ومازال الشيوخ يحرضون بسطاء الناس ضد بعضهم حتى
اليوم، أحد شيوخ الفتنة هؤلاء هو الشيخ عبد الله بن محمد زقيل الذي يقول
بمقالة له بعنوان - العلقمي يخون أهل السنة - مايلي:
ابْنُ
العَلْقَمِيِّ ... اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى الخِيَانَةِ وَالغَدْرِ ... اسْمٌ
يَدُلُّ عَلَى سُقُوْطِ الدَّولَةِ العَبَّاسِيَّةِ ... اسْمٌ يَدُلُّ
عَلَى مُوَالاَةِ الكُفَّارِ ... اسْمٌ لاَ يَخْلُو مِنْهُ عَصْرٌ أَو
مِصْرٌ حَيْثمَا وُجِد الرَّافِضَّةُ ... اسْمٌ لاَ يَخْلُو مِنْهُ كِتَابٌ
سُطِر فِيهِ التَّارِيْخُ الإِسلاَمِيُّ .
ذَلِكَ الرَّافضِيُّ
الخَائِنُ يُدَافِعُ عَنْهُ بَنُو مِلَّتِهِ ، وَيَنفُونَ عَنْهُ تُهْمَةَ
الخِيَانَةِ كَالصَّفَّارِ ، وَفِي المُقَابِلِ يُثْنِي بَعْضُهُمْ
عَلَيْهَا وَيَعُدُّوْنَهَا مِنْ أَعْظَمِ المَنَاقِبِ لَهُ.
وهكذا، حضرة الشيخ حوّل التاريخ إلى مادة لإثارة الفتن بدلاً من أن يجعل التاريخ مدرسة لاستخلاص العبر والدروس.
حضرته
أعمت أحقاده الطائفية عيونه عن رؤية السبب الحقيقي لسقوط الخلافة العباسية
والذي هو صراع على السلطة ارتدى ثياب الدين، ولم يكن للمسلمين البسطاء
الذين انخدعوا بشيوخهم وسلاطينهم ناقة ولا جمل في تلك الحروب.
كيف علينا ان نفهم تاريخنا اليوم؟
هل
اتصل ابن العلقمي بالمغول أم لا؟ هل الشيعة مسؤولون عن إسقاط الخلافة أم
لا؟ البحث في كل ذلك لايفيدنا بشيء، وتجريم ابن العلقمي أو تبرأته لاتفيدنا
بشيء، يجب أن نتعلم تقييم الأمور حسب نتائج الحدث التاريخي وانعكاسه على
حياتنا الراهنة والمستقبلية. وكل دراسة للتاريخ خارج هذا الإطار هو مضيعة
للوقت لما فيه من قتل للحاضر ومصادرة للمستقبل.
الحدث التاريخي هو أن
بغداد سقطت، وأن جنود هولاكو قتلوا مابين 800 ألف إلى مليوني مسلم دون
تفريق بين سني وشيعي. فكيف جرى ماجرى؟ وهل كان حقا صراعا سنيا – شيعيا؟
وكيف نتفادى مثل هذه المأساة مستقبلا؟ في هذه النقطة تكمن اهمية الابحاث
التاريخية. التاريخ مدرسة ممتازة للحذر وليس مزبلة نراكم عليها احقاد
الماضي لنذبح بها الحاضر ونغتال المستقبل.
سقوط الخلافة العباسية في
بغداد كانت ثمرة مباشرة للصراع على السلطة بين سلطان دولة خوارزم علاء
الدين بن تكش، وبين الخليفة العباسي الناصر، حيث جرى الباس الصراع حلة
دينية وتصويره على انه صراع سني وشيعي لتوفير الضحايا المجانية للمعارك من
بسطاء الناس الذين كانوا يظنون انفسهم بانهم يجاهدون في سبيل الله.
