تألمت كثيراً وتأملت مديداً، قطعت أشواطاً وأنا أعود إلى الوراء ومن ثم إلى الأمام، انتابني توقف قسري أمام دهشة الواقع؛ بل أصابتني الصدمة، ليس من استمرار انحدارها إنما من المفاجأة التي فاق حضورها كل الانحدارات، صحيح أننا كنا نسير على حافة الهاوية، وكانت أحاسيسنا تشير إلى أنه لم يبق سوى القليل حتى نصل برّ الأمان الذي ينشده الجميع، ليس في هذا الوطن وإنما في كامل الإقليم.
سورية الوطن، الأرض والإنسان، هذه التي ملأت رُقَم وصحف وكتب التاريخ، تنشئ سؤالاً هاماً أتمنى من كل باحث أن يحاول تقديم إجابة عنه: هل هي عقدة التاريخ أم عقدة الجغرافيا أم عقدة محيطها القريب والبعيد، ولماذا اجتمعت عليها كل قوى التاريخ، الحاضرة الآن على مشهدها، وكيف تم التلاعب ببعض من أبنائها فانقسموا إلى مدافع ومهاجم، القوى المحيطة لا تريد للمهاجم أن ينتصر ولا للمدافع أن ينكسر، وبذلك يُسهم الجميع في تدميرها، فلا آمن هذا ولا ذاك بحتمية الانتصار، رغم التحدث به وإعلاء شأنه لغوياً وصورياً، والسبب يكمن في الانشغال بالغنائم الفردية؛ هذه التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، بل على العكس فقد أخذت البلاد والعباد إلى ما نحن عليه الآن، وكذلك من اتخذناهم أصدقاء، لم نشهد منهم أدواراً حاسمة لوقف المخططات والأطماع والأحلام التي تجسدت في رؤية سورية مقسمة جغرافياً وطائفياً وعشائرياً، الأمر الذي عزّز فرضية الصراع على سورية، هذا يحلم بالصلاة في المسجد الأموي، وذاك يريدها حسينية، وآخر يُصرّ على أُمويّتها، والصهيونية تفكر في إخضاعها وجعلها بلا إرادة وتابعة كلياً لمنهجها، الروسي والأمريكي والإيراني والإسرائيلي والعربي جميعهم أصدقاء فيما بينهم، ورغم اعتراف الروسي والإيراني والعربي أن خسارة سورية هي بمثابة كارثة لكل منهم، كونها قدمت لهم أشياء ما كانوا ليحلموا بالوصول إليها، ورغم ما ذكرته من ادعاء صداقاتهم، إلا أنهم مازالوا بعيدين عن توافر شروط صداقتنا لهم، أما العرب فما لبثوا متفرجين، بعد أن كانوا في مرحلة سابقة مسهمين في غرز حرابهم في الصدر والظهر، أما الآن، وسوادهم يعلن الحياد، ورغم أحاديث التعاطف مع سورية والحفاظ على وحدتها جغرافياً وإنسانياً، إلا أن تعريف الحياد يعني الانتظار لمن ستؤول الغلبة؛ أي أن الحياد هو حالة انتهاز للفرص، الإشكالية الهامة هي أين نحن من كل ذلك وهل نعرف ما هو الحال الذي سنكون عليه؟ سؤال حتى اللحظة لم نصل إلى الإجابة عليه.
كيف بنا نُطعن وكما ذكرت ممن، فالسيد الرئيس الدكتور بشار الأسد كان واضحاً جداً عبر فكره المنساب في كل خطبه وتوجيهاته، إن لم ندرك الحاصل ونعي ما قدمه، وقد جاء هذا مبكراً جداً وقبل حدوث كل الأزمات، منذ أن زار "كولن باول" سورية وقُدمت له اللاءات السورية، مروراً بـ "كونداليزا رايس" ومشروعها الشهير (الشرق الأوسط الجديد) والذي لا يُنفّذ إلا بالفوضى الخلاقة؛ هذه الفوضى التي هدمت كل الدول العربية ممن عارض مشروع الانخراط القائم تحت لواء الصهيونية الأمريكية الإسرائيلية، وحديث سيادته الدائم عن مشكلة الوعي التي لم تجد لها القيادات الحزبية والسلطات الدينية والتنفيذية حلولاً حتى اللحظة، وكذلك توجيهه بدعم الجيش دعماً حقيقياً يتجلى في إعداده عبر رفع مستوى الانتماء والأداء اللذين ينجزان الهوية الوطنية، فماذا يجد المتابع للمشهد الداخلي السوري؟ يجد أن الواقع يُظهر مع كل أزمة تراجعاً في الوعي والأداء، فما حدث في حلب أدمى قلوب المواطنين السوريين قبل أن يُدمي قلوب المسؤولين، فكيف كان المشهد خلال لحظات في حلب؟ المؤسسات فارغة، جميع المواقع مخلاة، تبخر الجميع في لحظة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الوعي الوطني لم يتوفر حتى اللحظة، وأن كل من عَوّلنا عليهم أيضاً تبخروا وتبخرت وعودهم، فماذا يفيد بعدما وقع الفأس على الرأس، وكيف بنا نعالج ما حصل؟.
أي طعنة طُعنّا، أتحدث بواقعية، نحن من طعنا وطننا، وطبعاً أضيف: حينما وجد الآخرون حالنا استثمروا فيه وزادوا في الطعن طعناً، وأمضي أكثر وأقول: أشكر اللحظات الأخيرة التي استطعنا فيها أن نوقف الطعن ونتجه لطعن الآخر الذي استثمر فيه، فغدا إرهاباً ووحشاً وهمجياً لا سمة له إلا الغدر والقتل والتنكيل، ولكن بمن؟ بأبناء وطنه الذين هبّوا بوجه جيشنا الذي يجب أن يقدم له كل الدعم، لأنه أهم رمز اليوم لحماية الأرض والعرض، وعليه يُعوّل الوطنيون بالتقدم نحو الأمام لدحر الإرهاب، وعليه يجب أن تكون السلطات التنفيذية والحزبية والدينية داعمة حقيقية له، ويجب أن لا نقول للسيد الرئيس القائد العام لجيشنا الباسل اذهب به وقاتل أعداءنا؛ بل يجب على الجميع أن يهبوا إلى جانبه وإلى جانب جيشنا واقتبس من كلماته "لن يدافع عنكم سوى الجيش العربي السوري" كي نحدث الانتصار، وكي نمنع الطعن مرة أخرى، فكفانا ما مرّ بنا.