إن لفنون السياسة الكثير من الخدع العقلية ومهارات حصر التفكير الجمعي في قوالب خاصة والمراد منها توجيه المجتمع نحو مسار واحد , ومن ضمن تلك الخدع هو ما يسمى (بالحدود القطرية) وهي أحد انواع تدخلات الاستعمار في مصير الشعوب المستضعفه .
نحتاج في بادئ الأمر إلى تنويه عن (الحدود الحقيقية):
كل أمة من الأمم تنتهي حدودها مع آخر قرية لهذه الأمة، مثلاً فرنسا تنتهي حدودها مع آخر بلدة تتكلم الفرنسية، وكذلك بلاد الصين وروسيا واليابان و بلاد الفرس و من المفترض بلاد العرب كذلك.
ولكن الرغبة في التوسع والسيطرة على الآخر سعت لخلق حدود غير حقيقية وكما يسمونها (الحدود القطرية أو الوطنية) وإطلاق مسميات غير قومية , لكي تكون أكثر ملائمة مع الواقع الجديد . مثلا بلاد فارس هذه الامبراطورية الموغلة في القدم وبعد التقدم الحضاري للمجتمع البشري اصبح من غير اللائق ان تبقى بهذا الاسم لأنها تضم أكثر من قومية في أطرافها فيجب ان تسمى بأسم آخر يتلائم مع الحدود الوهمية لها فأطلقوا اسم إيران لتشمل كل القوميات التي تسكن فيها ولكن تبقى لغة الدولة وهويتها هي الفارسية .
هذا ما تقوم به الدول التي تتوسع على حساب أمم أخرى بشكل مباشر , أما الاستعمار غير المباشر فهو خلق حدود غير حقيقية أيضاً لتفتيت هذه الأمة التي تعاني من ضعف حضاري في فترة تاريخية معينة وتقسيمها الى دول اصغر وضم قوميات أخرى لهذه الدولة من أجل سلخها من الأمة الأصل , وتأطير هذه الدولة بحدود ليست في الجغرافية فقط و إنما في العقلية الجمعية لهذه المجتمعات من أجل أن تمنعها من العودة مع بعضها كأمة واحدة حتى تبقى مقسمة وضعيفة ويسهل استعمارها ونهب خيراتها، وهذا ما حدث مع الأمة العربية , ولحد الآن ما يحكم تفكير المجتمع العربي هو هذه الحدود الوهمية تحت مسمى القطرية .
لا يكون الاحتلال بالتواجد الخارجي للأجنبي فقط، ولكن قد يحصل الاحتلال عندما يحتل عقولنا من الداخل ويتحكم بضمائرنا، فعلينا كسر هذه القيود والعودة الى (حدودنا الحقيقية) وتلاحم الجسد الواحد من المحيط الى الخليج، والخلافات لا تمنع من ذلك لأنها مفتعله وغير حقيقية مثل حدودهم التي رسموها في عقولنا قبل أن تكون على أراضينا .