مقدمة:
جرائم الاغتيالات الإسرائيلية لقادة فصائل المقاومة الفلسطينية من أهم دعائم وركائز إنشاء إسرائيل، فقد بدأت قبل عام 1948م، حيث تم إنشاء الموساد عام 1937م، وتم انشاء ما يسمى مقاتلو الحرية (ليتحي)، وكانت أبرز عملياتهم اغتيال الوسيط الدولي السويدي الجنسية، فولكا برندوت، واتخذت طريقة لملاحقة الحركات الجهادية والنضالية، وكانوا سابقين في اللجوء لهذا النوع من العمليات السرية والعلنية، وأصبحت نمطاً إسرائيلياً تقليدياً، تجاوز كافة الأعراف الدولية والانسانية، لهدفين التأكيد على تفوق الكيان الصهيوني الاستخباري وإرهاب الجانب العربي.
لذلك فأن عمليات الاغتيال والتصفيات والمجازر التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية تُعتبر جزءاً لايتجزأ من الفكر والعقيدة اليهودية، وورث الجيش "الإسرائيلي" أفكار وممارسات وأساليب خبرة المنظمات اليهودية الإرهابية المسلحة، وأصبح قادة هذه المنظمات رؤساء وزارات ووزراء وقادة في الدولة والجيش والمجتمع الإسرائيلي([1]).
وقد تجاوزت هذه الاغتيالات الأرض الفلسطينية، وامتدت للعديد من الدول العربية والأوربية، وقد اختلفت آليات التنفيذ بين القتل الجائر واستعمال الطرود المتفجرة والسيارات المفخخة، وكذلك الطائرات والمواد السامة والهواتف النقالة، فالصهاينة يفتقرون إلى أية اعتبارات إنسانية أو أخلاقية فى سياق حربهم المعلنة ضد الشعب الفلسطينى، ورغبتهم فى اغتيال شخص ما تبرر لهم قتل عشرات المدنيين ومحو منطقة سكنية بأكملها عن خارطة الوجود([2]).
دأبت القوات الإسرائيلية بين الحين والأخر علي القيام باغتيال قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، أخرها اغتيال القائد محمود المبحوح في يناير الماضي بدبي، تحت مزاعم باطلة وحجج زائفة، لا تمت للحقيقة من قريب أو بعيد، وقد رأينا أن نعرض ذلك علي القانون الدولي المعاصر، لنري حكم هذه العمليات في القانون الدولي، فكانت هذه الدراسة التي نتعرض فيها لبيان حكم عمليات الاغتيال لقادة فصائل المقاومة الفلسطينية في القانون الدولي، وسوف نتناول موضوع الدراسة في البنود التالية:
أولا: أشهر الاغتيالات الإسرائيلية.
ثانيا: في القانون الدولي العام.
ثالثا: سياسة الاغتيالات الإسرائيلية في القانون الدولي الإنساني.
رابعا: سياسة الاغتيالات الإسرائيلية في القانون الدولي الجنائي.
خامسا: سياسة الاغتيالات في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
أولا: أشهر الاغتيالات الإسرائيلية :
وفي أربعينيات القرن قبل الماضي، لجأت إسرائيل الى أسلوب الطرود المفخخة، التي كانوا يرسلونها الى شخصيات عربية وفلسطينية بغرض تصفيتها أو اعاقتها جسدياً، واستخدموه أيضاً لاغتيال بعض الضباط والجنود الانجليز في مصر، وقُتل بهذا الأسلوب العشرات من الانجليز، وشهدت سنوات الأربعينيات اعتقال العديد من الصهاينة الذين نفذوا هذه العمليات ومنهم الياهو حكيم، والياهو بيت شوي، اللذين أعدما شنقاً في العاصمة المصرية، بعدما ثبت تورطهما في مقتل اللورد موين.
وأشهر عمليات الاغتيال الصهيونية: قام الصهاينة باغتيال العديد من القادة والعلماء من جنسيات مختلفة وفي دول مختلفة كان العرب أكثرهم واشهرهم:
- في 20 نوفمير 1935 استشهد الشيخ عز الدين القسام.
- في عام 1941م عقدت صفقة بين بريطانيا والأنسل لاغتيال الحاج أمين الحسيني.
- في 17/9/1948اغتيال الكونت برنادوت بسبب مقترحاته السياسية التي دعت إلى إعادة اللاجئين الفلسطينيين، وقد نفذ عملية الاغتيال آنذاك حركة شتيرن الإرهابية التي تزعمها اسحق شامير.
- عام 1951م فى سان فرانسيسكو في الولايات المجرمة الأمريكية، تم اغتيال الدكتورة سميرة موسي المصرية فى حادث سيارة مفتعل 1951 واشتهرت الدكتورة بأنها صاحبة اطروحة دكتوراه لدراسة استخدام المواد المشعة في جامعة اوكردج0
- عام 1956م تم اغتيال الضابط المصري مصطفى حافظ من خلال طرد مفخخ انفجر بين يديه، وفى نفس العام تم اغتيال الضابط المصرى صلاح مصطفى الذى كان يعمل ملحقاً عسكرياً بالسفرة المصرية بالاردن بتفجير فيه طرد بريدى وهو يمارس مهام عمله بعمان.
- عام 1963م كان اسحاق شامير رئيس الذراع العسكرية لمقاتلو الحرية، وأرسل طروداً مفخخة الى شخصيات ألمانية اعتبرها الكيان الصهيوني ساعدت مصر في برنامجها الصاروخي، وقُتل العديد من الألمان في هذه العمليات.
- عام 1972 اغتال الموساد القائد الفلسطيني غسان كنفاني أحد أهم القياديين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
- عام 1973 نفذت قوة كوماندوس صهيونية باغتيال ثلاثة قادة فلسطينيين هم: أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر.
- عام 1973م اغتال الموساد المسؤول الفلسطيني في حركة فتح محمد بوديا من خلال تفجير سيارته.
- عام 1975م اغتال الموساد محمود الهمشري مؤسس قوة الـ17 الفلسطينية في باريس من خلال عبوة متفجرة وقعت في هاتف بيته.
- عام 1979م اغتيال الموساد ابو حسن سلامة، قائد قوة الـ"17" في بيروت، بتفجير عبوة متفجرة بالقرب من سيارته عبر جهاز لاسلكي.
- في عام 1988م اغتالت وحدة كوماندوس المسؤول الفلسطيني أبو جهاد وذلك في العاصمة التونسية، وقد اطلق المهاجمون 70 رصاصة على أبو جهاد للتأكد من مصرعه.
- في عام1989 أقدم الصهاينة على خطف الشيخ عبد الكريم عبيد من بلدته جبشيت في جنوب لبنان.
- في عام 1990م اغتال الموساد العالم الكندي جارلد بول، في شقته في بروكسل بحجة التعاون مع العراق في تطوير المدفع العملاق العراقي.
- في عام 1992 اغتالت طائرات الأباتشي الصهيونية الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي مع زوجته وابنهما.
- في عام1995 اغتال الموساد أمين عام حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين الدكتور فتحي الشقاقي في مالطا لدى عودته من زيارة لليبيا.
- في عام 1996 اغتيل القائد الفلسطيني في حركة "حماس" يحيى عياش في منطقة غزة بوضع مادة متفجرة في هاتفه النقّال.
- في نوفمبر من عام 2000 أطلق الجيش الإسرائيلي النار على ثابت ثابت المسؤول في حركة فتح.
- في يوليو من عام 2001 تم اغتيال اسامة جبارة من فتح، وكذلك العديد من قادة حماس والجهاد الاسلامي أبرزهم جمال منصور وعمر سعادة.
- في أغسطس من عام 2001 اغتيل أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مكتبه من خلال قصفه بصواريخ موجهة من "طائرات الأباتشي.
- ومنذ عام 2002 وهى تحاول اغتيال العديد من قادة حماس بالذات وعلى رأسهم عبد العزيز الرنتيسى القيادى البارز فى الحركة مروراً بمحاولة اغتيال الشيخ أحمد ياسين فى سبتمبر 2003 وحتى اليوم الذى نجحت فيه فى قتل الشيخ المجاهد بعد ان أدى صلاة الفجر ليقابل ربه كما كان يتمنى دائماً وربه.
- في 19 يناير 2010م اغتيال القيادي محمود المبحوح في دبي.
أول عملية اغتيال نفذّتها إسرائيل خلال الانتفاضة استهدفت حسين عبيات، مسؤول تنظيم "فتح" في بيت لحم (9/11/2000). ومن أبرز عمليات الاغتيال استهداف كل من ثابت ثابت، مسؤول تنظيم "فتح" في طولكرم (31/12/2000)، وجمال منصور وجمال سليم القياديين في حماس، في نابلس(31/7/2001)، وأبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برام الله (23/8/2001)، وعاطف عبيات، من قادة كتائب الأقصى (فتح) في طولكرم (24/10/2001)، ومحمود أبو هنود، من قادة كتائب القسام (حماس) في23/11/2001، ورائد الكرمي، قائد كتائب الأقصى (14/1/2002)، وصلاح شحادة، قائد كتائب عز الدين القسام (22/7/2002).
أن العدد الإجمالى للشهداء الفلسطينيين الذين تم اغتيالهم على يد قوات الاحتلال الصهيوني فى الضفة الغربية وقطاع غزة وخارج فلسطين إبان انتفاضة الأقصى من تاريخ (28/9/2000) وحتى (31/12/2003) قد بلغ 438 شهيداً. وقد تبوأت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مرتبة الصدارة بصدد عدد الشهداء المغتالين، بواقع 159 شهيداً وهو ما نسبته (36.3%) من إجمالى عدد الشهداء المغتالين، فيما حلّ المواطنون العاديون (الذين لا ينتمون إلى أية جهة سياسية أو تنظيمية واستشهدوا بشكل عرضى وغير مقصود) فى المرتبة الثانية بواقع 143 شهيداً وهو ما نسبته (32.6%) من إجمالى عدد الشهداء المغتالين، وحلّت حركة التحرير الوطنى الفلسطينى "فتح" فى المرتبة الثالثة بواقع 70 شهيداً وجاءت حركة الجهاد الإسلامى فى المرتبة الرابعة بواقع 42 شهيداً بينما حلّت لجان المقاومة الشعبية فى المرتبة الخامسة بواقع 9 شهداء وهو ما نسبته (2.1%) من إجمالى عدد الشهداء المغتالين، وجاءت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فى المرتبة السادسة بواقع 8 شهداء فيما حلّ المواطنون المقاومون (المستقلون الذين لا يتبعون أية جهة سياسية أو تنظيمية) فى المرتبة السابعة بواقع 4 شهداء ثم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
فلو تتبعنا الاغتيال السياسي الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، نجد بأنه لم يكن يوما حصرا على المقاتلين. ووفقا لتقرير لمركز المعلومات والإعلام أعده خالد الحلبي وصل عدد جرائم الاغتيال السياسي التي اقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق قادة سياسيين وناشطين فلسطينيين، منذ بدء الانتفاضة في 28/9/2000، وحتى 30/4/2004، إلى (177) جريمة في الضفة الغربية وقطاع غزة بمعدل جريمة كل أسبوع. راح ضحيتها (374) مواطن فلسطيني، بينهم (239) من المستهدفين(بينهم 5 أطفال). وسقط في هذه الجرائم (135) مواطناً غير مستهدفين، تواجدوا مصادفة في مكان الجريمة، بينهم (45) طفلاً و(14) امرأة، و(18)شيخ. كما بلغ عدد المصابين في تلك الجرائم (787) مواطناً، بينهم (41) مستهدفاً، إلى جانب (746) غير مستهدفين، تواجدوا مصادفة في مكان وقوع الجريمة، تراوحت إصاباتهم بين متوسطة وخطيرة.
ثانيا: الاغتيالات الإسرائيلية في القانون الدولي العام:
تستند إسرائيل في قيامها بعمليات الاغتيال لقادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية إلي الدفاع الشرعي طبقا للمادة(51) من ميثاق الأمم المتحدة، بدعوي أنها تمارس الدفاع الشرعي، هذا التبرير مخالفة صريحة للقانون الدولي، لأن الدفاع الشرعي المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، يستوجب لإعماله وقوع هجوم مسلح علي الدولة التي تستخدم الدفاع الشرعي، وهذا لم يحدث في هذه الحالة لأن إسرائيل دائمة الاعتداء علي الفلسطينيين، مما يبيح لفصائل المقاومة الفلسطينية - والتي تعد طبقا للقانون الدولي حركات تحرر وطنية- حق الدفاع الشرعي([3])، وطبقا للقاعدة القانونية المستقرة في القانون الدولي وفي كافة الأنظمة القانونية الموجودة في العالم التي تنص علي (لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي) والقاعدة التي تنص علي (لا مقاومة لفعل مباح) ولا يجوز للكيان الصهيوني وليس له حق الدفاع الشرعي.
هناك العديد من المواثيق الدولية التي تؤكد على شرعية حق المقاومة، كاتفاقية لاهاي لعامي 1899 و 1907، وبروتوكول جنيف لعام 1925، وميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977، وإعلان استقلال البلدان والشعوب المستعمرة لعام 1960، وبعض قرارت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما تمثله هذه المواثيق والقرارات الدولية من شرعية قانونية دولية لحق المقاومة([4]).
كما أن قادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية، هم أفراد حركات تحرر وطني أصبغ عليهم القانون الدولي حماية، خاصة وهي تقاتل لنيل حق الاستقلال ولتقرير حق المصير الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في موضوعين، في المادة (1/2) وفي المادة (55) وفي العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة منها قرار رقم (1514) عام 1960 و القرار رقم (3103) عام 1978، الذي اعتبر ان كفاح الشعوب لتقرير مصيرها كفاحاً مشروعاً يتفق مع مبادئ القانون الدولي العام، وقرارات وممارسات المنظمات الإقليمية، والمؤتمرات الدولية اهمها إعلان الجزائر،الذي أعلن عن الإعلان العالمي لحق الشعوب وذلك عام 1976م، فضلا عن قرارات محكمة العدل الدولية التي أكدت على هذا المبدأ في أكثر من حكم نذكر منها قضية الصحراء الغربية وقضية ناميبيا وقضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة الأميركية، في المحكمة لم تؤكد فقط على هذا المبدأ بل اعتبرته حقاً من القواعد الآمرة من قواعد القانون الدولي العام([5]) التي لا يجوز حتى الاتفاق علي مخالفتها، ويقع كل اتفاق باطل بطلانا مطلقا، ولا يترتب القانون الدولي عليه أي آثار قانونية([6]).
وقد اعترفت إسرائيل بالطبيعة القانونية لأفراد وقادة فصائل المقاومة الفلسطينية، بأنها حركات تحرر وطني، بدليل عقد اتفاقيات هدنة معهم وخاصة مع حماس، فضلا عن تبادل الأسري معهم في سوابق عديدة، مما ينفي عنهم صفة الجماعات الإرهابية التي تطلقها عليهم إسرائيل دون دليل أو مستند من القانون ومخالفة بذلك القانون الدولي، كما أن عمليات الاغتيال هذه وخاصة التي ترتكب خارج الأراضي الفلسطينية في دول عربية وغربية، تعتبر انتهاكا واضحا وفاضحا لمبدأ السيادة، فهي تمثل انتهاكا لسيادة تلك الدول([7]).
ثالثا: الاغتيالات الإسرائيلية في القانون الدولي الإنساني([8]):
القانون الدولي الإنساني مهمته حماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، يتكون من مجموعة مبادئ متفق عليها دولياً ومستقرة في المجتمع الدولي، تدعو إلى الحد من استخدام العنف أثناء النزاعات المسلحة، وحماية الأفراد المشتركين في العمليات الحربية، والذين توقفوا عن المشاركة فيها، مثل الجرحى والمصابين والأسرى والمدنيين بقصد جعل العنف في النزاعات المسلحة محصورا في الأعمال التي تقتضيها الضرورة العسكري([9]).
طبقا لهذا التعريف مصادر القانون الدولي الإنساني هي اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و 1907م، خاصه المواد التي تنص علي الوسائل المسموح بها أثناء النزاعات المسلحة، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م: الأولى المتضمنة حماية الجرحى والمرضى وتحسين أحوالهم في القوات المسلحة في الميدان، والثانية بشأن تحسين حالة الجرحى والمرضى والغرقى في القوات المسلحة في البحار، والثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، والرابعة بخصوص حماية المدنيين وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977م.
والإعلان الدولي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لعام 1974م، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984م والمدونة الخاصة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين 1979م تنص كافة هذه الاتفاقيات عدم حرمان أحد من حياته بشكل تعسفي، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المحاطة بالكرامة.
تعتبر عمليات الاغتيالات لقادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها، مخالفة صريحة لقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني، سواء في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م أو البرتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م([10])، وخاصة المادة (32) من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تنص علي:
( تحظر الأطراف السامية المتعاقدة صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها. ولا يقتصر هذا الحظر على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه والتجارب الطبية والعلمية التي لا تقتضيها المعالجة الطبية للشخص المحمي وحسب، ولكنه يشمل أيضاً أي أعمال وحشية أخرى، سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون.).
والمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والتي تنص علي الآتي( ..... يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية :
1) الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر. ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن :
( أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب).
والمادة (27) من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تنص علي(للأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم. ويجب معاملتهم في جميع الأوقات معاملة إنسانية، وحمايتهم بشكل خاص ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير. ويجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن، ولاسيما ضد الاغتصاب، والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن.).
والمادة (32) من اتفاية جنيف الرابعة التي تنص علي( تحظر الأطراف السامية المتعاقدة صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها. ولا يقتصر هذا الحظر على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه والتجارب الطبية والعلمية التي لا تقتضيها المعالجة الطبية للشخص المحمي وحسب، ولكنه يشمل أيضاً أي أعمال وحشية أخرى، سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون.).
المادة (146) من اتفاقية جنيف الرابعة نصت علي تعهد من الأطراف السامية باتخاذ إجراءات تشريعية ملزمة لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف مخالفة جسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين.
والمادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص علي(المخالفات الجسيمة التي تشير إليها المادة السابقة هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية : القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية).
والمادة (75/2) من البرتوكول الإضافي الأول عام 1977م لاتفاقيات جنيف لعام 1949م والتي تنص علي( تحظر الأفعال التالية حالاً واستقبالاً في أي زمان ومكان سواء ارتكبها معتمدون مدنيون أم عسكريون :
أ) ممارسة العنف إزاء حياة الأشخاص أو صحتهم أو سلامتهم البدنية أو العقلية وبوجه خاص: أولاً : القتل).
وكذلك المادة (85) من البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977م لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والتي نصت علي (1- تنطبق أحكام الاتفاقيات المتعلقة بقمع الانتهاكات والانتهاكات الجسيمة مكملة بأحكام هذا القسم على الانتهاكات والانتهاكات الجسيمة لهذا اللحق "البروتوكول".
2- تعد الأعمال التي كيفت على أنها انتهاكات جسيمة في الاتفاقيات بمثابة انتهاكات جسيمة كذلك بالنسبة لهذا اللحق "البروتوكول" إذا اقترفت ضد أشخاص هم في قبضة الخصم وتشملهم حماية المواد 44، 45 و73 من هذا اللحق "البروتوكول"، أو اقترفت ضد الجرحى أو المرضى أو المنكوبين في البحار الذين ينتمون إلى الخصم ويحميهم هذا اللحق "البروتوكول"، أو اقترفت ضد أفراد الخدمات الطبية أو الهيئات الدينية، أو ضد الوحدات الطبية أو وسائط النقل الطبي التي يسيطر عليها الخصم ويحميها هذا اللحق "البروتوكول".
3- تعد الأعمال التالية، فضلاً على الانتهاكات الجسيمة المحددة من المادة 11، بمثابة انتهاكات جسيمة لهذا اللحق "البروتوكول" إذا اقترفت عن عمد، مخالفة للنصوص الخاصة بها في هذا اللحق "البروتوكول"، وسببت وفاة أو أذى بالغاً بالجسد أو بالصحة :
أ ) جعل السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين هدفاً للهجوم،
ب) شن هجوم عشوائي، يصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية عن معرفة بأن مثل هذا الهجوم يسبب خسائر بالغة في الأرواح، أو إصابات بالأشخاص المدنيين أو أضراراً للأعيان المدنية كما جاء في الفقرة الثانية "1" ثالثاً من المادة 57،)
ج ).................................
د ) .................................
هـ) اتخاذ شخص ما هدفاً للهجوم، عن معرفة بأنه عاجز عن القتال،
و ) .................................
4- تعد الأعمال التالية، فضلاً على الانتهاكات الجسيمة المحددة في الفقرات السابقة وفي الاتفاقيات، بمثابة انتهاكات جسيمة لهذا اللحق "البروتوكول"، إذا اقترفت عن عمد، مخالفة للاتفاقيات أو اللحق "البروتوكول" :
هـ)................................
5- تعد الانتهاكات الجسيمة للاتفاقيات ولهذا اللحق "البروتوكول" بمثابة جرائم حرب وذلك مع عدم الإخلال بتطبيق هذه المواثيق.).
إن الالتزام القانوني الأساسي الذي يرتبه القانون الدولي تجاه إسرائيل كقوة محتله للأراضي الفلسطينية تتمثل في تطبيقها لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م ولكن المشكلة أن إسرائيل لا تعترف بتطبيق مواد هذه الاتفاقية بشان حماية المدنيين وقت الحرب وتبرر ذلك بعدة مبررات منها:
1- أن إسرائيل ليست محتلة لفلسطين وان وضع الأراضي الفلسطينية هو أمر متنازع عليه.
2- أن الأردن كانت صاحبة الوصاية على الضفة الغربية، وان الاحتلال الإسرائيلي هو عمل مشروع في إطار الدفاع عن النفس وهو عمل قانوني، لذلك لا يوجد صلاحية لتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة من الناحية القانونية والعملية.
وتشكل الاغتيالات الإسرائيلية خرقاً فاضحاً لأحكام العديد قواعد القانون الدولي الإنساني، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998م، مما يترتب عليه التزام إسرائيل بالقانون الإنساني الدولي كقوة محتله للأراضي الفلسطينية، وتطبيقها لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م، ولكنها تتهرب منه بكل الوسائل رغم قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بحماية مباشرة في ذلك من الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي حالت دون صدور أي إدانة أو محاسبة لها رغم ارتكابها العديد من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
علما بأن هناك إعتراف إسرائيلي مسجل في وثائق الأمم المتحدة أصدرته حكومتها بتاريخ 22 يونية عام (1967) كأمر عسكري رقم(3) نص علي( تقوم المحكمة العسكرية بتطبيق أحكام إتفاقية جنيف المؤرخة 12 أغسطس عام 1949 الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب فيما يتعلق بالإجراءات القضائية، وفي حالة وجود تعارض بين هذا الأمر والإتفاقية المذكورة تنفذ بنود الإتفاقية) الأراضي الفلسطينية ينطبق عليها جميعاً أحكام القانون الدولي والقانون العام الدولي الإنساني الخاص بالإحتلال العسكري، ولوئح لاهاي عام 1907م، وإتفاقيات جنيف لعام 1949م والبروتوكلان الإضافيان الملحقان بها.
والإعلان الدولي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لعام 1974م خاصة المادة الأولي منه، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984م، والمدونة الخاصة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين 1979م خاصة المادة الثالثة من المدونة، متقضي كافة ما سبق عدم حرمان أحد من حياته بشكل تعسفي، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المحاطة بالكرامة.
وقد اعتبرت منظمة العفو الدولية، جريمة اغتيال الرنتيسي، «جريمة حرب» تنتهك القانون الدولي. وقالت «نيكول شويري» الناطقة باسم المنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: (إن ما أقدمت عليه إسرائيل يعد جريمة حرب في القانون الدولي، ذلك أن سياسة الاغتيالات ليست مبررة; لأنها تخرق مبدأ المحاكمة العادلة والعلانية لأي شخص مدان.... ما حدث للرنتيسي ليس له ما يبرره وبحسب القانون الدولي مرفوض، ونحن في منظمة العفو الدولية نرفضه تماماً).
ترتيبا وتطبيقا لما سبق، يتبين أن عمليات الاغتيالات الصهيونية لقادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية، تعتبر مخالفة صريحة وانتهاك واضح لكافة قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني، كما أنها تشكل جريمة من جرائم الحرب التي نص عليها في المادتين الخامسة الفقرة (ج) والثامنة الفقرة الأولي والثانية (أ/1) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية([11]).
رابعا: الاغتيالات في القانون الدولي لحقوق الإنسان([12]):
الحق في الحياة هوالحق الأساسي للإنسان، بدونه تصبح الحقوق الأخرى سرابا ومجرد أوهام، لذلك فأن لهذا الحق أهمية خاصة في الاحترام والحماية والمحافظة عليه، وأفردت له المواثيق الدولية والقوانين الوضعية، نصوصا قانونية أصبغت عليه حماية قانونية دولية، ومن هنا كان وصف الحق في الحياة بالحق الطبيعي أو الأساسي، الذي لا يجوز التنازل عنه، وهو أسمى من القوانين الوضعية، لأنه هبة الله سبحانه وتعالى لبني البشر، وأساس استمر الحياة علي الكرة الأرضية.
ويحيط القانون الحياة الإنسانية و الحق في الحياة بالحماية من اللحظات الأولى للإنسان إلى مماته، فهذه الحماية تسبغ على الجنين في مراحل تطوره ونشأته وتمتد الحماية القانونية إلى أعضاء الإنسان، لأن الاعتداء عليها يحمل معنى تعطيل حياة الإنسان جزئيا أو كليا، وآيا كان الاعتداء على حياة الإنسان، فهو محل للتأثيم من قبل القانون سواء تطاول الفعل إلى إزهاق روح أو عاهة أو جرح أو اثر ضار وسواء أكان الفعل عن قصد أو غير قصد، علما بأن الحق في الحياة يشمل السلامة الجسدية والسلامة المعنوية وهي حسن المعاملة وعدم استعمال العنف ضد البشر وعدم سلبهم أو التعرض لشرفهم ودينهم أو معتقداتهم أو تراثهم أو إرهابهم و الغدر بهم أو تعريض سلامتهم للخطر([13]).
وكان من نتائج تزايد الاهتمام بهذا الحق نشوء فرع القانون الدولي لحقوق الإنسان، والمختص بدراسة كافة حقوق الإنسان وقت السلم، وصدرت العديد من المواثيق والاعلانات والاتفاقيات تنص علي حماية الحق في الحياة، أهمها المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 التي نصت علي ( لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه) والمادة الخامسة من ذات الإعلان التي نصت علي ( لا يتعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة).
ونص علي حق الحياة أيضا في المادة السادسة الفقرة الأولي من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م، التي نصت علي ( 1 – لكل إنسان الحق الطبيفي في الحياة. ويحمي القانون هذا الحق. ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي.) والسابعة من ذات الإعلان والتي نصت علي( لا يجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو العقوبة أو معاملة قاسية أو غير أنسانية أو مهينة)
والمادة السادسة من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، والمادة الأولى من الإعلان الدولي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لعام 1974، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، والمادة الثالثة من المدونة الخاصة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين 1979م.
وهناك المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الإقليمية للحقون الإنسان والتي فرضت حماية قوية للحق في الحياة، منها الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 1945م المادة الثالثة التي نصت علي( لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وسلامة شخصه ويحمي القانون هذه الحقوق). وكذلك الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 1997م في المادة الخامسة التي نصت علي ( لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي سلامة شحصه ويحمي القانون هذه الحقوق).
ونص الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1979م علي حماية حق الإنسان في الحياة، فنص في المادة الرابعة منه علي( لا يجوز انتهاك حرمة الإنسان ومن حقه احترام حياته وسلامة شحصه البدنية والمعنوية ولا يجوز حرمانه من هذا الحق تعسفا.) والاغتيال يعتبر حرمانا للحق في الحياة بطريقة تعسفية، كما أن الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950م نصت علي حماية حق كل إنسان في الحياة وعدم حرمانه منها، فنصت في المادة الثانية الفقرة الأولي بالقسم الأول منها علي (1 – حق كل إنسان في الحياة يحميه القانون، ولا يجوز إعدام أي إنسان عمدا إلا تنفيذا لحمن قضائي بإدانته في جريمة يقضي فيها القانون بتوقيع هذه العقوبة.).
ونص ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي لعام 2000م علي حماية الحق في الحياة وعدم حرمان أي فرد من حياته، في المادة الثانية الفقرة الأولي علي ذلك فنصت علي( كل شخص له الحق في الحياة.) كما نصت في المادة السادسة علي الحق في الحرية والأمن فقالت( لكل شخص الحق في الحرية والأمن.) والاغتيالات الإسرائيلية فضلا عن أنها تحرم الإنسان من حياته فأنها تهدد قادة وأفراد بقية الفصائل الفلسطينية من الحرية والأمن، لذلك فهي تخالف هذه المادة أيضا.
كما أن الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان الصادر عن منظمة الدول الأمريكية بالقرار رقم (30) الصادر في المؤتمر التاسع للدول الأمريكية عام 1948م في المادة الأولي منه علي الحق في الحياة فنص علي ( كل إنسان له الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.) ونصت أيضا الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969م علي حرمة الحياة وحمايتها فنصت في المادة الرابعة الفقرة الأولي منها تحت عنوان الحق في الحياة فأوردت( لكل إنسان الحق في أن تكون حياته محمية. وهذا الحق يحميه القانون وبشكل عام، منذ لحظة الحمل. ولا يجوز أن يحرم أحد من حياته بصورة تعسفية.).
وتقضي هذه المواد بمجملها بعدم حرمان أي إنسان من حياته بشكل تعسفي، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المحاطة بالكرامة([14]) فالاغتيالات الاسرائيلية تعتبر قتل خارج القضاء ويمثل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان تقضي هذه المواد بمجملها بعدم حرمان أحد من حياته بشكل تعسفي، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المحاطة بالكرامة.
خامسا: الاغتيالات الإسرائيلية في القانون الدولي الجنائي([15]):
بعد أن انتهينا في البند السابق من بيان حكم القانون الدولي الإنساني في الاغتيالات الإسرائيلية لقادة وأفراد حركات المقاومة الفلسطينية، حيث وصلنا في النهاية إلي أنها – أي سياسية الإغتيالات- تعد مخالفة واضحة وانتهاك بين لكافة قواعد القانوني الدولي الإنساني، وأنها تعتبر جريمة من جرائم الحرب، ينبغي علينا عرض هذا الأمر علي قواعد القانون الدولي الجنائي لمعرفة حكم القانون الدولي الجنائي في سياسة الاغتيالات الأسرائيلية.
انتهينا في السابق إلي أن عمليات الاغتيال الإسرائيلية لقادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية، سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلي حين أو خارجها، تعتبر جريمة من جرائم الحرب، طبقا للمادتين الخامسة الفقرة (ج) والثامنة الفقرة الأولي والثانية (أ/1) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لذلك وجب محاكمة من فعلها واشترك فيها، ونبين في هذا البند المتهم في الجريمة أي الفاعل الأصلي والشركاء، كما نبين هنا أيضا من له حق المحاكمة أي الدول والأشخاص الذين يملكون هذا الحق، وما هي المحاكم المختصة بالمحاكمة هل هي المحكمة الجنائية الدولية أم المحاكم الوطنية أو محاكم دولية أو محاكم ذات طابع دولي([16]).
1 – بداية ينبغي أن نبين من المتهم في عمليات الاغتيال الإسرائيلية لقادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية وعلي من تقع المسئولية الجنائية، ليست التي حدثت قريبا لكن نعود بها إلي بدايتها سواء قبل إعلان قيام الدولة أو بعدها وحتي التي سوف تحدث بعد، لذلك لأننا ندرس الفعل ذاته وليس توقيته، لذلك فأن الحكم الذي سوف نصل إليه حكم علي واقعة الاغتيال ذاتها أيا كان المتهم وأيا كان المجني عليه.
وكان وزير الصناعة الإسرائيلي بنيامين بن اليعازر، قد صرح لإذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن العمليات التي ينفذها الموساد يجب أن تنال موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي وحده، فيما ذكرت صحيفة "صاندي تايمز" البريطانية، أن رئيس الموساد مئير داغان، استقبل رئيس وزراء الدولة العبرية، بنيامين نتنياهو في مقر الموساد، الشهر الماضي، حيث التقى أعضاء فرقة قتلة المبحوح قبيل توجهها إلى دبي لقتله، كما أطلعه على خطة اغتيال المبحوح، فقد نفذت عمليات الاغتيال ضد قادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية بموافقة صناع القرار الإسرائيلي على أعلى المستويات، وكان الجنرال افرايم سنيه نائب وزير الدفاع الإسرائيلي سابقا أكد ذلك.
ولعل القرار الذي كانت اتخذته الحكومة الإسرائيلية منذ عام2001 بخصوص سياسة الاغتيالات هو الأوضح والأخطر حيث جاء فيه: "لقد قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر مواصلة سياسة الاغتيالات والتصفيات ضد ناشطين فلسطينيين"، ليعود المجلس الوزاري الأمني المصغر نفسه ليعلن: (أن المجلس الوزاري قرر مواصلة سياسة الاغتيالات للناشطين الفلسطينيين)، موضحاً (أن لا أحد من الفلسطينيين محصن أمام الاغتيال)، وقد وافق عليها شارون وقال (أن سياسة الاغتيالات التي ينتهجها في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية هي الأفضل التي تلبي احتياجات إسرائيل الأمنية) ودافع عنها ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق لـ( تبرير سياسة الاغتيالات الإسرائيلية) وقد باركتها كافة الحكومات الإسرائيلية وأكدت (أن سياسة الاغتيالات المحددة الأهداف التي تتبعها إسرائيل ستسمر).
كما أن الجنرال بنيامين بن اليعازر وزير الدفاع سابقا أعلن موافقته عليها فقال (أن أعمال الإرهاب الفلسطينية لا تترك أمام الحكومة الإسرائيلية خياراً إلا مواصلة سياسة الاغتيالات"، ولم يتأخر المجتمع الإسرائيلي بدوره عن توفير أوسع غطاء لهذه السياسة، حينما "أعرب 75% من الإسرائيليين عن اعتقادهم بضرورة أن تواصل إسرائيل سياسة الاغتيالات أن تواصل إسرائيل سياسة الاغتيالات ضد الفلسطينيين).
