الدعوة إلى صناديق الاقتراع والرضوخ لحكم الشعب أصبحت موضة في أيامنا هذه، يتكلم بها الكبير والصغير، ابتداء من بائع البطيخ وحتى المسؤولين الكبار، هذه البدعة السياسية لعبة ماسونية ذكية لتدمير استقلال الدول واحتلالها واستعبادها باقل الخسائر.
مديروا لعبة صناديق الاقتراع يراقبون كل الانتخابات في العالم عبر إرسال مراقبيهم، إذا لم تتوافق نتائج الانتخابات مع مصالح مدراء اللعبة الديموقراطية فإن المراقبون يقدمون التقارير بعدم نزاهة الانتخابات، ويتكلمون عن التجاوزات التي حصلت فيها، وبالنتيجة لايعترف العالم (المتحضر) بنتائج تلك الانتخابات ويحرضون الناس على رفض نتائجها ويطالبون باعادتها الخ.
اما اذا جاءت النتائج لصالحهم، فانهم يمنحون القائمين عليها شهادة حسن سلوك، ويشهدون بنزاهتها حتى لو قامت كلها على التزوير.
ماذا تعني عملية الاقتراع؟
تعني أن مدير معهد أبحاث استراتيجية له صوت واحد مثله مثل أي بائع بطيخ، وأن لامرأة مثل نوال السعداوي صوت واحد مثلها مثل أية امرأة لاتحمل شهادة إتمام المرحلة الابتدائية وتتفشكل بنقابها، ودكتور في الحقوق الدولية قضى عمره في الدفاع عن حقوق الانسان له صوت واحد، وشيخ يدعوا لذبح الأبرياء له صوت، ولمهرب السلاح صوت مثله مثل رجل الامن والجندي.
من لايدرك قيمة صوته ويبيعه بربطة خبز أو بطحة عرق لايستحق ان يكون له صوت بالاساس، نحن شعوب جاهلة وفقيرة والاغلبية العظمى لاتقدر قيمة الصوت الممنوح لها، ومن الغباء السماح لهم بتقرير مصير الوطن بحجة انهم الاكثرية.
الدولة تقودها النخب وليس الرعاع، وكل من ادعى خلاف ذلك إما جاهل أو مخادع، ولنا في تاريخ تداول السلطة بعهد الخلفاء الراشدين عبرة لمن يعتبر.
دروس من التاريخ:
توفي النبي دون أن يسمي خليفةً من بعده حتى لا يختلط بأذهان الناس منصب النبوة والرئاسة، وبذلك فصل بين السياسة والدين.
الخليفة الأول أبو بكر انتخب في سقيفة بني ساعدة من قبل حفنة من رجال النخبة، تلك النخبة كانت تدرك تماماً العقلية القبلية للناس، فحصرت الخلافة في قريش حتى لا يتنطح كل من هب ودب لتسلم الخلافة مستقبلاً، وهذا تصرف سياسي حكيم قام نتيجة استقراء للواقع الحقيقي للأمة بعيداً عن الشعارات وبعيداً عن النصوص الدينية، إذ أن القرآن لم يتطرق لطريقة انتخاب خليفة لانه كتاب دين وليس كتاب سياسة، وبذلك فصل المجتمعون في سقيفة بني ساعدة السياسة عن الدين.
وعندما ادركت الوفاة أبو بكر، وخوفاً منه على مصير الدولة الفتية من خلفيات الصراع على السلطة، قام بتعيين عمر خليفةً له بدون استشارة أحد، وبدون الاستناد إلى أي نص ديني، وبذلك فصل بين السياسة عن الدين.
ولما حضرت الوفاة عمر، سمى ستة من الصحابة، وكلفهم باختيار خليفة من بينهم، ولم يطرح الأمر على استفتاء واقتراع عام، وتم اختيار عثمان للخلافة، وبذلك فصل أيضاً بين السياسة والدين.
وعندما اغتيل عثمان وأصبحت الدولة بلا رأس، اجتمع الناس في المدينة واختاروا علياً خليفة للمسلمين، دون طرح الأمر على عامة سكان الدولة، ولاحتى على مندوبين عنهم، ولم ينتخب علي لقرابته من الرسول بل، لأنه الأجدر بقيادة دولة مقبلة على فتن سياسية تحمل طابعاً دينياً، فاختيار شخصية دينية حازمة من أقرباء الرسول تم بدوافع سياسية لحماية الدولة من التفكك وليس لدوافع دينية.
هذا يؤكد لنا أن انتخاب رأس الدولة في عهد الخلفاء الراشدين كان محصوراً ضمن نخبة من الناس، الذين كان عليهم اختيار خليفة من افراد قبيلة معينة تبعاً للظروف، وهذا التصرف كان سياسياً بحتاً لاعلاقة للاسلام كدين في حيثياته، ويدل على أن الخلفاء كانوا سياسيين بارعين قبل أن يكونوا رجال دين بل استغلوا الدين لخدمة السياسة.
اليوم، كل الناس يطالبون بإشراك كل الناس في عملية انتخاب رأس الدولة، والتصويت على الدستور الخ، ولد عمره 16 سنة لا يأتمنه ابوه على دكانته، وفتاة عمرها 16 سنة لايسمح لها باختيار شريك حياتها يسمح لهم باختيار رئيس للدولة ودستور للوطن.
امرأة تركت أولادها وهربت مع عشيقها تشارك بالتصويت على قرارات تمس مستقبل كل أطفال الوطن.
ورجل ترك زوجته وهرب مع عشيقته، يسمح له بالتصويت على دستور يقرر مصير نساء الوطن.
وبالنتيجة، استناداً على أكثرية الاصوات تتخذ القرارات المصيرية لمستقبل الوطن.
بر الأمان بالنسبة لنا هو بالاضطلاع على ماورد في كتاب الله بهذا الخصوص لاخذ العبرة، أنا لست شيخا بل، باحث في تاريخ الأديان ودعوتي لا تحمل صبغة دينية بل صبغة فكرية.
الله يدعوا للاخذ بالاحسن:
يقول الله تعالى سورة الزمر: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18).
(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55).
اكثر الناس كافرون:
يقول الله تعالى في سورة الاسراء: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89).
اكثر الناس لايسمعون:
يقول الله تعالى في سورة فصلت: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4).
اكثر الناس لايؤمنون:
يقول الله تعالى في سورة يوسف: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103).
اكثر الناس كارهون للحق:
يقول الله تعالى في سورة الزخرف: (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78).
اكثر الناس يتبعون الظن:
يقول الله تعالى في سورة يونس: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36).
اختيار الاكثرية لايدل على الاختيار الصحيح:
يقول الله تعالى في سورة المائدة: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100).
لذا، الله منع الرسول من طاعة الاكثرية:
يقول الله تعالى في سورة الانعام: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116).
وبذلك يتضح لنا من خلال كتاب الله أن صناديق الاقتراع التي تعتمد على آراء اكثرية الناس لا تدل على الصواب والحقيقة، والطريقة المثلى لاختيار الرئيس كانت طريقة انتخابه عبر مجلس الشعب، كما جرى في سوريا ويجري في كثير من الدول، فطالما أعضاء مجلس الشعب هم ممثلوا الشعب وهم نخبة المجتمع، فإن اختيارهم هو اختيار الشعب لذا، فيجب التركيز على أن تكون انتخابات مجلس الشعب نزيهة ليكون انتخاب رئيس الجمهورية انتخاباً نزيهاً يعبر عن رأي الشعب الحقيقي، أليس من الغباء أن تعطي شخصاً لايعرف كتابة اسمه حقاً بتقرير مستقبل الوطن؟