قال البرفسور "إيال زيسر" رئيس دائرة الدراسات الشرقية بجامعة "تل أبيب" إنّ الأردن يمثل السور الواقي الذي يحمي "إسرائيل" من ناحية الشرق، ويعتبر المنطقة الأمنية التي تفصلها عن إيران وتنظيم الدولة، وأن الملك وجيشه وأجهزته الأمنية هم المسئولون عن استتباب الهدوء على الحدود الشرقية.
ويعود الفضل لهم في ازدهار المشاريع الاقتصادية لـ"إسرائيل" على طولها، مشددا أن العلاقات الثنائية لم تكن في يوم من الأيام أقوى مما هي عليه هذه الأيام، رغم أن الارتباط الأمني بينهما لم ينجح بإقناع الرأي العام الأردني بتغيير مواقفه من "إسرائيل"، لأنه لا يوجد في العالم العربي جمهور يبدي بشكل كبير كراهية لها كالجمهور الأردني، مما يدفع قيادة المملكة لمحاولة المناورة أمام الجمهور، ويمكن هنا تفهم تصريحات الملك المنددة بالسياسة الصهيونية في القدس.
فيما قال "يوسي احمئير"، مدير عام ديوان رئيس الوزراء الأسبق "إسحاق شامير"، إن "إسرائيل" تعمل في الخفاء بكل ما أويت من قوة من ضمان بقاء النظام الأردني، لأنه لن يكون بإمكان "إسرائيل" أن تحلم بدولة جارة أفضل من الأردن، وأن العلاقات الاستراتيجية بينهما تشهد تطوراً متلاحقاً.
وقال الصحافي "جاكي خوجي" المتخصص في الشئون العربية أن جملة التصريحات الصادرة عن المسئولين الأردنيين التي تنتقد سياسات "إسرائيل"، لم تحل دون مواصلة تطور وتعاظم تبادل المعلومات الاستخبارية، والتعاون الأمني، وزيادة وتيرة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، واصفاً الأردن بـ"جزيرة استقرار في بحر متلاطم"، و"إسرائيل" معنية تماماً بمواصلة التعاون معه.
فيما أوضحت "سمدار بيري" الخبيرة الصهيونية في الشئون العربية، أن القصر الملكي أراد أن تمر الذكرى السنوية لاتفاق السلام بدون احتفالات، بدون حلقات خاصة في التلفاز، وبدون مقابلات، ويريد أن يبقى كل شيء تحت البساط، من خلال اتفاق سلام استراتيجي يدور بين أجهزة متناظرة في عمان وتل أبيب، ويحافظ على الحدود الطويلة، ويساهم في تفكيك عبوات أمنية في المملكة.
وأضافت: في نظرة للوراء 20 عاما منذ توقيع اتفاق وادي عربة، فإن الجانبين حظيا باتفاق، لكنهما أضاعا الفرصة، يوجد سلام، وسفير أردني في تل أبيب، وسفير صهيوني بمكان محصن في عمان، اكتشف الصهاينة البتراء والعقبة، ومئات العمال الأردنيين يعملون في إيلات، وحول العمل الأمني سنستمر في عدم الحديث، فالأجهزة تعمل عملا جيدا، ومن يعرف الحقائق يستمر في الصمت، 20 عاما ونحن مدينون للأجهزة الأمنية في عمان بحياة آلاف الصهاينة.
فضيحة التجسس
وأوضحت أن الأردن أراد تعزيز فرص السلام القائمة بتسارع على سائر الجبهات: السورية واللبنانية والفلسطينية، وصولاً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، جوهر الصراع، وبما يسمح بتحليق معاهدة سلام ثانية عربية صهيونية بعد مصر 1979، وفتح الباب أمام تطبيع شامل رسمياً، ثم شعبياً، لكن اليوم، تمر الذكرى دون صخب، وسط برود على السطح لا يعكس عمق الروابط الرسمية المتذبذبة.
وأشارت إلى أنه بعد عقدين في مختبر تجارب السلام، تغيب إنجازات سياسية أو اقتصادية ملموسة لدى الأردنيين، نصفهم من أصول فلسطينية متأثرين بحرائق الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن علاقات التعاون الثنائي بين الحكومتين مستمرة، خصوصاً في الشق الأمني والمائي والاقتصادي، وفي مفارقة مع حال العداء وشح التواصل بين الشعبين وتذمر الرسميين المعلن من موقف "إسرائيل" المتشدد حيال حل الدولتين، ومسألة القدس والأوقاف.