وأيضا والجنرال امنون ليبكين شاحاك ففي يوم الإثنين 11/ 1/ 2010، وقال للاذاعة العبرية الرسمية (لا يمكن لاسرائيل انتظار سياسة التصعيد التي تقوم بها التنظيمات الفلسطينية ويجب توجيه ضربات ساحقة وتصفية قياداتها ومخازن السلاح وعدم انتظار تنفيذ عملية كبرى، يجب استهداف قيادات مؤثرة في حماس وبقية التنظيمات الفلسطينية حتى لا نصل الى المواجهة الكبرى والدخول الى قطاع غزة).
مما سبق يتبين أن المتهم في عمليات الاغتيال الإسرائيلية لقادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية، كل من اشترك في الجريمة بداية من رئيس الوزراء ووزير الدفاع وأعضاء المجلس الوزاري الأمني المصغر ورئيس الموساد إلي من نفذ من عملاء الموساد وأفرادها، ولا تمنع الوظيفة الرسمية من المحاكمة والعقاب علي الجريمة، ولا يتمتع أي منهم بحصانة، وقد نص علي ذلك النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة (27) التي نصت علي (1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية, وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص, سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً, لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي, كما أنها لا تشكل في حد ذاتها, سبباً لتخفيف العقوبة.
2- لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي, دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.)
والمادة (28) التي نصت علي مسئولية القادة والرؤساء الآخرين التي تبين مسئولية مل من اشترك في عملية الاغتيال فنصت علي (بالإضافة إلى ما هو منصوص عليه في هذا النظام الأساسي من أسباب أخرى للمسئولية الجنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة:
1- يكون القائد العسكري أو الشخص القائم فعلاً بأعمال القائد العسكري مسئولاً مسئولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين, أو تخضع لسلطته وسيطرته الفعليتين, حسب الحالة, نتيجة لعدم ممارسة القائد العسكري أو الشخص سيطرته على هذه القوات ممارسة سليمة.
أ ) إذا كان ذلك القائد العسكري أو الشخص قد علم , أو يفترض أن يكون قد علم , بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين , بأن القوات ترتكب أو تكون على وشك ارتكاب هذه الجرائم.
ب) إذا لم يتخذ ذلك القائد العسكري أو الشخص جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.
2- فيما يتصل بعلاقة الرئيس والمرؤوس غير الوارد وصفها في الفقرة 1 , يسأل الرئيس جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين نتيجة لعدم ممارسة سيطرته على هؤلاء المرؤوسين ممارسة سليمة.
أ ) إذا كان الرئيس قد علم أو تجاهل عن وعي أي معلومات تبين بوضوح أن مرؤوسيه يرتكبون أو على وشك أن يرتكبوا هذه الجرائم.
ب) إذا تعلقت الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسئولية والسيطرة الفعليتين للرئيس.
ج) إذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.).
2 – بعد أن بينا علي من تقع المسئولية الجنائية في عمليات الاغتيال الإسرائيلية لقادة وأفراد فصائل المقاومة الفلسطينية، نبين هنا المحاكم المختصة بمحاكمة المتهمين في هذه العمليات، المحاكم الدولية الجنائية المختصة هي المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الوطنية للدول التي وقعت الجريمة علي أراضيها أو أرتكب أي فعل مادي من الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة علي أرضها، أو المحاكم الوطنية بناء علي الاختصاص العالمي الوارد في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م، أو المحاكم الدولية التي يشكلها مجلس الأمن مثل محكمة يوغوسلافيا ورواندا، أو محكمة جنائية ذات طابع دولي.
- مدي اختصاص المحكمة الجنائية الدولية([17]): يمكن لأي من الدول العربية المصدقة علي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تحرك الدعوي الجنائية ضد المتهمين في عمليات الاغتيال طبقا للنظام الأساسي لهذه المحكمة، أو أي دولة من الدول الإسلامية وخاصة الإفريقية المصدقة علي النظام الأساسي للمحكمة السابق بيانها.
ويمكن للمدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية أن يحرك الدعوى الجنائية ضد المتهمين في عمليات الاغتيال السابق بيانهم طبقا للمادة (15/1) والتي نصت علي(1 – للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه علي أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة.).
- محاكم الدول الأعضاء في اتفاقيات جنيف لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م: أعطت اتفاقيات جنيف الأربع اختصاصًا عالميًا للدول الأطراف ، فقد ألزمتهم في المواد المشتركة بين الاتفاقيات الأربع م/49جنيف الأولى ، م/50جنيف الثانية ، م/129جنيف الثالثة، م/146 جنيف الرابعة بملاحقة المتهمين باقتراف المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها وتقديمهم إلى محاكمها أيًا كانت جنسيتهم، أو تسليمهم لطرف آخر معني بمحاكمتهم، أي من حق أي دولة طرف فيهم ملاحقة ومحاكمة ومعاقبة مرتكبي المخالفات الجسيمة سواء علي أرضها ، أو علي أرض أي دولة فيهم.
وأكد ذلك ما ورد في المادة (86/1) من البروتوكول الأول التي طالبت الدول المتعاقدة وأطراف النزاع بقمع الانتهاكات الجسيمة واتخاذ الإجراءات اللازمة بمنع كافة الانتهاكات الأخرى لاتفاقيات جنيف ، فالاختصاص العالمي الذي منحته اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول بقمع الانتهاك