هل هو غضب الله على بلادنا العربية؟! أن تُبتلى فى أقل من خمس سنوات بكل هذا الإرهاب الدامى فيقتل ويهجر الملايين وتدمر مئات المدن والقرى مع هدم الآثار وحتى قبور الصحابة!!، هل هو غضب الله على أمة كان يحكمها «مستبدون طغاة» فابتليت بشياطين يقولون عن أنفسهم إنهم دعاة، حراس للإسلام، حماة لدين الله، وأن وسيلتهم فى ذلك هى الذبح والحرق؟ إن المتأمل لحال أمتنا العربية وبلادها المركزية «العراق – سوريا – مصر – ليبيا» يجدها قد ابتليت بهؤلاء الشياطين، وبالقطع ليس الأمر أمر غضب من الله علينا، بل هو اختبار منه لنا، لكى نصحح الدين ونخلصه من «الدواعش» فى الفكر والواقع، دواعش الإرهاب باسم الدين، وهو منه براء.
■ فى هذه السطور نحاول أن نقترب من الأصول الفكرية لقضية الإرهاب باسم الدين والذى تمثله اليوم خير تمثيل، داعش وأخواتها، ونحاول أن نعود إلى الجذور وأن نحرر الإسلام من هكذا دعوات ضالة ومضلة.
■ بداية يهمنا الإشارة إلى أن كل الشعوب وكل الديانات عرفت الإرهاب المتسربل باسم الدين، وطبعا كل الأديان السماوية بريئة من الإرهاب وفكر الإرهاب الذى ترمز له الآن وبوضوح «جماعة داعش وأخواتها»، لأنه ليس من الدين، إن الله سبحانه وتعالى لم يطلب قتل الناس لإقامة الخلافة، إنه سبحانه وتعالى طالب حتى من الأنبياء بقسر هداية الناس على اعتناق الدين، ولم يطلب قتلهم تحت أى ذريعة حتى لو كانت ذريعة التقوى، إن الإرهاب الذى قام به أفراد من المسلمين وادعوا زورا وبهتانا أنهم يمثلون المسلمين، يعد أسوأ أمراض الساحة الإسلامية والعربية اليوم بل تعداه إلى دول أوروبا، إن بلادنا العربية تسود أجواءها الآن حالات الصراع والخصام الداخلى، وسعى بعض الجهات لممارسة دور الوصاية على أفكار الآخرين. فما تراه هى هو الحق المطلق الذى لا يجوز لأحد الخروج عليه، وإلا استحق النَّبذ والطرد، والمحاصرة والإلغاء، وأصبح مستهدفاً فى وجوده المادى والمعنوى، وخير ممثل لهذه الحالات هم الإخوان قبل وبعد30/6 والتيارات الداعشية السلفية بكل ألوان طيفها.
نجد ذلك واضحاً – أيضاً - فى الخلافات المذهبية، حيث تتبادل الأطراف مع بعضها تُهَم التكفير والتبديع والمروق من الدين، ويجرى التحريض على الكراهية فى أوساط الأتباع، وقد يصل الأمر إلى إباحة هدر الدماء وانتهاك الحقوق والأعراض. كما هو الحال بين سنة وشيعة العراق اليوم للأسف الشديد.
كما نجد ذلك على مستوى الخلافات داخل المذهب الواحد، حين تتعدَّد المدارس، وتختلف الآراء فى بعض التفاصيل العقدية والفقهية فى إطار المذهب نفسه. كما يظهر فى خلافات الفرق المنتسبة زوراً إلى السلفية فى بلادنا!!.
إن اعتقاد كل طرف صواب رأيه وخطأ الرأى الآخر أمر مقبول، بناءً على مشروعية حق الاجتهاد، لكن إنكار حق الطرف الآخر فى الاجتهاد وإبداء الرأى، والتعبئة ضده بالتشكيك فى دينه والحكم بفساد نيته، هو منزلق خطير يؤدى إلى تمزيق الساحة الدينية، وتشويه سمعتها، ودفع أبنائها إلى الصراع والاحتراب، كما حصل بالفعل فى كل من مصر وسوريا والعراق وليبيا بعدما سمى زوراً وكذباً بالربيع العربى!!.
■ إن التعبير عن الرأى الاجتهادى عقديّاً وفقهيّاً ضمن الضوابط المقررة أمر مشروع، وحق مكفول للجميع، ولا يصح أن تحتكره جهة وتصادره من الآخرين، فإن ذلك إرهاب فكرى، وإغلاق فِعليٌّ لباب الاجتهاد، وحرمان للساحة العلمية من الثراء المعرفى. وهذا هو عين ما تقوم به داعش وأخواتها فى جميع بلادنا الإسلامية اليوم «2016».
