في ظل خطر عزله الذي تتحضر أميركا لإطلاق إجراءاته حالياً، يتوجه دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ليخرج منه ما يقيه العزل أو ليحصل فيه على الأقل على جوائز ترضية قد ترضي الدولة العميقة في أميركا و يحملها على التراجع عن تلك الإجراءات التي باتت سيفاً مسلطاً على رأس حكم ترامب، وهو لمّا يمضي بعد الأشهر الأربعة الأولى في البيت الأبيض، ولهذا يعمل ترامب الآن على خطوط متعددة، من الميدان السوري عسكرياً إلى الجزيرة العربية اقتصادياً واستراتيجياً، في عمل يراه الأميركي سياسة تكاملية تخدم الأهداف الاستراتيجية التي من أجلها أضرم النار في الجسم العربي منذ نيف و سبع سنوات.
وهنا نذكر بأنه عندما بدأت أميركا بعدوانها على سورية، اعتمدت خطة الأقواس الثلاثة التي أوكلت لتركيا امر تنفيذيها خدمة لهدفين أساسيين مباشرين:
الأول تامين الحماية لإسرائيل وفرض نهائية وجودها في المنطقة بشكل مستقر بعيدا عن أي تهديد.
والثاني الإجهاز على محور المقاومة باقتلاع قلعته الوسطى سورية، لتتمكن بعد ذلك من معالجة أمر من تبقى في هذا المحور، كل بما يناسبه من خطط تقود إلى إنهائه من إيران في الشرق إلى حزب الله في الغرب، فالهدف الاستراتيجي المباشر للعدوان على سورية كان ولا يزال حماية إسرائيل والتخلص من محور المقاومة الذي يهددها ويهدد المصالح الاستعمارية لأميركا في الشرق الأوسط، ويعرقل إقامة النظام العاملي الجديد الذي سعت إليه عبر ثلاثة عقود لكن كل مساعيها السابقة فشلت كما بات واضحاً.
وعود على بدء تقوم أميركا اليوم بتحرك مركب لو دققنا فيه لوجدناه يلتقي مع أهداف الخطة الأولى للعدوان، ولكن بشكل مختلف من حيث الحجم والأسلوب، فبالنسبة لمحور المقاومة وبسبب الفشل والعجز عن أسقاط سورية يبدو أن العدوان استبدل الهدف الأعلى بهدف أدنى يتمثل بامتلاك السيطرة على منطقة الحدود السورية مع كل من العراق والأردن بعمق يمنع التواصل البري بين إيران في الشرق وسورية في الغرب مع سعى إلى تعديل اتفاقية الاطار الاستراتيجي المبرمة بين أميركا و العراق ، تعديل يتيح لأميركا إبقاء قوى عسكرية في العراق بعد الفراغ من أمر داعش وانتهاء الاستثمار فيها، ويتم الحديث الآن عن 5 قواعد تستوعب 15 ألف جندي أميركي بشكل دائم وذات قدرة استيعابية تصل إلى 50 ألف جندي عند الاقتضاء.
أما بالنسبة للهدف الأخر المتمثل بحماية إسرائيل ونهائية وجودها، فقد ابتدعت أميركا فكرة حلف "الناتو العربي" لمواجهة ايران ومحور المقاومة، ومن أجل ذلك يحتشد اليوم في الرياض اكثر من 50 رئيس دولة وحاكم في دول عربية وإسلامية لإطلاق هذا الحلف الذي ستكون إسرائيل عضواً رئيسياً فيه، وبذلك تنتقل إسرائيل برأي صاحب فكرة الحلف من عضو غريب وغدة سرطانية واجبة الاقتلاع على حد تعبير الأمام الخميني، إلى ركن في تحالف تقوده هي بإشراف أميركي لمواجهة ايران ومحور المقاومة، وبهذا يكون إقفال نهائي لملف القضية الفلسطينية والمسائل المتفرعة عنها، وتصاغ الأمور لمواجهة محور المقاومة مع التركيز على إيران لأن العداء لها شرط لإقامة الحلف واستمراره كما يرى المخطط.
أما الهدف الثالث والإضافي من الحركة الأميركية في الشرق الواسط وهو لا يقل أهمية عما تقدم، فهو هدف اقتصادي مالي، يتأتى ترجمة لقول ترامب في حملته الانتخابية للخليجين "ادفعوا نحميكم" ولا حماية مجانية تقدمها أميركا لأحد.
وفي هذا الجانب يكون الكسب الأميركي الكبير حيث أن الصفقات التي أبرمت أوستعقد بين أميركا ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية، ستصل في حد أدنى إلى 300 مليار دولار، مع إمكانية ملامسة إلى 400 مليار دولار خلال السنوات الـ 5 المقبلة، أي سيجد ترامب نفسه خلال كل ولايته – إذا أكملها – أمام بقرة حلوب تدر عليه ما معدله 80 مليار دولار سنوياً لإنعاش الاقتصاد الأميركي الذي يشكو من مصاعب وعجز.
في مواجهة هذا الخطة المركبة، وإذا كان الشأن المالي والاقتصادي أمراً يعني أصحابه والشعب في بلدان الخليج، فان المسائل الأخرى تعني محور المقاومة بشكل مباشر لما لها من تأثير على المنطقة والصراع مع العدو الصهيوني ومن يحتضنه من القوى الاستعمارية، في مواجهة ذلك يطرح السؤال كيف ستواجه الخطة حرصا على المنطقة والحقوق المشروعة لأهلها؟
إن سورية ومعها محور المقاومة، يدركون جيداً أهداف الخطة الأميركية، ويدركون بشكل خاص أهمية السيطرة على الحدود الشرقية الآن ولهذا تحركت القوى المناسبة باتجاه هذه الحدود بعد أن كان وزير الخارجية السوري أعلم الجميع بشكل لا يقبل شكاً، بأن الأولية الآن هي للمنطقة الشرقية، وبدايتها وصولاً إلى الحدود العراقية. وبالفعل تمكنت سورية من فضح العدوان الأميركي وخطته عندما قامت أميركا وعبر ما تسميه بالتحالف الدولي لمحاربة داعش بالاعتداء على القوة العسكرية السورية المتجهة إلى الحدود مع العراق بعد أن رفضت الاستجابة للإنذار الأميركي بالتوقف والامتناع عن متابعة التحرك إلى الحدود.
إن الوضع في البادية السورية بات محد المعالم الآن في مشهد يظهر فيه سعي أميركي للاستيلاء والسيطرة المباشرة عبر الوكيل على المنطقة الحدودية وقرار سوري مقاوم لهذه الخطة، ولهذا تحركت القوى العسكرية من الجيش العربي السوري والقوة الرديفة باتجاه معبر التنف على الحدود السورية العرقية بالقرب من نقطة التقاطع الحدودي مع الأردن ، لان إجهاض المشروع الأميركي يبدا بالسيطرة على هذا القسم من الحدود من معبر التنف جنوباً إلى معبر القائم قرب البو كمال في الوسط ، و لأنه في اللحظة التي تكتمل فيها سيطرة الجيش العربي السوري على هذه المنطقة من الحدود ستسقط فورا خطة العزل الأميركي ، و سيتحقق الاتصال الاستراتيجي بين سورية و العراق و منها إلى ايران برا .
ونظرا لهذه الأهمية الاستراتيجية الكبرى مارست أميركا وبكل وقاحة وصلف عدوانها على الوحدات السورية المتجهة إلى الحدود، وحاولت ان تعرقل العملية العسكرية السورية، ولكن سورية التي رفضت الإنذارات الأميركية الوقحة وأصرت على متابعة المهمة ومصرة على إنجازها مهما كان الثمن، وها هي اليوم باتت على بعد بضعة عشرات من الكيلومترات من الحدود وتندفع بثقة وبقوة لاجتيازها وصولا إلى نعي خطة العزل الأميركي التي لن يسمح محور المقاومة بنجاحها.
أما عن التغيير في هوية الصراع في المنطقة، فإن محور المقاومة يدرك أن كل ما تغير اليوم في السلوك الخليجي من القضية الفلسطينية وإسرائيل، هو الانتقال من العمل السري المتكتم عليه إلى العمل المكشوف الصلف والوقح، وأن هذا التحول مهما علا في فجوره فإنه لن يسقط القضية الفلسطينية ولن يشرع الاحتلال للأراضي العربية في أي مكان، وان نتائج المواجهة على الساحة السورية ستحدد وجه المنطقة ونظامها الإقليمي كما ان من رحمها يولد الآن النظام العالمي الجديد القائم على التعددية القطبية.
قبل ستة أشهر قلنا إن معركة حلب ستحسم أمورا ًكثيره حول الأزمة السورية، وهي قد لا تنهي الحرب، لكنها تسقط خطة استهداف سورية وتقسيمها، وانتصرت سورية في حلب، وأسقطت الخطط التي استهدفتها، واليوم نقول إن معركة السيطرة على الحدود السورية العراقية ستسقط آخر ما في جعبة أميركا من خطط شيطانية عدوانية، ولهذا رفضت سورية وترفض، بعنفوان صاحب الأرض والحق، التهديدات والإنذارات الأميركية الوقحة التي تبتغي منها أميركا منع تقدم الجيش العربي السوري إلى الحدود الشرقية، وهو صاحب الحق الحصري بالعمل عل الأرض السورية، رفضاً عبرت عنه القيادة السورية وضوحاً بعبارة قاطعة "أرضنا لنا لن نتركها لأحد" ونرفض كل وجود أجنبي عليها لأنه عدوان بكل المعايير، ما لم يكن بطلب و رضى سوري، وأهل العدوان يعرفون كيف تواجه سورية عدوانهم، وتنتصر كما صمدت لنيف وست سنوات ومنعتهم من تحقيق أهداف عدوانهم.