نقدم هنا تعريفاً مختصراً لكل من مفهومي (الدولة المدنية) و(الدولة العلمانية).. وكذلك تعريف مفهوم (المجتمع المدني) و(منظمات المجتمع المدني)..:
تعريف الدولة المدنية: مفهوم «الدولة المدنية» عرفه الناس في مجتمعاتنا غداة اندحار الاستعمار العثماني، وظهور دعوات (ثورية) لإقامة حكم باسم الإسلام إنما تحت سلطة عربية بدلاً من (الأمبراطورية الإسلامية العثمانية) التي كان هؤلاء يسمونها (الخلافة العثمانية)، والتي تبدو امتداداتها فيما يسمى اليوم (ثورات الربيع العربي) التي صنعتها الاستخبارات الصهيو-أمريكية..، وحسب مفهوم هؤلاء فإن (الدولة المدنية) هي دولة «تحقق المطالب المتعلقة بالمواطنة والمساواة والديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وغيرها من المطالب المتصلة بحاجة الشعوب العربية إلى التطور والتنمية، وتستمدُّ قانونها من الشريعة الإسلامية»..
ومفاهيم الدولة (المدنية) تعتبر مناقضة لمفاهيم الدولة (العلمانية)..، فهي بالطبع تقوم على الشريعة الإسلامية وتؤيد إقامة أحزاب دينية كحزب الإخوان وغيرهم..
وبالطبع من حيث أن مفهوم (الدولة المدنية) يقوم على حكم الشريعة، فإن أدبيات الدولة المدنية لا تضمن الاعتراف بحقِّ (عدم الإيمان) أو (الإلحاد)، مما يعني عدم المساواة بين الناس (في حرية الضمير والاعتقاد) على اختلاف مذاهبهم، وهو ما يعني إمكانية الاختلاف بين الناس نتيجة تكفير طرف لآخر..
تعريف الدولة العلمانية: مفهوم "الدولة العلمانية" معروف لدى العديد من دول العالم الغربي، و"الدولة العلمانية" هي دولة تقوم على مفاهيم "الفصل بين السلطات السياسية، والمالية، العلمية، والدينية. وتُخضِعها جميعاً للقانون المدنيّ الذي يحدِّدُ أدوار كل سلطة من هذه السلطات وميثاق علاقاتها البينية"..
وكلمة (الفصل) هي جوهر مفهوم العلمانية، وهناك مبدآن علمانيان جوهريان ينبثقان من هذا (الفصل) بين السلطات:
المبدأ الأوّل:
تفصلُ الدولة العلمانية بين مجالين مختلفين في حياة الناس: العام والخاص:
- (المجال العام)..: هو (الذي يضم التعليم، والفضاءَ المدني عموماً) وهذا المجال يعتبر مكرّساً لما يخدم الناس جميعاً، بغضّ النظر عن أصولهم وألوانهم ومعتقداتهم الدينية أو ميولهم الإلحادية..، ولا مرجعية في هذا المجال لأي دينٍ أو فلسفةٍ إلحادية..
- (المجال الخاص)..: فهو يستوعب كل المعتقدات والرؤى الشخصية، دينية كانت أم لا دينية أو إلحادية..
المبدأ الثاني:
هو أن الدولة العلمانية تضمن المساواة الكلية بين كل المتدينين بمختلف مذاهبهم، واللا متدينين والملحدين كذلك..، وتدافع عن حرياتهم المطلقة في إيمانهم أو عدم إيمانهم، وهذا هو مفهوم (حريّة الضمير) التي تؤكد العلمانية على احترامها..
ولعل أبرز ما حققه مفهوم العلمانية على الصعيد الحضاري هو انهاء الصراعات والإضطهاد الطائفي والحروب الدينية في الدول التي ترسَّخَ فيها هذا المفهوم، بفضل مبدئه الثاني (ضمان حقول المساواة الكلية بين الجميع بغض النظر عن تدينهم أو عدم تدينهم أو إلحادهم)..
كما أن أحد أبرز الإنجازات الحضارية الأخرى للدولة العلمانية هو إلغاؤها المطلق لِشرعية أية «فتوى» دينية أو سياسية تمسّ حياة عالِمٍ أو مفكِّر، أو تمنع إصدار كتاب أو تدعو إلى تكفير أو تقييد رأي ما..، ويتساوى في هذا المنع فتاوى شيوخ المسلمين وفتاوى الكنيسة على حد سواء..
وباختصار شديد.. إن مفهوم الدولة العلمانية هو واحدٌ من نخبةٍ من المفاهيم الإنسانية الحديثة الراقية التي تتغلغل جذورها في أعماق الفكر الإنساني العالمي..
وإن أخطر مناهضيّ مقهوم (الدولة العلمانية) هم هم الظلاميون الذين يمارسون التضليل تجاه مفهوم (العلمانية) بطريقة ذكيّة وخبيثة، وهؤلاء يعملون في خدمة الحكام الذين يستخدمون الدين ومشايخ الفتاوى مطيةً للسيطرة على أدمغة أبناء شعوبهم، وممارسة دكتاتورياتهم..، ليس هؤلاء فحسب، بل هناك العديد من «الثوريين» العرب الذين يعتبرون مفهوم العلمانية مفهوماً استعمارياً كونه انطلق من الغرب، رغم أنهم ينادون بمصطلحاتٍ نهضت أيضاً في الغرب ذاته، كالديموقراطية وحقوق الإنسان..
والمثير للسخرية أنك حين تبحث عن مراجع على الإنترنيت حول مفهوم (الدولة المدنية) فإنك سوف تجد تعريفات تم نشرها بعناية هنا وهناك، وبعضها يقول أن (الدولة المدنية) تضمن كل حقوق المساواة والمواطنة تماماً كما تفعل (الدولة العلمانية).. وبالطبع هذا التفسير مخادع لأنه يتناقض مع أنظمة الحكم (المدني) أو (الدولة المدنية) التي تمارسها كل الدول العربية التي تستقي تشريعاتها من الإسلام، وهذه الدولة المدنية مثلاً تنظر إلى (الملحد) و(غير المؤمن) على أنهما كافرين.. فكيف يمكن لهكذا نظام أن يدعي أنه يضمن حقول المواطنة واالمساواة وحرية الاعتقاد كما تفعل العلمانية...!!!
وأما بخصوص مفهوم (المجتمع المدني) و (المنظمات المدنية) فيمكن اختصاره بما يلي..:
تعريف (المجتمع المدني):
هو مصطلح يشير إلى كافة الأنشطة التطوعيّة التي تنظّم من قبل مجموعةٍ من الأشخاص، حول قيمٍ وأهداف ومصالح مشتركة، وتتضمن هذه الأنشطة جميع الغايات التي ينخرط بها المجتمع المدني لتقديم الخدمات في عمليّة التأثير على السياسة العامة للدولة، أو لدعم التعليم المستقل.
والمجتمع المدني عموماً هو مجموعة من المنظمات غير الربحيّة والمنظمات غير الحكوميّة، والتي تعبّر عن قيم واهتمامات أعضائها الذين يستندون في نشاطاتهم إلى عددٍ من الاعتبارات الثقافيّة، أو السياسيّة، أو الأخلاقيّة، أو الدينيّة، أو الخيريّة..
تعريف (منظمات المجتمع المدني):
هي عبارة عن جمعيّات يقوم بإنشائها عددٌ من الأشخاص، بهدف نصرة قضيّة مشتركة، ويمكن أن يشتمل هذا التعريف للمنظمات كلاً من المنظمات غير الحكوميّة، والنقابات العماليّة، والجمعيات الدينيّ.