صرفت الإدارات الامريكية السابقة مليارات الدولارات لتقسيم السودان ونجح التقسيم سياسياً, ولكن في دارفور سقط جغرافياً و إقتصادياً حيث فشلت واشنطن بربط جنوب السودان بالعالم الخارجي.
وها هو جنوب السودان يعيش حربا أهلية طاحنة, و في تركمانستان نجحت واشنطن بعزلها عن روسيا دون أن تتدخل روسيا ولكن حرب 15 عاماً في أفغانستان لم تنجح بتأمين طريق بري يربط تركمانستان بالعالم الخارجي ، ولازالت تركمانستان تثقل الكاهل الامريكي اقتصادياً ومصدر دخل لكل من روسيا و إيران الذين يقومون بشراء النفط منها.
وكذلك اذربيجان الشيعية والتي تتحدث الفارسية تمكنت واشنطن من وضع نظام عميل لها في هذا البلد وسلخه عن مصالحه مع روسيا و ارمينيا دون أن تحتج موسكو ولكن الفشل الأمريكي في قره باخ ولاحقاً دخول القوات الروسية الى جورجيا جعل من اذربيجان مصدر دخل لروسيا و ايران و نقطة ضعف تثقل عاهل الادارة الامريكية.
حرب الطرق البرية
لو تمكنت داعش من السيطرة على دير الزور لقامت واشنطن بتغير إسم داعش و بدأت عملية تقسيم سورية و أصبحت دويلة داعش الوهابية ممرا بريا لتركيا و كردستان العراق الى الاردن ومنه الخليج و بالعكس.
ولكن القيادة السورية وقبيل التدخل الروسي تدرك خطورة سقوط دير الزور فأرسلت نخبة القوات السورية لحماية المنطقة, في حين روسيا بعد تدخلها ساندت القوات السورية ليس فقط بالطيران الحربي بل بالمقاتلات الإستراتيجية بعيدة المدى و صواريخ كاليبر و وجهت لداعش ضربات ساحقة في رسالة مفادها أن روسيا بصدد القضاء على تنظيم داعش أياً كانت الكلفة.
مما دفع تركيا الى البدء بمراجعه الذات و خصوصاً أن عملية تطهير حلب و صعوبتها تمت بمساندة روسية عسكرية للقوات و إنسانية للمدنيين المحاصرين من داعش, على وقع تقدم الحشد الشعبي في العراق و الجيش العراقي.
لا يمكن لتركيا أن تحيا بالبحر وحده
مع تحرير حلب و نشر قوات روسية في منطقة عفرين ومنع تركيا من الحصول على حلب ومنعها من ترحيل و مهاجمة عفرين وترحيل اهاليها زالت حصة تركية من الكعكة السورية و أصبح مصير كل من تركيا ومن خلفها البرزاني وحلفاء واشنطن بيد داعش التي تنهار والتي فشلت في خلق ممرات آمنة وفشلت في السيطرة على دير الزور, وما سبق ترك بيد واشنطن جزرة واحدة لأردوغان وهي حصة من نفط كردستان العراق, ومثل هذه الجزرة ليست مضمونة في ظل دعم انقرة لحكومة برزاني و شنها حرب على الاكراد بذات الوقت, في حين أن أي حصة يمكن منحها لتركيا من نفط كردستان العراق لا تعادل الوجود التركي في الأسواق الأسيوية ولا تعادل الطرق البرية التي ستجازف تركيا بخسارتها في حال الإنعزال والموافقة على التقسيم.
و بالتالي في حال فشل داعش في تحقيق ما لم تستطيع القوات الامريكية تحقيقه أبان إحتلال العراق فإن خيار واشنطن الوحيد هو توسيع الحرب الى حرب إقليمية غير مضمونة النتائج, وتبقى المهزلة الأكبر هي ما يقوله قادة كردستان العراق و الجيش الأمريكي لقوات سورية الديمقراطية عن إمكانية منح كردستان طريق الى البحر المتوسط بعيداً عن سورية و تركيا, متناسين وعود واشنطن لداعش وجبهة النصرة بالمضادات الجوية و متجاهلين وعود واشنطن وحلفائها بإسقاط النظام السوري وغيره من الأحلام الامريكية التي تتحطم على الصخور السورية, ومتجاهلين الفشل الأمريكي في ربط كردستان العراق بالخليج و الأهم متناسين أن واشنطن ليس اللاعب الوحيد في المنطقة ولا يمكن أن تستطيع تحقيق ما ترغب به, ومن شأن هذه المجازفة في المستقبل بعد القضاء على داعش أن تحول الشمال السوري و الجنوب التركي الى بركان ناري بسببه ستتكبد الشركات الأمريكية خسائر فادحة في نفط كردستان.
خيارات في الجبهات السورية الثلاث :- جنوباً تمكنت واشنطن من قتل و تهجير آلاف السوريين في درعا و القنيطرة عبر عصاباتها المسلحة وتحويل مناطقها الآمنة لساحات صراع ولكن لم تنجح في تغير الواقع الديمغرافي الذي يسمح لها بالتقسيم علماً بأن التدخل العسكري الأمريكي لا يمكن أن يؤدي الى تأمين ممرات برية وفي حال كان التدخل العسكري لحماية الإحتلال الإسرائيلي فهو ضرب من الوهم يعرقل أي مشاريع محادثات سلام و بالتالي يعرقل وصول الشركات الامريكية الى سواحل المتوسط لاستخراج الغاز وبل مجازفة بتوسيع الحرب السورية الى حرب إقليمية طاحنة ومجازفة باستقرار الأردن الحامي الحقيقي لكيان الإحتلال الإسرائيلي.
- شرقاً لا يمكنها القضاء على داعش دون روسيا و سورية في حين قيام سورية ببدء مطاردة داعش يضع واشنطن في ورطة ومحاولة الدخول من الاردن و من الطبقة سيجعل القوات الامريكية وجهاً لوجه مع روسيا و الجيش السوري وهذا السيناريو لا يختلف عن سيناريو شن عدوان مباشر على سورية و نتيجته محسومة منذ العدوان على مطار الشعيرات .
- غربا في إدلب لم يبق لواشنطن في جبهة إدلب أي خيارات سوى الإبقاء على المسلحين كأداه تخفيف عن داعش أو أداة ضغط على الحكومة السورية ومثلهم مثل مسلحي الغوطة الشرقية سيتم التجارة بهم عند اول نكبة أمريكية في شرق سورية.
و بالتالي وفي ظل الوضع الميداني القائم حالياً وصلت واشنطن الى طريق مسدود لخياراتها و أملها الوحيد هو بتحويل المنطقة الى بركان متفجر لايمكن للعالم تحمل تبعاته الإقتصادية و العسكرية , في حين ان مصير حلفائها في تركيا و شمال العراق و شمال سورية مرتبط بوجود داعش.