إن مواجهة الجماعات الإرهابية فى مواقفها وأطروحاتها المنحرفة التى تخالف المعتقدات السائدة، والاتجاهات الفقهية المشهورة، تحتاج إلى خطط علمية وسياسية وجهادية طويلة المدى مستندة إلى صحيح الدين واستنارته وليس إلى الفتاوى الوهابية التى تساعد على خلق الإرهاب حوله.
إن تمزيق صفوف المؤمنين من قبل داعش وأخواتها وتحويل ساحتهم إلى خنادق للصراع والاحتراب، ودفعهم إلى انتهاك حرمات بعضهم بعضاً، وإسقاط كل طرف وتشويهه وقتله لرموز وشخصيات الطرف الآخر، له جريمة فى حق الإسلام لا تنمحى!!.
■ إن تعاليم الإسلام وأخلاقياته، وسيرة النبى والأئمة والصحابة الأخيار لا تقبل مثل هذه الأساليب الوحشية، فالإرهاب أول ما بدأ كان فى البلاد الإسلامية نفسها، فى البداية لأسباب مختلفة ولكنها تعود لأصل واحد هو الفهم الخاطئ والتأويل المنحرف لآيات القرآن الكريم، والتى تذهب لغير المعانى التى يجب فهمها على حقيقتها القرآنية، فلقد شهدت أغلب الدول الإسلامية، وبصفة خاصة منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين، وليس فى سنوات ما سمى زيفاً بالربيع العربى بدءاً من 2011، ظاهرة الإرهاب باسم الدين يمكن تتبع جذورها وامتداداتها عبر التاريخ الإسلامى بخبراته ومراحله المختلفة، واتخذت هذه الظاهرة صورا وأشكالا متعددة، ثقافية وفكرية، اقتصادية واجتماعية، سياسية وسلوكية، وقد تضمنت الكتابات والدراسات التى تناولت هذه الظاهرة مجموعة ضخمة من المصطلحات لتعريفها، منها على سبيل المثال: الإسلام السياسى، ويقصد به توظيف الإسلام لتحقيق أهداف سياسية، والإسلام التقدمى وهو الذى يتضمن تطبيق الاشتراكية ولا يتعارض مع التحديث، والإسلام التقليدى وهو الذى يتعارض مع العلمانية والتحديث، وإسلام الصحوة، والإحياء الإسلامى والأصولية الإسلامية وغيرها.
إن هذه الجماعات تختلف فى الدرجة ولكنها عندما تصل إلى الحكم والسلطة تكون واحدة ويكون عنفها شديداً تجاه الآخر وإذا لم تصل إلى السلطة كما هو حال داعش – فى سيناء على سبيل المثال - فإنها تمارس القتل والذبح باسم الدين، ولنتأمل تعاملهم مع «السياح» فى بعض البلاد الإسلامية التى ابتليت بالإرهاب ولنتأمل كذلك تعاملهم مع أصحاب المذاهب الأخرى وتبريرهم للقتل واعتبارهم أن ذلك هو الطريق الصحيح إلى الله، والله سبحانه وتعالى برىء مما يفعلون.
إننا أمام اختبار من الله فى بلادنا العربية ضد هذه الجماعات لكى نتبرأ منها، ونقاومها وبخاصة فى مصر «سيناء» وفى العراق وسوريا وليبيا، إنها لا تدمر البلاد فحسب ولكنها تدمر الإسلام ذاته حين تحارب باسمه، المطلوب فوراً المواجهة وبناء استراتيجية للمقاومة يكون هدفها هو «الإسلام»، وصحيح الدين، لأن الإسلام خسر كثيراً بسبب هذه الجماعات الإرهابية، وكسب أعداءه كثيراً وبخاصة «الصهاينة» الذين يعدون فى نظرى أكبر حلفاء داعش ومستخدميها، وستثبت الأيام القادمة ذلك، إن الصهاينة فى فلسطين باتوا يقدمون الآن أنفسهم باعتبارهم أهل «تسامح» ودعاة ديمقراطية أمام الوحش «الإسلامى» وهذا هو أحد أبرز مكاسبهم من ظهور وانتشار داعش، إنه الخلل الكبير الذى طال الإسلام، وقيمه فى منطقتنا العربية بسبب هذا الإرهاب، هنا مطلوب، من القوى الإسلامية المستنيرة وبخاصة الأزهر الشريف، أن تتقدم وتعلن راية الحرب على هذا الإسلام الداعشى حماية للإسلام المحمدى ودفاعاً عن القيم العظيمة التى أرساها الله سبحانه وتعالى باسم هذا الدين عبر الألف وأربعمائة عاماً الماضية، إن المعركة طويلة ولكن لابد من خوضها. حفظ الله مصر، حفظ الله الإسلام!!.