قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، كما تعبر بصدق عن العلاقة بين الشرق والغرب، وهى أحدى حلقات الحرب المستمرة على الإسلام ولكن التضليل السياسي أفسد التكييف القانوني للقضية الفلسطينية، فضلا عن أن التضليل الإعلامي الذى مارسه الإعلام الغربي بمشاركة الإعلام العربي العميل، أدى لفهم خاطئ لحقيقة القضية الفلسطينية على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية، حيث تم إبعاد الإسلام كمرجعية للصراع وجعله صراع قومي حدود وليس صراع وجود، وأبعد القانون الدولي أيضا كآلية لحل القضية الفلسطينية وأستبدل بسياسة القوة وفرض واقع مخالف للقانون الدولي، وسوف نبين هنا حكم القانون الدولي في القضية بعيدا عن الإفساد السياسي و التضليل الإعلامي في نقطتين في القانون الدولي وفى قانون المنظمات الدولية.
أولا: في القانون الدولي العام: جاءت نشأة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة إلى حين، مخالفة لمبادئ عامة وقواعد آمرة في القانون الدولي، منها مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة ومبدأ حق تقرير المصير ومبدأ احترام الحقوق المتساوية للشعوب، ومبدأ حق المساواة في السيادة بين الدول الوارد في المادة الثانية الفقرة الأولي من ميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية المنصوص عليه في المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، بذلك تكون أرض فلسطين كلها من النهر إلي البحر أرض محتلة، بما فيها غزة، وحدود دولة فلسطين معروفة، وموجودة بالأمم المتحدة، وهي الدولة الوحيدة التي تم عمل حصر كامل وشامل لأراضيها من كافة الجوانب والجهات من الأرض ومن الجو عن طريق الطائرات، نبين هنا أهم المبادئ العامة التي انتهكت.
1-مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير: يقصد بمبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة عدم مشروعية الاستيلاء أو بسط السيادة على إقليم إحدى الدول أو على جزء منه عن طريق الاستخدام الفعلي للقوة أو التهديد باستخدامها. يستند هذا المبدأ على عدة أسس قانونية أولها المادة العاشرة من عهد عصبة الأمم التي نصت على (يتعهد الأعضاء باحترام سلامة أقاليم جميع الدول الأعضاء في العصبة واستقلالها السياسي القائم والمحافظة عليه ضد أي عدوان خارجي) وقد ورد هذا المبدأ في عدد من الاتفاقيات والمواثيق والإعلانات الدولية بعد عهد العصبة وأهمها، إعلان الجمهوريات التسعة عشر بخصوص النزاع بين بوليفيا وأورجواي حول شاكو في 3 أغسطس1932م ونص على أن( الدول لا تعترف بأي تنظيم إقليمي يتعلق بهذا النزاع لا يتم الوصول إليه بالطرق السلمية . ولا بصحة المكاسب الإقليمية التي يتم الحصول عليها بطرق الاحتلال أو الفتح بقوة السلاح) كما ورد هذا المبدأ في اتفاقية تحريم الحروب الموقعة في 10 أكتوبر1933م والتي تسمى سافندرالاماسي في مادتها الثانية ونبهت على( أن الدول الموقعة لا تعترف بصحة أي احتلال أو توسعات إقليمية يتم الحصول عليها بطريق القوى (.والمادة (11) من اتفاقية مونتفيديو بين الدول الأمريكية بشأن حقوق وواجبات الدول لعام1933م على هذا المبدأ فقالت( تعلن الدول المتعاقدة بقوة بأنها تلتزم بشكل محدد بعدم الاعتراف بأية مكاسب إقليمية أو مزايا خاصة يتم الحصول عليها بطريق القوة سواء تمثلت هذه القوى في استخدام الأسلحة أو تهديد الممثلين الدبلوماسيين أو أية إجراءات قهر فعالة أخرى) وورد أيضاً في إعلان التضامن والتعاون بين الدول الأمريكية في 23 ديسمبر1936م
وفى ميثاق الأمم المتحدة في المادة (1/1) والمادة (2/3) التي تنص على إلزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تسوية منازعاتها بالطرق السلمية، والمادة (2/4) التي نصت على تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية وقد ورد هذا المبدأ في العديد من قرارات منظمة الأمم المتحدة وقد أقر القضاء الدولي مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة وكان أشهر هذه القضايا قضية ضم ألمانيا للنمسا ولقد تعرضت إليه محكمة العدل الدولية في الرأي الاستشاري الصادر في29 يوليو1970م بخصوص استمرار تواجد جنوب أفريقيا في ناميبيا. فقررت المحكمة أنها (لم تعترف بالوضع الإقليمي غير المشروع في إقليم ناميبيا مما يدل على أن محكمة العدل الدولية تأخذ بمبدأ الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.)
2 - مبدأ حق تقرير المصير: أحد المبادئ العامة الرئيسية الهامة في القانون الدولي، فهو من القواعد العامة الآمرة في القانون الدولي العام، وأحد الملامح البارزة لتطوره، ويجد هذا المبدأ اساسه القانوني في العديد من المواثيق الدولية وخاصة ميثاق الأمم المتحدة فورد في المادة(1/2) والمادة(55) وأيدته الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بالعديد من القرارات باعتباره حقا قانونيا للشعوب وقد نص البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977 في المادة(1/4) على مبدا حق الشعوب في تقرير مصيرها.
3 -مبدأ قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار والقضية الفلسطينية يتمثل مضمون المبدأ في انتقال ملكية الأراضي وأماكن حدودها من الدولة الاستعمارية السابقة إلى دولة جديدة، والحدود الدولية طبقا له ويصف خطوط الدول الاستعمارية بأنه (خط شرعي تم تأسيسه على أساس ملكية قانونية).
هذه المبادئ السابقة قواعد آمرة في القانون الدولي لا يجوز مخالفتها ولا حتى الاتفاق على مخالفتها من قبل الأشخاص الدولية (الدول والمنظمات الدولية ويقع أي تصرف مخالف لها باطل بطلانا مطلقا أي منعدم ويعتبر عمل مادي لا يرتب ولا يتعرف القانون الدولي بأي آثار قانونية لهذا التصرف
ثانيا: قانون التنظيم الدولي: حيث كانت ولا زالت المنظمات الدولية العالمية ضمن الآليات التي تآمرت على فلسطين المحتلة، بداية من عصبة الأمم حيث خالفت عهدها بشأن فلسطين خاصة في المواد المادة العاشرة التي نصت على يتعهد أعضاء العصبة باحترام سلامة أقاليم جميع أعضاء العصبة واستقلالها السياسي القائم والمحافـظة علـيه ضد أي عدوان خارجي، وفي حالة وقـوع عدوان من هذا النـوع أو في حالة وقـوع تهديد أو حلول خطر هذا العـدوان يشـير المجلس بالوسائل التي يتم بها تنفيذ هذا الالتزام) والمادة (22) بفقراتها التسع التي نصت على احكام وضوابط الانتداب على المستعمرات والأقاليم التي لم تعد خاضعة لسيادة الدول التي كانت تحكمها والتي تقطنها شعوب غير قادة على الوقوف في الأحوال القاسية للعالم الحديث وهى الدول التي وضعت تحت الانتداب ومنها فلسطين، فلقد كان من أهم أهداف الانتداب مساعدة التي الواقعة تحت الانتداب على الوصول لحكم نفسها بنفسها، وهذا ما خالفته بريطانيا الدولة المنتدبة على فلسطين. وقد خالفت أيضا المادة (23/ب) التي نصت على العمل على توفير المعاملة العادلة للسكان الوطنيين للأقاليم المشمولة برقابتهم، وما وعد بلفور إلا مثال لذلك.
أما الأمم المتحدة رغم أنها شاركت في مأساة فلسطين إلا أننا يمكننا القول بأنها كانت أحرص على حقوق الشعب الفلسطيني من بعض الفلسطينيين والدول العربية، فقد أصدرت العديد من القرارات التي تؤكد علي أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف، أشهرها القرار رقم (2535) بشأن التأكيد علي أن حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف أي أنها ثابتة، والقرار رقم (3236) الصادر في 22/نوفمبر 1974م وقد أكدت فيه الجمعية العامة علي أن الحقوق الفلسطينية لا يمكن التنازل عنها والتصرف فيها وأن هذه الحقوق تقع في فلسطين، والقرار رقم (2627) بشأن التأكيد علي حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار(37/123) في 16/12/1982م بطرد الكيان الصهيوني من عضوية الأمم المتحدة، وطالبت بفرض حصار عسكري وسياسي واقتصادي وتكرر صدور هذا القرار على مدار أكثر من عشر سنوات متتالية، وهذا القرار يعتبر من قرارات الجمعية العامة الملزمة، لأنه أكد على قاعدة عرفية في القانون الدولي. كما أنه تفسير مرجعي لمبادئ عامة أو قواعد آمرة ملزمة في القانون الدولي، تأكد بأكثر من قرار دون تعديل، علما بأن الكيان الصهيوني تم قبوله بالأمم المتحدة بتوصية مجلس الأمن رقم (69) لسنة 1949م بدون توافر التوافق الخمسي أي بدون موافقة الدول الخمس صاحبة المقاعد الدائمة بالمجلس، حيث امتنعت بريطانيا عن التصويت، مما يؤدي لبطلان توصية الجمعية العامة رقم (273) لعام 1949م بشأن قبول الكيان الصهيوني لأنها صدرت بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة.
أن الجمعية العامة ومجلس الأمن قد ألغيا توصية التقسيم رقم (181) الصادرة في 29/11/1947م وطالبا بوقف تنفيذها، حيث قرر مجلس الأمن في 19/3/1948م بالقرار رقم (27) بأنه (أي مجلس الأمن) ليس لدية الاستعداد لتنفيذ توصية التقسيم رقم (181/ لسنة 1947م) ويوصي بإعادة القضية الفلسطينية للجمعية العامة وفرض وصاية مؤقتة علي فلسطين تحت وصاية مجلس الأمن، وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14/5/1948م قرارها الثاني بإعفاء لجنة فلسطين من أية مسئوليات نصت عليها المادة الثانية من توصية التقسيم(181/لسنة 1947م) وطالبت بذات القرار العمل علي إجراء تسوية سلمية لمستقبل الوضع في فلسطين، إلا أن الكيان الصهيوني سارع بإعلان دولته في اليوم الثاني 15 مايو عام 1948م على الأراضي التي احتلتها في الفترة بين 29 نوفمبر 1947م و15 مايو 1948م.
كما أن توصية التقسيم مخالفة للمادة الأولى الفقرة الثانية والمادة (55) من ميثاق الأمم المتحدة بشأن مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، وهو من المبادئ العامة في القانون الدولي التي لا يجوز مخالفتها ولا الاتفاق على مخالفتها طبقا للمادة (34) من قانون المعاهدات عام 1969م. ومخالفته للمادة(10) من ميثاق الأمم المتحدة التي تخولها حق التقدم بتوصيات دون اتخاذ القرارات. ومخالفة أهداف الأمم المتحدة المنصوص عليها في المادة الأولى الفقرة الثانية المتمثلة بالعمل على تنمية التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للسكان في الأقاليم المشمولة بالوصاية وتقدم تطورها باتجاه الاستقلال وبما يتفق مع أماني شعوبها وتوطيد احترام حقوق الإنسان وفق ما جاء والمواد( 76 حتى 80) من ميثاق الأمم المتحدة، وتخالف توصية التقسيم مبدأ احترام الحقوق المتساوية للشعوب، ومبدأ حق المساواة في السيادة بين الدول الوارد في المادة الثانية الفقرة الأولي من ميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية المنصوص عليه في المادة الثانية الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة.
ترتيبا على ما سبق، فإن أرض فلسطين كلها من النهر إلى البحر أرض محتلة، والاحتلال عمل مادي وليس حالة قانونية، فلا يترتب عليه أي أثر قانوني، لأنه ناتج عن الاستخدام غير المشروع للقوة في القانون الدولي. وهو مؤقت فلا يجوز ضم الأراضي المحتلة إلى دولة الاحتلال بل تظل لها كيانها المستقل، ويجب عليها الالتزام باحترام القوانين والنظم القانونية في الأراضي المحتلة، فضلا عن أن الاحتلال لا ينقل السيادة إلي الدولة المحتلة، بل تظل السيادة للشعب المحتل، وهو فقط يوقف مؤقتا ممارسة السلطات الأصلية بالدولة المحتلة للسيادة ولا يلغيها طبقا المادتين( 47/48) من اتفاقية جنيف الرابعة، ولا يحق لدولة الاحتلال الدفاع الشرعي لفقدانها ركن من أركانه وهو ألا تكون الدولة الممارسة لحق الدفاع الشرعي معتدية، وكل ما سبق يتوافر في حق الكيان الصهيوني فلا شرعية للوجود ولا قانونية للاستمرار في الوجود، كما أن كافة اتفاقيات السلام التي عقدت مع الكيان الصهيوني منعدمة أيضا لأنها مخالفة للمبادئ العامة والقواعد الآمرة السابق بيانها، طبقا للمادة (53) من قانون المعاهدات، التي تنص على ( تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام وتعتبر قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العام كل قاعدة مقبولة ومعترف بها من الجماعة الدولية كقاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تغييرها إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها ذات الصلة، ولمخالفتها المادة (52) قانون المعاهدات الدولية التي تنص على
(تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا إذا تم إبرامها نتيجة التهديد باستعمال القوة واستخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة).