بعض اليهود الإسرائيليين بشراء شركات مصرية أو أسهم فيها بأسماء مستعارة أو عن طريق بعض السماسرة المصريين ثم يظهرون حقيقية ملكيتهم لهذه الشركات والأسهم فى فترة لاحقة ، ويتواجدون بشكل رسمى فى إطار نظام الخصخصة الذى تطبقه الحكومة المصرية فى الفترة الأخيرة 0
ثالثهما : محاولة استعادة ملكيتهم للشركات والممتلكات القديمة لهم فى مصر على شاكلة (بنزايون – صيدناوى – شيكوريل – قطاوى – وغيرهم) ، وأحياناً الدعوة لعودتهم كما فعل د. عصام العريان إبان حكم الإخوان لمصر عام 2012 وأثار ضجة كبيرة ضده وضد جماعته انتهت بخلعهم من حكم مصر .
* ويوجد لإسرائيل بمصر عدد من السماسرة الذين يقومون بتسهيل مهمة اليهود الإسرائيليين فى شراء بعض الشركات والمشروعات المختلفة فى مصر ، ويعد المدعو (نهاد . س) أبرز سماسرتهم فى هذا المجال بمنطقة سيناء ، الذى تاجر باسم الأديان لمصلحة إسرائيل وقام بخطة لبناء مستوطنة إسرائيلية بمشروع المشاتل فى طابا ، وتم اجهاض هذه الخطة ، وهو ما كشفته بعض الصحف المصرية خلال الفترة الأخيرة ، (كما سنرى تفصيلاً ، فى الفصول القادمة من الموسوعة) .
هذا وقد وقعت إسرائيل مع مصر اتفاقيتين مهمتين للغاية فى مجال التطبيع الاقتصادى هما كما سبق وأشرنا ، اتفاقية الكويز فى (14/12/2004) واتفاقية توصيل الغاز فى (30/6/2005) [وقامت الموسوعة بوضع فصل كامل لهم فى الباب الاقتصادى يفصل الأبعاد والأسرار والحقائق بشأن هذه الصفقات التطبيعية الاقتصادية المشبوهة] :
كيف كانت سبل المواجهة للاختراق: تقييم عام.
نعتقد أن حجم الاختراق الإسرائيلي للعقل العربي الذي تم في سنوات التطبيع الأولى ظل محصوراً في نطاق النموذجين المصري والأردني من ناحية، وفي نطاق التعاون غير المباشر عربياً مع بعض المؤسسات البحثية الأمريكية من ناحية أخرى، لقد كانت المواجهة بالإجمال ضعيفة وغير منسقة الأدوار رغم النجاحات المحدودة لبعضها كما هو الحال في مصر، وباستعراض نموذج واحد (مبكر جداً) من نماذج المواجهة المصرية المنفردة للاختراق الصهيوني للعقل المصري، يمكننا أن نخلص إلى عدد من الدلالات الهامة قد تفيد في مجال التدعيم العربي لمصر في هذا الجانب، والنموذج الذي نقدمه هنا شارك فيه كاتب هذه السطور شخصياً، وعاصر تجربته وهو نموذج (معرض القاهرة الدولي السابع عشر للكتاب) في 22 يناير 1985، فلقد التحم الشعب المصري بمثقفيه ودور النشر الوطنية والأحزاب السياسية وهيئات التدريس بجامعات مصر والنقابات الوطنية، في مواجهة الوجود الإسرائيلي بالمعرض واستطاع أن يحول أرض المعرض لمواجهة حقيقية ترفض التطبيع والاختراق العقلي والعنصرية الثقافية والسياسية ، ولنتأمل فقط الجهات التي واجهت بالكلمة أو بالمظاهرة أو بالسجن الاختراق الصهيوني: (أحزاب: العمل ـ التجمع ـ الوفد ـ الإخوان المسلمين ـ الناصرين ـ رؤساء ونقباء وأعضاء نقابات/ الصحفيين ـ المحامين ـ اتحاد النقابات الفنية ـ نقابة التشكيلين ـ اتحاد عمال التجارة العرب ـ اتحاد الفلاحين المصريين ـ جمعية أنصار حقوق الإنسان بالإسكندرية ـ المنظمة العربية لحقوق الإنسان ـ اللجنة العربية لتخليد القائد جمال عبد الناصر ـ المنظمة العربية لمكافحة الاستعمار والدفاع عن السلام واللجنة القومية لمناصرة شعب فلسطين ولبنان واللجنة المصرية للدفاع عن الحريات ولجنة الدفاع عن الثقافة القومية وبعض أعضاء مجلس الشعب ومجالس النقابات المهنية والعمالية ومجالس إدارات نوادي هيئات التدريس واتحادات الطلاب وعدد من الصحفيين والكتاب والأدباء والفنانين والناشرين).
* وبنظرة سريعة على تركيبة القوى المصرية المشاركة في رفض هذا الوجود والاختراق الصهيوني، يؤدي بنا إلى نتيجة هامة وهي أن الشعب المصري ككل كان رافضاً في تلك الفترة لهذا الاختراق، وأنه بمفرده فقط كان في المواجهة، وينبغي أن نتذكر هنا أيضاً أن النقابات المهنية وفي مقدمتها نقابة الصحفيين (انظر الباب الخاص بالتطبيع الإعلامى (الباب الثالث) : وكذلك قسم الوثائق فى نهاية الموسوعة) قد أصدرت في تلك الفترة قرارات حاسمة ـ لا تزال سارية حتى اليوم ـ برفض وتحريم كافة أشكال التطبيع المهني والثقافي مع إسرائيل ولم تؤازرها وقتها النقابات العربية بالقدر الكافي، وهنا يبرز الاتجاه الثاني المتصل بالدور العربي وأهمية وجوده بعد الغياب الطويل وأحياناً المقصود، وكان متوقعاً أن يكون هذا الوجود من خلال الدعم الأدبي والسياسي والتنسيق المشترك مع القوى المصرية السابقة ومن خلال المؤتمرات واللقاءات المشتركة على مستوى الأقطار أولاً ثم على مستوى الجامعة العربية ومؤسساتها الثقافية ثانياً، وهو ما لم يحدث بل إن دوراً مفترضاً كان ينبغي أن تلعبه منظمة "الاليسكو" المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، في مثل هذا المجال (مجال مواجهة التطبيع الثقافي تحديداً) سواء من خلال المجلات والدوريات التي تصدر عنها أو من خلال المؤتمرات والاتفاقات الثقافية التي تعقدها مع الجهات الوطنية المصرية الرافضة للتطبيع الثقافي، وهي الجهات السابقة وغيرها، وأيضاً من خلال حذرها الشديد في مجال الاتفاقات الدولية التي تعقدها مع المؤسسات الثقافية الغربية، والتي قد يتواجد بها الصهاينة، ولكن للأسف لم يتم هذا الدور بل حدث العكس وتخلى المحيط العربي عن التنسيق والدعم في تلك الفترة القلقة والخطيرة في تاريخ التطبيع مع العدو الصهيوني، وكأن قدر أصحاب التجربة المصرية في المواجهة أن يظلوا لوحدهم فيها، إلى أن بدأت في سنوات التطبيع الأولى (النصف الأول من الثمانينات تحديداً) انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى الباسلة (1987) وتلتها انتصارات المقاومة اللبنانية وبعض المقاومات الإسلامية الأخرى ليمثلوا جميعاً دعائم مباشرة لعمليات مقاومة التطبيع المصرية ليس في الثقافة فحسب بل وأيضاً في السياسة التي بدأت تأخذ بعداً مسلحاً من خلال (سليمان خاطر) وتنظيم ثورة مصر (محمود نور الدين) و(أيمن حسن) لاحقاً (تم وضع فصل كامل فى الموسوعة لما أسماه المؤلف بـ " المقاومة المسلحة للتطبيع " .
* إن تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر لاتزال تحتاج إلى أكبر إضاءة ممكنة عن أسرارها وتفاعلاتها، ووثائقها وهو ما حاولت – بقدر الإمكان - هذه الموسوعة القيام به ، ونحسب أنه رغم التطبيع الرسمي المصري المستمر حتى اليوم – 2014 – مع إسرائيل، لم يكن له أن يظل مداناً أخلاقياً وأدبياً، ومحسوراً في زمرة من المنبوذين من النخبة (الإعلامية والسياسية والاقتصادية) إلا بفضل تلك المقاومة الشعبية العفوية والمنظمة التي وضعت أسسها ولبناتها الأولى في الثمانينات من القرن الماضي، والتي توالى البناء عليها في التسعينات ثم السنوات العشر الأولى من هذا القرن - وهو ما تولى رصده وتحليله الأبواب الستة المكونة للموسوعة - ورغم صخب المطبعين على اختلاف مشاربهم ومساندة أنظمة الحكم لهم (وتحديداً النظام المصري) إلا أن، التطبيع لا يزال حتى لحظة كتابة هذه الدراسة يمثل فعلاً فاضحاً يتحاشى الجميع - وفي مقدمتهم هؤلاء المطبعين - أن يوسموا به، وفي ذلك شهادة حية على جدوى مقاومة التطبيع (الثقافي والسياسي والاقتصادي) حتى ولو بالكلمة وعلى أهمية وجدوى العمل الدؤوب على فضح أستاره، ورجاله، ومؤسساته، وجدوى استثمار دور الفتوى الدينية (الإسلامية والمسيحية) (التى أوردنا لها فصلاً خاصاً فصل فى الموسوعة) في تحريمه، فقضيتنا مع هذا العدو طويلة ومركبة، وصراعنا معه صراع بقاء ووجود، ولأنه كذلك فكل فعل مقاوم (بالفكر أو بالسلاح) يصب لصالح إنهاء هذا الكيان الدخيل على أرضنا وثقافتنا، وتاريخنا؛هو فعل مقدر ومقدس!!