- من ركائز التطبيع
* إذا سلمنا بأن مصر تمثل نقطة ارتكاز رئيسية للعقل العربي، أو ما أسماه المفكر الراحل د. جمال حمدان بـ(الجهاز العصبي للأمة العربية)، فإن ما يتعرض له سوف يؤثر مباشرة على الإطار المحيط بها، ومن ثم فإن ضرورة المتابعة لسيناريوهات الاختراق الصهيوني للعقل والمجتمع المصري، خاصة في تلك الفترة المبكرة للتطبيع الثقافي والسياسي من الثمانينات، باتت من الأهمية بمكان، لأنها تعد بحق نموذجاً حياً لما تنتويه الإرادة الإسرائيلية بالعقل العربي، ولقد تعمدنا هنا أن نسجل نماذج من الأبحاث والمؤتمرات والأفراد المشاركين لنقدم من خلالها حقيقة الخطر الذي كان كامناً في السنوات الأولى للثمانينات ، واستمر حتى اليوم (2014) عبر سفارة إسرائيلية تحولت إلى وكر للتجسس وليس لبناء علاقات بين الدول وعبر سماسرة للتطبيع من ساسة ورجال أعمال وصحفيين ورغم قلة عددهم ومحدودية دورهم إلا أنهم مثلوا رأس حربة للتطبيع الحرام فى إطار استراتيجية الاختراق الصهيوني لنا، وأهمية المقاومة العربية والإسلامية المشتركة لتلافي ولمواجهة هذا الخطر وهو ما لم يحدث للأسف بشكل عربى متكامل منذ 1979 وحتى اليوم 2014.
المركز الأكاديمي الإسرائيلي:
أنشئ هذا المركز عام 1982، تطبيقاً لبنود اتفاقات كامب ديفيد، ولقد مارس المركز عملية مسح منظمة للمجتمع المصري اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، ولعب في الثمانينات من القرن الماضي وحتى اليوم 2014 من خلال رؤسائه الثلاثة عشر السابقين دوراً هاماً في اختراق مصر (تفاصيل ذلك فى الفصل الخاص بالمركز الأكاديمى فى الباب الرابع من الموسوعة) ولم يكن غريباً أن يتم اكتشاف عدة شبكات للتجسس من الأمريكيين والإسرائيليين وبعض المصريين يعملون داخل المركز وينطلقون في تجسسهم من خلاله وذلك من أول شبكة كشفت في أوائل أغسطس 1985 وحتى الشبكات الأخيرة خلال أعوام ما قبل الثورة 2011 وما بعدها، ونظرة سريعة على الأبحاث السياسية والثقافية والاجتماعية التي قام بها المركز خلال حقبة الثمانينات وسنوات التطبيع الأولى تبرز لنا وبوضوح عمق الخطر الذي يمثله كأداة متقدمة للمخابرات الإسرائيلية "الموساد"، وكيف أن ما يقوم به هذا المركز من اختراق منظم للعقل المصري ما هو إلا مثالاً مصغراً لما ينتظر العقل العربي في حالة غياب وحدة العمل العربي المشترك تجاه التغلغل الإسرائيلي، فالمركز مثلاً أجرى أبحاثاً في الأصول العرقية للمجتمع المصري وفي كيفية تفتيت مصر طائفياً، وفي الوحدة الثقافية والعقائدية بين اليهودية والإسلام، وفي الشعر العربي الحديث، وقضايا التعليم والزراعة والميكنة الزراعية واستصلاح الأراضي وفي توزيع الدخل وحياة البدو والبربر، وكيفية السيطرة عليها وفي تأثير السلام على العقل العربي وغيرها من الأبحاث الهامة ومحاولة بناء العلاقات الأكثر أهمية مع كتاب كبار أمثال نجيب محفوظ وأنيس منصور وعبد العظيم رمضان وغيرهم (سنقرأ نماذج منها فى الفصل الخاص بالمركز الأكاديمى الإسرائيلى). وقديماً في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عمل العديد من الباحثين الأمريكيين واليهود في خدمة مشروع التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني.2 - التطبيع من خلال مؤتمرات الطب النفسي:
وفي السنوات الأولى للتطبيع أيضاً، وتحديداً خلال الفترة من مارس 1980 وحتى 9/9/1981 قام البروفيسور الإسرائيلي الشهير "ستيفن كوهين" بعقد عدة صفقات بحثية هامة مع بعض أساتذة علم النفس المصريين وكان أشهر هذه الأبحاث هو بحث (رؤى الصراع) والذي اهتم بالجوانب الاجتماعية والنفسية للصراع، ومولته هيئة المعونة الأمريكية وجامعة نيويورك والمركز الأكاديمي الإسرائيلي ومثل الجانب المصري فيه كلا من د. قدري حفني، ود. محمد شعلان وعدد آخر من السياسيين الكبار، وفي مقدمتهم د. مصطفى خليل وغيرهم ممن لم يخجلوا من بناء علاقات مع إسرائيل قبل أن يعود للعرب والفلسطينيين المحتلة أرضهم وحقوقهم..
