منذ احتلال العدو الصهيوني للقدس عام ١٩٦٧، وهي تتعرض للانتهاك، والتهويد، وكانت البداية الإجرامية للاحتلال الصهيوني، المعبرة عن الحقد والكراهية، هي تدمير حي المغاربة في القدس بكامله، في ١١ يونيو، بعد الاحتلال مباشرة. أمَّا المسجد الأقصى المبارك، فيتعرض، منذ ذلك التاريخ أيضاً، لموجات من التهديد، والتدنيس، ولمحاولات الهدم، والتهويد، ولأشكال من الحصار، على أيدي الصهاينة. “حريق في 1969، هجوم وقتل في الحرم 1990، فتح إنفاق منها نفق تحت حائط البُراق عام 1996، اقتحام مسؤولين للمسجد بحماية من الشرطة والجيش، وتدنيس ساحته، كتلك التي قام بها المجرم شارون عام 2000. وعشرات الاقتحامات لإرهابيين يهود، بين “وزراء ومسؤولين، ومتطرفين”، لتثبيت ما يسمونه “حقاً لهم؟!”. ولاستفزاز المسلمين، ولفرض ما يُسمى “السيادة الإسرائيلية”، على هذا المكان المقدس لدى المسلمين كافة، وعلى القدس بصورة عامة.
أمَّا أهل القدس، ومن يصلي صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، من الفلسطينيين، فلم يسلم منهم أحد الأذى، والإهانة، والعدوان، وبقيت تلك معاناة مستمرة منذ الاحتلال .. لأن كيان الإرهاب الصهيوني، يريد القدس خالية من الفلسطينيين، ويريد المسجد الأقصى أنقاضاً، ليقيم ما يسمى الهيكل على أنقاضه.
لم تتوقف مقاومة الشعب الفلسطيني لمشاريع الصهاينة في القدس، ولم تتوقف محاولات كيان الإرهاب الصهيوني “إسرائيل”، عن العدوان. وفي المحاولات الأخيرة أغلق الاحتلالُ المسجد، ومنع الصلاة فيه، وأقام بوابات “إلكترونية”في المداخل وفي باحة الحرم، وزرع آلات التصوير في كل زاوية وركن وموقع، ليراقب المصلين، بذريعة الأمن؟! وحين ثارت موجة احتجاج فلسطينية على هذا الفعل، وعارضته الأوقاف الإسلامية في المسجد والمدينة، أخذت المسؤولين الصهاينة العزة بالإثم والعدوان، وتشبثوا بما يرون أنه “السيادة”.. فهم يرون أن لهم سيادة على القدس كلها، على المساجد والكنائس في فلسطين كلها .. ويرون أنهم المالك الذي يتصرف بملكه؟! في حين أن لا أحد يعترف بهذه السيادة، لا سيما على ما احتل من فلسطين وغيرها من الأرض العربية، في عدوان “إسرائيل”عام ١٩٦٧ .
وعلى مدار الوقت، يقوم جيش الإرهاب وقوى الاحتلال، بالتضييق على الفلسطينيين، والاستيلاء على ما تبقى لهم من أرض وبيوت، في وطنهم الأصلي – التاريخي، فلسطين، كما يقومون بالملاحقة والقتل، وهدم البيوت، بذريعة ملاحقة من يسمونهم “مخربين، وإرهابيين، ومتطرفين”؟! لقد أصبح هذا الوضع لا يطاق، وأغلق كل نوافذ الأمل أمام الشباب الفلسطيني على الخصوص، الذي لا يجد في بلده فرصة عمل، ولا فسحة أمل، ويلاحقه الاضطهاد والموت أينما توجه؟!
كان آخر المدافعين عن أنفسهم وعقيدتهم وحقوقهم، ضد الإرهاب العنصري الصهيوني، وأخر المتمردين على الاحتلال، والظلم، والقهر، وتدنيس المقدسات، وارتكاب الجرائم داخلها، المقدسات، والنيل من كرامة شعبه، والمدافعين عن الأقصى، وعمن يقتلهم الإرهابيون الصهاينة فيه:الشهيد عمر العبد، من قرية كوبر، الذي قام بعملية في مستوطنة “حلميش”القريبة من قريته، وهو جار لمروان البرغوثي. كتب عمر في ما سماه أقوالي الأخيرة، كما أوردها جدعون ليفي في ها آرتس بتاريخ ٢٤ يوليو٢٠١٧ : “أنا شاب صغير، لم أبلغ العشرين بعد، كانت لي أحلام وطموحات كثيرة، لكن ما هذه الحياة التي نعيشها، وشبابنا يقتلون بدون عدل؟!..إنهم يدنسون المسجد الاقصى ونحن نيام.. من المخجل أن نجلس مكتوفي الايدي. أنتم الذين تملكون السلاح، وأنتم الذين تقومون باستخدامه في الأعراس، ألا تخجلون من أنفسكم؟ لماذا لا تقومون باعلان الحرب في سبيل الله؟ لقد قاموا باغلاق المسجد الاقصى، وسلاحكم ما زال صامتا”.؟! هذا ما قاله الشهيد عمر العبد، وهذا نداؤه، وهذا ما دفعه إلى الاستشهاد، وهو شاب في مُقْتَبَل العمر.
فهل يكون عمر العبد، الذي اقتص لسفك الدم الفلسطيني في الأقصى المبارك، بقتل مستوطنين محتلين عنصريين، هل يكون:”مخرِّباً، وإرهابياً”، ولا يكون الصهيوني الذي قتل رفاقه، ودنس مقدساته، واحتل أرضه، واضطهد شعبه، وحرمه من العمل والأمل.. إرهابياً، ومجرماً من نوع فريد”؟! ألأن ذلك العنصري الصهيوني المحتل يملك القوة، والمال، والعلاقات، يحق له أن يقتل من دون حساب، وأن يصنف الناس على غير عدل، ولا معيار، ولا أساس.. وأن “يكون فوق القانون، و”يُشَقْلِب”المفاهيم، والقواعد، والمعايير، والشرائع.. وأن يصنع ما يشاء، ويقنع مَن يشاء بما يشاء؟!وأن يحتج حتى على إطلاق صفة “الشهيد”، على الشهيد، الشهيد بإذن الله، المقاوم بحق، والمدافع عن العدل بحق، الشهيد عمر العبد وأمثاله من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يقدمون دماءهم وأرواحهم دفاعاً عن أنفسهم، ووطنهم، ودينهم، ومقدساتهم، وشعبهم، وعن حقوقهم وكرامتهم؟!هذا عجيب غريب في بابه، وفي كل أبواب العقل والمنطق، والضمير، والشرع.. أي شرع. ولكن الأغرب منه أن يتم السكوت عليه، وأن يأخذ الآخرون بحجة الأقوى المجرم الأشد فساداً وافساداً؟! وربما صدقت في هذا المجال مقولة”القوة مُفسِدة”.
يصر المسؤولون الإسرائيليون، على انتزاع اعتراف من دول العالم، “تحت عنوان العداء للسامية”وهو زعم كاذب، رسخ لدى أقوياء، بفعل قوة فاسدة، قد يكون المال أحد أذرعتها البطاشة. ويروجون أن العداء للصهيونية هو عداء للسامية، وعداء لليهود.. وقد وافقتهم دول ووافقهم رؤساء، ومثقفون، وإعلاميون، و.. و.. وكان آخر من صرح بموافقتهم على أن العداء للصهيونية هو عداء لليهود، الرئيس الفرنسي ماكرون، وذلك استجابة لطلب نتنياهو، الذي يطالب بفلسطين “دولة يهودية صافية، ويطرد شعبها منها، ويعادي السلام، ويقدم الأنموذج الأعلى في الكذب والفساد والإجرام، والإرهاب العنصري، إرهاب الدولة.
وعلى هذا، وبناء على ما يروجون، فإن “كيان الإرهاب الصهيوني، إسرائيل”، يعلن، ما ينبغي أن يأخذه العرب والمسلمون بعين الاعتبار. وهو أن كل يهودي هو صهيوني، وأنه “إسرائيلي”بالضرورة. ولما كانت إسرائيل كياناً صهيونياً عنصرياً إرهابياً مُحتلاً، وتعلن أن كل اليهود منها وفيها وينطبق عليهم ما ينطبق عليها، وهي قوة احتلال لفلسطين، والجولان السوري، ولمزارع شبعا، وإقليم الخروب اللبنانيين، ولأرض عربية لم تعلن أرضاً محتلة في دول عربية لها علاقات رسمية معها.. وهي “دولة”قامت على ممارسة الإرهاب بعصابات الهاغانا، والإرغون، وليحي، وغيرها، في أربعينات القرن العشرين، وهي تمارس الإرهاب منذ إنشائها، وبأفظع أشكاله وأهدافه ومناهجه، منفذة برنامج إبادة جماعية منظم وبطيئ، ضد الشعب الفلسطيني، وفق خطة بعيدة الأمد، تحت قوانين عنصرية، وذرائع عقائدية، مناقضة للدين، والإنسانية والمنطق، وللقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني… فإنها تعمم رسمياً ودولياً، أن كل يهودي هو صهيوني، وعنصري، ومحتل، ويمارس الإرهاب والإبادة الجماعية، ويدخل حكماً في دائرة المجرمين الذين ينبغي أن يحاكموا دولياً.
لم نعمم نحن، العرب والمسلمين، هذه الصفات والاتهامات والإدانات، بل هم، وقادتهم، ودولتهم.. ومن ثم من يوافقهم في ضلالهم، ويخضع لتضليلهم. نحن لا نريد، ومن غير المسموح لنا دينياً ووجدانياً، أن نسحب صفة الإجرام والإرهاب والعنصرية، على غير المجرمين والإرهابيين والعنصريين، ولا أن نأخذ البرئ بجريرة المذنب، وحسب عقيدتنا، “لا تزر وازرة وزر أخرى”.. إن الصهاينة هم من يفعلون ذلك، ويمارسونه، ويريدون تعميمه على كل اليهود في كل العالم؟!، وهم يأخذون البرئ بجريرة المذنب. إنهم في تعاملهم مع المقاومين الفلسطينيين، ومع من يدافع عن نفسه وبيته وأرضه ضد إرهابهم، قتَلة، يقتلونه، ويقومون بتدمير بيته، وتشريد أسرته، ومعاقبة أخيه وأبيه، ويجعلون من ذلك قانوناً؟!
وها هو نداء جديد ينتشر بينهم، ودعوة مكشوفة للعقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، تنشرها، ويدعو إليها، جريدة “إسرائيل اليوم، التي نشرت لموشيه إلعاد، دعوته تلك، بتاريخ 24/7/2017 “.. من وراء كل مخرب هناك تنظيم يمكن معاقبته، ويسمى العائلة. ليس هناك تقريبا أي مخرب لا تقف عائلته من خلفه ومن خلف افعاله، أو لا تتفاخر به كـ “شهيد”. العقاب الناجع الذي تمت تجربته مرة واحدة في السابق يسمى بلغة القضاء “تغيير السكن” وبلغة الشعب “الطرد الى قطاع غزة”.، ويجب التأكيد: اذا كانت الحياة والظروف صعبة في الضفة الغربية وفي شرقي القدس، فان الحياة في قطاع غزة تشبه الاعتقال مع الاشغال الشاقة. أبناء الضفة الغربية يعتبرون أن الانتقال الى غزة يشبه الانتقال من الجنة الى جهنم.”. هذا النوع من العقاب الجماعي، لا تدينه، ولا تقف ضده، منظمات دولية معنية.. فالخوف من الشر المطلق، المتمثل في كيان الإرهاب الصهيوني، وكذلك التواطؤ معه، والموقف السلبي والحكم المسبق المعادي للعربي المسلم، وللفلسطيني من بين أولئك العرب والمسلمين.. كل ذلك يجعل كثيرين، ممن يفتَرَض فيهم تحمل المسؤولية الأخلاقية والإدارية عن حقوق الإنسان، والدفاع عن العدل والحق والحرية، يهربون إلى الصمت، ويبتلعون ألسنتهم.
إنهم يستنكرون ما يقوم به الفلسطينيون، في حين أن ما يقومون به هو دفاع عن النفس والحق. وتراهم، في الحدث الواحد، ذوي تلون ومواقف، ومن الفلسطينيين تحديداً لهم موقفان: موقف يدين الفلسطيطيني، ويتناساه بوصفه ضحية. وموقف يبرئ الإرهابي الصهيوني القاتل، ويرفعه ضحية، ويدور بخَبَرِه العالم، مشهِّراً بالفلسطينيين “القتلة؟!؟! في أحداث الأقصى الأخيرة، لم يذكر أحد من أولئك، الشهداء الفلسطينيين الأربعة، ولا ما يقرب من مئتي جريح، سقطوا في الأقصى برصاص المحتلين الصهاينة.. لقد ذكروا فقط ما جرى في “حلميش”، وما قام به عمر العبد، بوصفه جريمة كبرى؟! إن هذا مأساوي وصادم. الدم البشري، عند هؤلاء، لا يتساوى، والأرواح البشرية درجات، والقوة الفاسدة المفسدة تبرر فعلها، وتبرئ أهلها، وتسن قوانينها الملزِمة للآخرين؟! فيا لها من عدالة بشرية علينا أن “نحترمها؟!”.
إن على الضحايا أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يرفعوا أصواتهم عالياً، نصرةً للحق، ودفاعاً عن أنفسهم.. وعلى العرب والمسلمين، من بين أولئك الخلق الضحايا، أن ينظروا بشيء من الجدية، والواقعية، والموضوعية.. إلى ما يجري للفلسطينيين منذ سبعين سنة على الأقل، وأن يتحملوا مسؤولية جماعية تجاه المسجد الأقصى المبارك، بوصفه أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول الأعظم، محمد صلى الله عليه وسلم. وآبدة من الأوابد المقدسة لديهم، جيلاً بعد جيل.. وهو يتعرض لكل هذه الموجات من التهديدات، والاعتداءات، ولأنواع التهديد والتدنيس، وأن يتصرفوا بمسؤولية، وينظرا بجدية، إلى ما يتعرض له المصلون في الأقصى من قتل، وإرهاب، وعنف، وامتهان.. إن عليهم يقفوا، ولو لمرة واحدة، بوجه العنصرية الصهيونية المجرمة البغيضة، ليردعوها، وهي ترتكب هذه الأفعال الإجرامية الشنيعة، وتحاول تدمير ذلك المكان المقدس، ومنع رفع الأذان فيه، وحتى إقامة الصلاة بأمان واطمئنان وسكينة نفس .. عليهم أن يقفوا بوجه الصهاينة الذين أغلقوه بوجه المصلين المسلمين يوم الجمعة، في حادثة خطيرة هي الأولى من نوعها، منذ احتلاله، وهي حالة تنذر بحالات.. إن تكرار تلك الممارسات الصهيونية منذ عقود، تعنى أن الصهاينة، أعداء العرب والمسلمين والإنسانية، يتمادون في غيهم وإجرامهم، ولابد من وضع حد لهذا.
نعرف أن هناك، من بيننا، من يوالي أولئك الصهاينة، ويتعاون معهم، ويساند ضلالهم، وعدوانهم، ويحرص على رضا اليهود عامة، ومجرميهم خاصة. ومن يوالي أولئك منا، هو منهم، وليس منا.. وعليه أن يعفينا من تكالبه على زعزعة صفوفنا، ونخر شجرتنا الوارفة، لمصلحة أعدائنا. أما من يرى نفسه ملتزماً بالانتماء لأمة العرب، وللدين الحق، ولقيم العدالة، والحرية، والإنسانية.. فإن عليه ألا يقف مكتوف اليدين، حيال إجرام صهيوني عمَّ وطمَّ، وفجور عنصري ما مثله ولا بعده فجور، وحيال عنجهية قوة احتلال واستئصال، فاسدة مفسدة، تمارس القتل يومياً ضد شعب أعزل مضطهَد، وتحميها دولة الإرهاب الأكبر، في عالم القوة الأفسد، أي الولايات المتحدة الأميركية، وتضعها هي وحلفاؤها، وعملاؤها، وأدواتها. فوق القانون، وفوق العدالة والمساءلة، وتغريها بالمزيد من العدوان، والإرهاب، والإجرام، والافتراء.
نحن أمام مسؤولية إنسانية، وتاريحية.. إن علينا، نحن الضحايا، أن نرفع الصوت، واليد، والسلاح.. لنحمي أنفسنا، وعقائدنا، ونستعيد معنى الوجود الحر المعافى، أسيداً في أرضنا، ونستشعر مضمون الحرية ومعنى الكرامة في حياتنا. ولقد خلقنا اللُه جميعاً، بشراً متساوين، وأحراراً من غير أغلال أو قيود، وذرأنا في أرضه الواسعة لكي نحيا، ونُحيي، بالعدل، والعقل، والعلم، والعمل. والإرادة الخيرة، تنتج إرادات خيرة، والخير في الناس، ما دام العدل والناس.
وقل اعملوا..