لاشك أن أصعب شيء في التاريخ هو الدخول في التاريخ .. ولاشك أن أسهل شيء في التاريخ هو الخروج منه .. وهذا هو ديدن الوجود الانساني .. فالبشر يتصارعون من أجل البقاء في التاريخ .. أمم تدفع أمما لاخراجها من التاريخ وشطبها من ذاكرته .. فيما أمم تقاتل كي لاتخرج من التاريخ ..
الأمم تدخل التاريخ عنوة بالحرب .. وغير ذلك دخول باهت في التاريخ بلا قيمة ولا أثر .. العرب أمة دخلت التاريخ بفكر الاسلام الجهادي .. ولولا فكرة الاسلام والجهاد لبقوا في رمالهم يتداولون المعلقات ويتقاتلون ومناذرة وغساسنة .. ويندثرون تحت سنابك الغزاة .. سنابك تتداولهم.. وسنابك تتقاذفهم ..
واليوم يبدأ العرب رحلة الخروج من التاريخ بأقدامهم .. ومن يخرج من التاريخ لن يعود اليه .. فهذه البوابات العظيمة التي تشبه بوابات الكون تفتح واسعة لمن يغادرها ولاتفتح لمن يريد العودة من الندم والغياب ..
وحده يحي السنوار وقادة حزب الله هم من أوقف العرب من رحلة الخروج من التاريخ .. لكن البعض يريد تسويق عملية السنوار وقرار حزب الله بأنه انتحار وقرار خاطئ ..
وماذا لو لم يأت السنوار؟ .. ولم يكن حزب الله الان ؟؟ كيف سيكون شكل العرب والشرق؟؟
هناك أقلام وحناجر تستميت لتصوير مايفعله حزب الله انتحارا واختيارا خاطئا للمعركة والحرب وأنه على نفسها جنت براقش .. وانه حسابات خاطئة ورطت الشعوب في المنطقة في لبنان وفلسطين .. وان صورة جندي اسرائيلي على سياج لبنان يعني هزيمة حزب الله .. هذه الاقلام وهذه الحناجر مدفوعة الاجر ومحمية بقوة من قبل المخابرات الاعلامية الغربية والعربية بحجة حرية التعبير والرأي الآخر .. فالاعلام الغربي والعربي هو اعلام مخابرات .. سيمتشق السيف لتدمير كل من ينتقد هذه الحناجر او يسائلها .. حتى قضائيا .. وهو نفسه الاعلام الغربي الذي فتك بمسيرة جوليان اسانج في حرية التعبير والتوثيق .. وهو نفسه الذي صمت عن قتل كل صحفي وكل متحدث اعلامي وكل قلم ينتقد الغرب وينتقد الخيانات العربية ويدعو الى المقاومة .. اما بقتله كليا في غارات مباشرة او بتسليط داعش والاخوان المسلمين والقوى الظلامية لتصفيته .. كما فعلت المخابرات الاردنية مع الكاتب ناهض حتر .. وكما تمت تصفية كثير من المتنورين والكتاب والاعلاميين المقاومين بحجة ان التيار الظلامي قتلهم فيما الحقيقة ان من قتلهم هو انهم على قائمة تصفيات غربية لقتل كل الاراء الثورية والحرة والمتنورة للسماح لموجة الجهل بالعبور دون سدود .. انها عملية استئصال للعقل والتفكير .. هي عملية استئصال للأصوات الحرة واستبدالها بأصوات عميلة مرتزقة .. تبث أخبارا كاذبة .. وتنشر آراء مشوهة وتدمر المناعة العقلية لدى الانسان .. وتدمر المنطق والبدهية .. والحس الفطري السليم ..
فهناك من ينشر آراءه الشامتة ضد حزب الله ويلومه لأنه قاتل في سورية ولأنه يقاتل في فلسطين رغم ان من حق كل أمة وجماعة ان تدافع عن أمنها وجوارها الحيوي .. فالاميريكي والبريطاني والفرنسي يشن حربا على اي بقعة في العالم بحجة ان أمنه الوطني في ما وراء المحيطات مهدد .. أما حزب الله فلايجب ان يقاتل في سورية رغم ان داعش والقاعدة حطت رحالها في عرسال على عتبة بيت حزب الله وعلى بعد أمتار منه .. وأعلنت جهارا نهارا ان مشروعها دولة اسلامية تستأصل الروافض والكفار وستقدم رأس حزب الله ومحوره هدية للاميركييين .. وكان على حزب الله ان يقول لهم تفضلوا لجنوب لبنان والضاحية التي وصلت اليها طلائع الانتحاريين من القاعدة وداعش .. وكذلك كان على حزب الله ان ينتظر وصول الاسرائيليين اليه لا أن يبادر لايقافهم قبل ان يفكروا باجتياحه وهم الذين أقدموا على محاولتين سابقتين للاستيلاء على جنوب لبنان وفشلتا عام 2000 ثم عام 2006 .. وهاهي محاولتهم الثالثة .. ولايزال الاسرائيليون يدرّسون ابناءهم ان التوراة تعطيهم لبنان كملك لاسرائيل لانقاش فيه وان هذا الوعد يقترب .. ومع هذا يريد بعض المرتزقة العرب واللبنانيين ان يقولوا للبنانيين ان حزب الله اعتدى على اسرائيل .. وانه ورط نفسه وورط اللبنانيين ..
الافكار الحمقاء هي التي تقتل المجتمعات .. والافكار الحمقاء هي التي يجب ان تموت مع من يحملها .. فكل همّ العدو في أي مكان ان يوصل خصمه الى فكرة الاستسلام .. والغاية من سفك الدم البريء عبر المدني الضعيف في الحروب هي ان (الخوف يصنع العبيد وأن الخوف يخلع قلب المحارب) .. وتصبح العبودية تصبح نوعا من الاقدار التي لاترد ..
ونحن منذ ان عرفنا هذا الصراع مع الغرب في مطلع القرن العشرين كنا ضحايا افكارنا وآذاننا التي عرف الغرب انها نقطة ضعفنا ..
فالعربي شاعر وحساس ويقدر أثر الكلمة وهو مخترع للكلمة والحرف .. وأذنه كبيرة لأنه يفكر بأذنيه لابعقله .. أذنيه اللتين تعملان مثل القمعين الكبيرين ليسكب فيهما الكلام الكثير .. أما الغربي فهو فم كبير ولسان طويل .. يحدثك مثل الحكواتي عن الأوهام وعن الحرية والانسان والديمقراطية وعن حكايات المجتمع الدولي والتحضر وأساطير الاخلاق والقانون الدولي وجرائم الحرب التي صممها على مقاسه لتمنع عنه هو جرائم الحرب ولاتطبق عليه .. رغم انه لص ومجرم وقد سجلت باسمه كل جرائم العصر الحديث التي لم يعد أحد قادرا على احصائها .. وانتهت الاعداد ولم ينته احصاء المجازر .. وهنا كانت كارثتنا .. في آذاننا الكبيرة .. وفمهم الواسع ولسانهم الطويل ..
هذه هي مشكلتنا التي جعلتنا نصدق ان بريطانيا اسمه جون غلوب قاد الجيوش العربية عام 1948 ليمنع تسليم فلسطين للعصابات الصهيوينة رغم ان بريطانيا هي التي قدمت وعد بلفور وجاءت باليهود .. وآذاننا البريئة الساذجة هي التي جعلتنا نصدق ان بريطانيا انسحبت من الخليج العربي عندما تركت لنا عائلات خليجية صنعتها من فسيفساء الجهل والقراصنة وربطتها بالسلاسل الى قصر باكينغهام .. وجعلتنا نصدق ان لبنان يمكن أن يكون مستقلا وفيه مندوبون لكل اوروبة ومدراء طوائف تدير الطوائف على طريقة الشركات والحصص .. وهي التي جعلتنا نقول ان عبد الناصر كان ديكتاتورا .. وان السادات بطل رغم ان البطل صنعه كيسنجر مثلما يصنع صانع الالعاب دمية سمراء .. وأن حمد بن جاسم قائد التحرر العربي وغيفارا الشرق .. وأن اردوغان الناتو يريد ان يحرر فلسطين بعد ان يحرر سورية !!..
هذا العربي كانت آذناه مفتوحتين لاعلام النفط واعلام الشرق والغرب حتى انقلب على نفسه وجعل يقتل نفسه ويطعن نفسه بالسكين ويحاول اجراء جراحة بتر لأعضائه في الربيع العربي .. كان منظر العربي مثيرا للشفقة في الربيع العربي وهو يطعن نفسه أمام العالم ويتدفق دمه من جراحه وفمه فيما هو فخور بما فعل ويرفع شارة النصر وفمه يتدفق دما وأصابعه التي رفعها بشارة النصر تنزف .. فخور انه دمر بيته ودمر حقوله ومصانعه .. فخور انه ملأ الشواطئ بأبنائه اللاجئين .. وصنع جيلا كبيرا من الأميين .. ورغم انه كان يترنح الا ان أذنيه كانتا تصيخان السمع بتلذذ للفم الغربي ومديحه الذي كان يثني عليه أنه ضحى من أجل سحر الديمقراطية والحرية وصندوق الاقتراع .. فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق !! ..