وفي بداية سنوات التطبيع أيضاً عقد أول مؤتمر لعلماء الطب النفسي الصهاينة والمصريين في فندق "ووترجيت ـ بواشنطن" في الفترة من 20 ـ 25 يناير 1980 وكان تحت عنوان "المعوقات النفسية في المفاوضات الدولية تطبيقاً على الصراع المصري الإسرائيلي" وقد مثل الجانب المصري في هذا المؤتمر د. محمود محفوظ وزير الصحة المصري الأسبق، د. عصام جلال مستشار وزارة الصحة الأسبق ورئيس الجمعية المصرية للغدد الصماء، و د. محمد شعلان رئيس قسم الطب النفسي بجامعة القاهرة، د. عادل صادق أستاذ الطب النفسي المساعد بجامعة عين شمس، والراحل د. عبد العظيم رمضان أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المنوفية والكاتب الدائم بمجلة أكتوبر ـ قبل رحيله ـ وتحسين بشير والذي عمل هو أيضاً قبل رحيله بجامعة الدول العربية، وبالطبع لم ينشر شيء عن هذا المؤتمر في حينه بل ضرب حوله ستاراً متعمداً من السرية.
أبرز مظاهر تجربة التطبيع السياسى / الاقتصادي في سنوات التطبيع:
* يحدثنا التاريخ أنه قد تم افتتاح سفارة إسرائيل بالقاهرة يوم 26/2/1980 بعد أكثر من عام ونصف على توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية عام 1979 ولقد تنوعت العلاقة بين الحكومة المصرية وإسرائيل وأضحى لها جوانب عديدة اقتصادية وسياسية وثقافية ، وسياحية ، وما يهمنا فى هذا المحور هو الجانب السياسى أو الدبلوماسى منها ، وهو الجانب الذى تولته سفارة إسرائيل بالقاهرة ، تلك السفارة التى ظلت لفترة وجيزة فى أحد الشوارع الجانبية بمنطقة الدقى بالجيزة ، أوائل الثمانينات ، ونتيجة للتحركات الشعبية الرافضة لوجودهم وأيضاً لاعتبارات أمنية إسرائيلية ، تم نقلها الى الدورين الأخيرين (أعلى العمارة المكونة من 15 طابقاً) فى العقار رقم 6 شارع ابن مالك بالجيزة والذى صار اسمه (شارع الشهيد محمد الدرة) تعبيراً من المجلس المحلى بالجيزة عن التضامن مع انتفاضة الشعب الفلسطينى من ناحية ورفضاً منهم – كما أعلنوا فى قرارهم - لوجود هذه السفارة بحيهم من ناحية أخرى ، والتى سيضطر رجالهم الى كتابة اسم الشهيد محمد الدرة على كل مراسلتهم مستقبلاً 0
ولقد تم اختيار الطابقين الأخيرين لاعتبارات أمنية بالأساس وربما لأسباب آخرى لم يفصح عنها من اختار العقار .
* نشأة وتطور العلاقات الدبلوماسية :
هذه (السفارة) توالى على رئاستها ، وتبوأ موقع السفير بداخلها اثنا عشر من رجال المخابرات ، وبالمناسبة فى داخل إسرائيل لا توجد غضاضة فى ان يتولى أمثال هؤلاء مواقع سياسية فلا فواصل هناك بين رجال الحرب ورجال الدبلوماسية ، وبين مستوطن ومجند ، فإسرائيل كما قال أحد كتابها الكبار(إزرائيل شاحاك) هى [جيش بنيت له دولة وليست دولة لها جيش]والمعنى مفهوم.
هؤلاء السفراء على التوالى هم :
1 – إلياهو بن اليسار (1980-1981): وهو أول سفير لإسرائيل بالقاهرة بعد افتتاح السفارة 29/2/1980 استمر لعام 1981 ولم يشهد اغتيال السادات لأن عمله انتهى قبلها بعدة أشهر، وكان على صلة وثيقة بالرئيس السادات ، وتأثر كثيراً باغتياله لاعتبارات الصداقة والعلاقات الدافئة التى كانت تربطه به ، وعلى يديه بدأت الخطوات الأولى لتطبيق الاتفاقات الموقعة فى كامب ديفيد 1979 ولقد أصدر كتاباً قبل وفاته 2001 حول تجربة وجوده فى مصر ذكر فيه العديد من الوقائع المهمة التى تحتاج الى عرض خاص 0
2 – موشيه ساسون (1981-1988) : وهو يعد من وجهة نظر من أرخ للعلاقات المصرية الإسرائيلية ، مهندس هذه العلاقات ، ولقد أصدر كتاباً بعنوان (سبع سنوات فى بلاد المصريين) وروى فيه كيف نبذه الشعب المصرى وبخاصة النقابات المهنية واهتم به فقط وزير الزراعة المصرى د0 يوسف والى الذى كان يستضيفه فى قريته بالفيوم وشهد عملية اغتيال السادات وسوف ننشر ملخصاً لكتابه فى الباب (الثقافى) ، والكتاب ترجمة مركز يافا للدراسات ونشرته دار الكتاب العربى بدمشق والقاهرة عام 1999
3 – شيمون شامير (1988-1991): وهو باحث مشهور ويعود له الدور الأكبر فى بناء استراتيجية إسرائيلية للتدخل والاختراق الثقافى لمصر ، حيث أنشأ عام 1982 المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة [يقع مقر هذا المركز فى 92 شارع النيل خلف شيراتون القاهرة وأعلى منزل الكاتب المصرى الكبير محمد حسنين هيكل]، وهذا الرجل تولى منصب السفير بعد ان كان قد نسج سلسلة من العلاقات مع بعض رجال الثقافة والأدب والتاريخ (مثل عبد العظيم رمضان وتحسين شنن ، ونجيب محفوظ وعلى سالم وأمين المهدى وغيرهم) ودوره فى تولى منصب السفير يؤكد بوضوح حجم التداخل بين السياسى والثقافى لدى إسرائيل.
4 – إفرايم دوناك: وعمل خلال الفترة (1991-1992).
5 – جبرائيل واربورج (1992): وهو أحد كبار المتخصصين فى الشأن المصرى ، ومثله مثل (شيمون شامير) ، اذ بعد توليه لمنصب مدير المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة لفترة هامة ، شهدت عملية شراء واسعة للآثار وللكتب اليهودية المصرية تحت زعم عمل مكتبات للاطلاع داخل المعابد اليهودية بالقاهرة ، بعد ذلك قام بتولى منصب السفير فاهتم أيضاً بتهويد تاريخ وآثار مصر عبر أساليب مبتكرة 0
6 – ديفيد سلطان (1992-1996): وكان يتمتع بخبرة جيدة فى محاولة جذب المثقفين المصريين ممن آمن بالتطبيع ، وكان صديقاً شخصياً للكاتب الراحل لطفى الخولى ولعلى سالم وصلاح بسيونى ومصطفى خليل وعبد المنعم سعيد، والمخرج التليفزيونى غير المعروف نبيل فودة الذى حاول تأسيس جمعية للصداقة المصرية – الإسرائيلية فرفض القضاء طلبه ، فضلاً عن غيره من رجال تحالف كوبنهاجن وجمعية القاهرة للسلام ، ولقد كشف علاقاته به فى كتاب أصدره لاحقاً ، وسوف نورد فى القسم الثقافى ملخصاً له .
7 – تسفى مازئيل (1996-2001): والذى استمر عمله فى مص 4سنوات وكان هذا السفير الأضعف حيلة فى مجال نشاطه السياسى وجاءت فترة عمله فى وقت حرج، حين انتصرت فيه المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله(يوم 25/5/2000)ثم الانتفاضة الفلسطينية (28/9/2000) التى تعاطف الشارع المصرى معها بطرق ووسائل عدة جاءت كل هذه الأحداث لتزيد من حصار السفير وطاقمه،الأمر الذى دفعه لطلب سرعة انهاء خدمته فى مصر.
8 – جدعون بن عامى (2001-2003): وقد تم تعيينه وسط احتجاجات شعبية مصرية واستياء عام لأنه جاء فى نهاية شهر يناير 2001 فى ذروة الانتفاضة الفلسطينية والتى كان متوقعاً ان تؤثر فى مسألة العلاقات الدبلوماسية الا أن الأمر لم يسر وفقاً لحركة الواقع،وتم تعيين هذا السفير وكان يبلغ عند تعيينه من العمر 63عاماً وكان يشغل نائب رئيس مركز الأبحاث السياسية فى وزارة الخارجية الإسرائيلية وهو من أبرز الخبراء فى الشئون العربية ومن الذين عملوا مع الموساد الإسرائيلى بوضوح فى مجال الدراسات ، وهو من المتعاونين مع تحالف كوبنهاجن الشهير الذى أنشأه مجموعة من المثقفين العرب والجنرالات الإسرائيليين السابقين المؤمنين بالتطبيع (عرباً ويهوداً) 1998،كما سبق وأشرنا وكما سنلخص فى (الباب الثقافى) .
9 – إيلى شاكيد (2004-2005) : متخصص فى الشئون الاقتصادية وبخاصة اتفاقيات الغاز والكويز التى ساهم بدور فعال فى توقيعها مع مصر خلال عامى (2004 – 2005).
10 – شالوم كوهين (2005-2006) : وهو يهودي من أصل تونسي وتم تعيينه عام 2005 وهو مهتم بالتطبيع الثقافى ومطالبته المستمرة بزيادة وتيرة التطبيع مع إسرائيل، ومن مواقفه المعروفة زيارته لوزير الثقافة المصرى فاروق حسنى واعتراضه لديه على عرض فيلم عادل إمام "السفارة فى العمارة" ومطالبته بأن يتم إيقاف عرضه لأنه – على حد قوله – يسيىء للعلاقات المصرية الإسرائيلية ويشوه دور السفارة الإسرائيلية فى القاهرة .
11 – اسحاق ليفانون (وامتدت فترة عمله من نوفمبر 2009 حتى ديسمبر 2011 وهو ابن جاسوسة إسرائيلية معروفة فى الستينات وعمل هو أيضاً فى خدمة الموساد لسنوات طويلة.
12 – ياكوف عميتاى (واستمر من ديسمبر 2011 حتى عام 2014) وهو من كبار المتخصصين فى الشأن المصرى وسبق له العمل أيضاً فى الخدمة السرية داخل إسرائيل.