فالدولة
الخوارزمية وصلت بعهد سلطانها علاء الدين إلى أقصى اتساعها، حيث امتدت من
شمال بحر قزوين وبحر آرال شمالاً إلى المحيط الهندي جنوباً، ومن السند
شرقاً إلى حدود العراق غرباً.
وهذا بدوره شجع السلطان علاء الدين ليطلب
من الخليفة الناصر أن تكون الخطبة في بغداد باسمه، ولما رفض الخليفة ذلك،
ادعى السلطان علاء الدين بان الخليفة قد فقد حقه بالخلافة لأنه عاجز عن
حماية الثغور. واتهم الخليفة ايضا بانه يضايق السلطان المجاهد علاء الدين
الذي يحمي الثغور ويدافع عن الاسلام والمسلمين. وحتى يوفر الارضية الدينية
لخروجه عن طاعة الخليفة، أعلن السلطان علاء الدين اعتناقه للمذهب الشيعي،
واستصدر فتوى من بعض رجال الدين تقول إن الخلافة من حق أبناء الحسين بن علي
بن أبي طالب، وإن آل العباس مغتصبون لها، وأسقط اسم الخليفة الناصر من
الخطبة، ونادى بأحد أبناء علي بن أبي طالب خليفة وسار بجيش عرمرم إلى بغداد
في شتاء 617هـ/1219-1220م، ولكن عاصفة ثلجية شديدة قرب همذان هبت على
قواته فأهلكت الرجال والدواب، وتعرض من سلم من قواته لهجمات سكان المناطق
الجبلية وفشلت الحملة.
وبعد موت علاء الدين، استلم ابنه جلال الدين
السلطة وقد كان سفاكا للدم وقليل الحنكة السياسية. وقد اجبر بعض رجال الدين
على اصدار فتوى بخلع الخليفة. وهذا التصرف دفع الخليفة ( السني) للاتصال
بالمغول للخلاص من عدوهما المشترك جلال الدين( الشيعي) وهذا ماجرى فعلا حيث
شن المغول هجوما كاسحا اخذت دولة خوارزم تنهار تحت ضرباته بشكل غير متوقع.
وفي احلك اوقاته، طلب جلال الدين من الخليفة المساعدة الا ان الخليفة
الخائف على منصبه رفض مساعدته بحجة انه على المذهب الشيعي فزالت دولة
خوارزم من الوجود واصبح طريق بغداد مفتوحا امام جحافل المغول حيث دخلها
هولاكو يوم الاربعاء في 7 صفر عام 656 للهجرة بعد حصار دام 21 يوما.
والمفارقة العجيبة هي ان الجيش الامريكي دخل بغداد بنفس التاريخ اي، في 7 صفر عام 1424 للهجرة وذلك بعد حصار دام 21 يوماً.
نفس المدينة بغداد تتعرض لنفس المأساة ولنفس الاسباب بعد 768 سنة.
ومازال السني يذبح الشيعي وبالعكس، ومازال شيوخ المذهبين يقدمون الضحايا في سبيل خرافاتهم ونزواتهم واحقادهم التاريخية المتراكمة.
السلطان
جلال الدين كان يطمع بخلافة المسلمين ومن اجل ذلك اعتنق المذهب الشيعي
وليس حبا بعلي واولاده. والخليفة الخائف على سلطته رفض مد يد العون له
فسقطت دولة الخلافة على ارضية الطمع بالسلطة الذي ارتدى لباس السنة والشيعة
فخسر الطرفان. هولاكو قتل في بغداد 800 الف انسان ولم يفرق بين سني وشيعي.
قبسات من تاريخ الدين والسياسة
عندما
إستولي معز الدين البويهي على بغداد، أراد أن يزيل الخلافة العباسية
ويوليها لخليفة علوي. فقال له ابوه: انت الان تحت خليفة عباسي سني لا تؤمن
أنت وجندك بطاعته، فإن أمرت جنودك بقتل الخليفة قتلوه. أما إذا وليت خليفة
علوياً تؤمن أنت وجندك بوجوب طاعته، فإنه إذا أمر الجنود بقتلك قتلوك.
فتراجع الإبن عن قراره. اي، ان معز الدين البويهي استغل المشاعر الدينية
للعلويين للوصول الى السلطة، وعندما وصلها لم يعد يهمه اكان الخليفة علويا
ام سنيا.
وكلنا نعلم ان نور الدين زنكي دعم صلاح الدين الايوبي بجيش
كبير للقضاء على الدولة الفاطمية في مصر. هذه الدولة كما هو ظاهر من اسمها
كانت تستغل اسم ابنة الرسول فاطمة كواجهة دينية لتبرير وجودها. ولما تمكن
صلاح الدين من ذلك وآل حكم مصر اليه، أمره نور الدين زنكي بأن يزحف بالجيش
المصري، وهو يزحف بالجيش الشامي ويلتقيان عند حصن الكرك الصليبي لتحرير بيت
المقدس. لكن شيركوه – عم صلاح الدين - قال له: أنت الآن تحكم مصر، وبينك
وبين نور الدين قلاع الصليبيين والبحر. فإن إنتصرتم على الصليبيين وإتصلت
بينك وبين نور الدين الأرض فقدت إستقلالك، وربما عزلك أو قتلك. فاقتنع صلاح
الدين برأي عمه ورفض الاستجابة لقائده الذي زوده بوسائل النصر. وبذلك تأخر
تحرير بيت المقدس ثلاثين عاماً. ولاننسى ان اولاد صلاح الدين اقتسموا دولة
ابيهم التي كان من المفترض انها دولة الاسلام بعد موت صلاح الدين. فهل
جاهد المسلمون ضد الصليبيين لتأسيس دولة لصلاح الدين واولاده؟ ولا ننسى
ايضا ان اولاد صلاح الدين تحالفوا مع الصليبيين فيما بعد واعادوا بيت
المقدس لهم وقد قام الظاهر بيبرس بتحريرها فيما بعد. فاين الاسلام من كل
هذا؟ الاسلام كان دوما وسيلة للوصول الى السلطة السياسية بواسطة دماء
البسطاء من الناس الذين يظنون انفسهم مجاهدين في سبيل الله. لذا، فنحن
لانريد في سوريا الجديدة اي صبغة دينية، نريدها دولة علمانية لكل مكوناتها
العرقية والدينية، نريدها: الدين لله والوطن للجميع، وفصل كامل للدين عن السياسة، والامتناع عن استخدام الدين في السياسة. لانريد تسييس الدين ولا تديين السياسة.
الدين
وسيلة لتنوير الطريق الى الجنة لمن يريدون الذهاب اليها، وهذه سعادة روحية
ابدية، وسنرفض في سوريا الجديدة فرض السعادة على من لايريدها بالقوة.
اماالسياسة، فهي وسيلة لقيادة الدولة، وكلنا تحت جناح الدولة اخوة ومواطنين
متساوون بالحقوق والواجبات بغض النظر عن اختلاف قومياتنا وادياننا
ومذاهبنا. فالرجاء من الاخوة الشيوخ الالتزام بمساجدهم، فإن الطريق إلى
الجنة أقرب من هناك، والرجاء من السياسيين أن لايستعينوا برجال الدين لكسب
بعض المنافع الآنية، لأن الثمن الذي سيدفعونه فيما بعد سيكون باهظاً،
ومايحدث اليوم في سوريا يثبت ذلك.
فيا أبناء الوطن الغالي من كل الطوائف
والقوميات، لاتكونوا أدوات عمياء بأيدي تجار الدين والسياسة، في النهاية
هم حلفاء اختلفوا على اقتسام ثرواتكم، وانتم ضحايا أطماعهم في الحرب،
وضحايا جشعهم بايام السلم.