يحدّثنا التاريخ أن الخطر من داخل الجسد العربي كان هو الأخطر في هزيمة 1967، وأن إسرائيل ومن ورائها أميركا لم تكن بهذه القوة التي ظهرت بها لولا الوهن والتآمر الذي اتسم به العرب في ما بينهم
في هذه الأيام تمر الذكرى الخمسين لهزيمة يونيو 1967، وهي تأتى في أجواء شبيهة إلى حد كبير بما جرى في تلك الأيام، سواء على مستوى الأداء الرسمي العربي أو على مستوي الاستعداد العسكري لمواجهة التحديات والمخاطر، أو على مستوى تكالب الخصوم والأعداء واتساع معسكرهم ليشمل (معتدلين) عرب جنباً إلي جنب مع معتدين غُزاة (زيارة ترامب الأخيرة وقمته الإسلامية في الرياض .. نموذجاً).ما أحوجنا في هذه الأيام لإعادة تذكّر هذه الهزيمة ودروسها الأليمة علّ ما نتذكّره يفيد في تدارك الانهيار الذي يُهدّد الأمّة ويزلزل استقرارها وتقدّمها، وسنحاول أن نتذكّرها من زاوية مختلفة، زاوية جديدة نسبياً، زاوية التآمر السعودي علي مصر وبخاصة في تلك الحرب .
يحدّثنا التاريخ أن الخطر من داخل الجسد العربي كان هو الأخطر في هزيمة 1967، وأن إسرائيل ومن ورائها أميركا لم تكن بهذه القوة التي ظهرت بها لولا الوهن والتآمر الذي اتسم به العرب في ما بينهم ، فها هو عبد الناصر يتم إغراقه في مؤامرة اسمها حرب اليمن. كان للسعودية –وقتها- الدور الرئيسي فيها، ويتم خنق مصر اقتصادياً عبر مخطّط أميركي – خليجي خبيث، مع إنهاك للداخل المصري والسوري بخلافات وصراعات بين القوى الإسلامية والسلطة، وكانت دائماً أصابع من يسمّون اليوم ، بالمعتدلين العرب (أسماهم أيامها عبد الناصر بالرجعية العربية) حاضرة ومؤثّرة.
تؤكّد الحقائق التاريخية، والوثائق المتوافرة، والكتب المنشورة، ومنها كتاب أيزنهاور (النضال من أجل السلام)، أن ثمة خطة أو مؤامرة أميركية أعدّت قبل حرب 1967 لإنهاء الظاهرة الناصرية، والتي مثّلث وقتها خطراً على مشروع الهيمنة الأميركي خاصة بعد انتصار 1956، اعتمدت هذه الخطة وفقاً لكتاب أيزنهاور علي الحصار الاقتصادي لخنق عبد الناصر، وتصفية الوضع الثوري في مصر، بعزلها، والقضاء على حركة القومية العربية التي وصفها دالاس وزير خارجية أميركا وقتها بأنها (أخطر من الشيوعية)، وذلك بتذويبها في كيان فضفاض أسموه بالحلف الإسلامي، وإخضاع المنطقة للهيمنة الأميركية، بحجّة ملء الفراغ، اعتماداً على ملك السعودية (الملك سعود وقتها) الذي حاول دالاس إقناعه بأنه "بابا الإسلام"، وعليه فلا بدّ من أن تكون "مكّة بمنزلة فاتيكان للمسلمين" وفقاً للدراسة التوثيقية الرائعة للمناضل العربي الدكتور فوزي أسعد النقيطي (ابن الجزيرة العربية الذي يعيش كلاجئ سياسي في القاهرة منذ أكثر من أربعين عاماً)، وهي دراسة نُشرت ضمن كتاب "العلاقات المصرية السعودية – الصادر عن مركز يافا عام2006".
*في هذا الصدد أيضاً، قال الوزير البريطاني، أنتوني ناتنج "إن دالاس كان يهدف إلى إيجاد خصم لعبد الناصر يختلف عن كل الخصوم الذين تعود أن يصطدم بهم ويحطمهم، خصم من نوع لا يقاوَم، وذلك بوضع "الدين الإسلامي" ذاته أمام عبد الناصر، متجسّداً في الملك سعود الذي ظهر خلال الزيارة إلى واشنطن التي امتدت من 29 يناير إلى 8 فبراير عام 1957، مستسلماً، مستجيباً لوجهات نظر الرئيس الأميركي ، أو وزير الخارجية دالاس أو رئيس وكالة المخابرات، وهو شبيه بأخيه الحالي الملك سلمان وابنه (محمّد) تمام الشبه في هذه الناحية من التماهى الكامل مع الاستراتيجية الأميركية العدوانية في المنطقة، وظل التآمر السعودي مستمراً ومتنوّعاً حتى يومنا هذا (2017) وإن اتّخذ أشكالاً جديدة!!.
*إن التحوّل الأخطر، من وجهة نظر المؤرّخين لهزيمة 1967وأسبابها في الدور والموقف السعودي، تمثّل في محاولات سرّية وعلنية لاغتيال عبد الناصر رغم أنه كان قد وقّع مع (الملك سعود) على معاهدتين للتعاون (27أكتوبر 1955، 21أبريل 1956)، ومع ذلك قام بالتآمر لاغتياله عدّة مرات، جرت المحاولة الأولى في أواخر عام 1957، حين دفع ملك السعودية مبلغ 3 ملايين جنيه إسترليني للسيّد "مرتضى المراغي" وزير داخلية الملك فاروق، كشف عنها العقيد طيار "عصام الدين خليل" بعد أن تسلّم بالفعل مبلغ 162ألف جنيه، كدفعة أولى، ليكون هو قائد الانقلاب.
وكانت مدينة بيروت هي مقرّ مرتضى المراغي، الذي كان يتمتّع بحماية الشرطة اللبنانية، وكان على اتصال وثيق بالرئيس اللبناني، كميل شمعون، وينسّق معه ولا عجب في ذلك، لأن وزير الخارجية اللبناني، وقتها، كان في واشنطن لدى زيارة الملك سعود، وعرض علي دالاس فكرة التخلّص من عبد الناصر، ولما عرض اقتراحه على الرئيس إيزنهاور قال "إن آراءه موضع اهتمامه". ثم المحاولة الثانية محاولة عبد الحميد السرّاج ثم الدور السعودي في تحقيق انفصال الوحدة السورية المصرية. ودفع في هذه المحاولة – بأسعار أيامها- 12مليون جنيه إسترليني وتواكب مع الانفصال حرب اليمن التي أضعفت الجيش المصري، فلم يصمد عام 1967 كما هو معلوم تاريخياً.
وبالنسبة للرئيس عبد الناصر، فإن الانفصال جعله يبكي على الملأ، وهي المرة الوحيدة التي بكى فيها كما تقول الوثائق.
والانفصال، في الواقع، هو الذي فتح الطريق أمام الهزائم العربية المتلاحقة، وكما قال أحمد الشقيري، قائد منظمة التحرير الفلسطينية وقتها "إن التاريخ لا يرحم، وسيكتب في طليعة ما يكتب أن الذين صنعوا الانفصال في سبتمبر عام 1961، هم الذين صنعوا الهزيمة في يونيو عام 1967".
*وتحدّثنا الحقائق أيضاً أنه منذ عدّة شهور نشرت وثائق للكيان الصهيوني عن حرب 1967 كشف بعضها عن تعاون وثيق كان قد تم بين الأسرة السعودية وكل من واشنطن وتل أبيب قبل حرب،1967 تمخّض عنه التنسيق السياسي والمالي والمخابراتي من أجل إحكام الهزيمة على (ناصر وجيشه)، ولم تكن حرب اليمن فقط هي الوسيلة بل ثمة وسائل أخرى أخطر (وما أشبه الليلة بالبارحة!!).
*ويؤكّد الجانب التاريخي المظلم –أيضا- لدور آل سعود في إحداث الهزيمة، أنه إذا كان يوم التاسع من يونيه عام 1967، وبعد الهزيمة المريرة، والذي تنحّى فيه الرئيس عبد الناصر عن منصبه، قد وصف "باليوم الأسود"، و(أتعس أيام الأمّة العربية ) كما يقول البعض، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للأسرة السعودية، التي كانت عاملاً رئيسياً في الهزيمة بسبب استنزافها مصر علي جبال اليمن وفي وديانه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ونفسياً طيلة السنوات الممتدة من 1962- 1967، فضلاً عن صفقات السلاح والتآمر الاستخباري لصالح تل أبيب ضدّ عبدالناصر، لقد كان أفراد الأسرة السعودية يتابعون هزائم مصر بلهفة وحماس، ويتعجّلون نهاية الرئيس عبد الناصر، وكما ذكرت مجلة صوت الطليعة الصادرة في 12أبريل 1976، ولما أعلن استقالته، أخذوا يتبادلون التهاني، ويذبحون الخراف والجمال كتعبير عن الفرحة التي عكست العقدة التاريخية التي تحكم آل سعود بمصر، منذ قام محمّد علي باشا بهدم (الدرعية) مقرّ حكم الدولة السعودية الأولى، بسبب فساد حكّامها وعمالتهم يومها للأجنبي ومروقها عن وحدة الصف الإسلامي.
*إن الأوضاع قبل وبعد 1967 من تحالف واشنطن وتل أبيب ومن أسماهم عبدالناصر بـ(الرجعية العربية) بقيادة السعودية ضدّ قائد ثوري عربي مقاوم، تشبه إلى حد كبير واقع اليوم فنفس الأدوار السعودية لا تزال قائمة والعلاقات المشبوهة مع واشنطن وتل أبيب لا تزال مستمرة، وإن تغيّر (الممثلون)على خشبة المسرح، إن هذه المؤامرات القديمة -الجديدة اليوم ليست ضدّ مصر وحدها، بل أضحت ضدّ سوريا، وحركات المقاومة العربية والإسلامية للكيان الصهيوني بالأساس، ولعلّ نتائج قمة ترامب في الرياض تؤكّد ذلك!!.
*ولكن ما لا تدركه القوى المتآمرة اليوم على مصر وسوريا وقوى المقاومة العربية أن (زمن الهزائم قد ولّى، كما قال عن حق من قبل سيّد المقاومة السيّد حسن نصرالله)، وأن الانهيار سيأتي لهم، من داخلهم سواء دفعوا (فدية) لـ(ترامب) أو لم يدفعوا، فالواقع، كما سنن التاريخ في هذا الاتجاه، اتجاه المقاومة والانتصار ضّد المشروع الصهيوني، رغم قسوة الواقع الإرهابي الداعشي، ولن تتكرّر هزيمة 1967 ثانية، ما بقي في الأمّة روح المقاومة وقواها الحيّة!! .