ومع ذلك، فإن العلاقات الرسمية تأرجحت، ومرت بفترات حرجة، لكنها ستستمر حالها حال أي علاقات ثنائية، وفق مسئولين ودبلوماسيين، فمعاهدة السلام خط أحمر للأردن الرسمي، المتحالف استراتيجياً مع أمريكا، راعية "إسرائيل"، لكن المنغصات لن تختفي، وآخرها فضيحة استخراج أجهزة تنصت وتدميرها زرعها الجيش الصهيوني في جبل عجلون ومناطق أخرى قبل 4 عقود، والإعلان المتأخر عن هذه الأجهزة أطلق تساؤلات حيال دوافع صمت تل أبيب عن هذه "الدفائن" لدى توقيع المعاهدة، كما زاد شكوك الأردنيين حيال نوايا "إسرائيل"، وعمّق الشعور بأنها المستفيد الأكبر من السلام.
في نفس الوقت، فإن التبادل التجاري قائم بين عمان وتل أبيب، وإن سجّل تراجعاً في السنوات الـ3 الأخيرة، فحجم المستوردات من "إسرائيل" انخفض للثلث من 232 مليون دولار عام 2009 إلى 96 مليون دولار في 2013، أما الصادرات فراوحت عند 64 مليون دولار عام 2013، هبوطاً من 66 مليون دولار في 2009، والمفارقة أن غالبية البضائع الصهيونية واصلت طريقها لدول خليجية، بعد تمويه بلد المنشأ.
كما أن غالبية المصانع الصهيونية في المناطق الاقتصادية المؤهلة لأن تستفيد من مزايا التصدير لأمريكا، أغلقت أبوابها أو قلّصت إنتاجها بعد أن وقّع الأردن اتفاق تجارة حرة مع أمريكا، ولا يفضل رجال أعمال صهاينة الاستثمار في المملكة بسبب رفض المحامين الأردنيين التعامل معهم، وسط اشتداد حملات مقاومة التطبيع على الجبهة النقابية والمطالبات الحزبية والنقابية بطرد السفير.
أما التعاون الأمني والعسكري فهو على أشدّه بين عمان وتل أبيب، لحماية الحدود المشتركة مع سورية، وفي أحيان كثيرة للبحث عن سياح صهاينة ضلّوا سبلهم على متن سيارات دفع رباعي، كما حصل قبل أيام في جنوب الأردن، ويتعاون البلدان لمواجهة خطر تنظيم "داعش" المطل برأسه من العراق وسورية.
وبموازاة إنعاش الاقتصاد الصهيوني، يفترض أن يحل عقد بيع الغاز معضلة الأردن الاقتصادية، إذ تخسر شركة الكهرباء 5 ملايين دولار يومياً منذ انقطاع الغاز المصري، وتبقى تفاصيل الاتفاق سرية، وسط معارضة الأردنيين للاعتماد على مصدر طاقة وحيد، وبالتحديد منح "إسرائيل" مفاتيح تحكم بأمن الأردن الاقتصادي، كما أن ذلك يتطلب مد خط ناقل ومفاوضات.
في الأثناء، يستمر سفر أردنيين إلى "إسرائيل"، غالبيتهم تبتغي زيارة عائلاتها الممتدة هناك وفي الضفة الغربية، كما يتواصل قدوم إسرائيليين رغم تحذيرات حكومتهم من السفر إلى عمان، ويستخدم آخرون الطيران الأردني للسفر إلى الشرق الأقصى، وبعضهم يقضي أياما في وادي رام والبتراء، في 2013، دخل الأردن 70.940 ألف صهيونياً، وقرابة 20 ألفاً خلال الأشهر التسعة الأولى هذا العام، فيما منحت السفارة الصهيونية 11 ألف تأشيرة لأردنيين.
وختمت بالقول: صحيح أن السلوك الصهيوني في القدس يخيل أنه يطعن الأردن في الصميم، ويهدد أمنه واستقراره، ويرفع أصوات سياسيين، نشطاء، كتاب بضرورة البحث فيما قدمه من تنازلات، والعمل على استردادها، لكن ذلك يظل تفاصيل أمام حقيقة أن معاهدة السلام باقية، ولا مصلحة لعمان في فك التحالف الاستراتيجي السياسي والأمني مع واشنطن و"إسرائيل"، وإن شابت العلاقات الثنائية منغصات، فالبدائل ليست أفضل وسط زلزلة التحالفات الإقليمية والدولية.
المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني
ترجمة مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية