سوريا والخيار الصعب المقاومة القانونية | توثيق جرائم الصهيونية | سوريا والخيار الصعب
تاريخ النشر: 11-10-2024

بقلم: وليد عبد الحي

منذ انفجار طوفان الاقصى قبل عام، لم تنقطع الغارات الاسرائيلية على مواقع مختلفة في سوريا، وهي استمرار لما سبق الطوفان خلال عشرية الاضطراب الذي شهده الوطن العربي مشرقا ومغربا، لكن الملفت للانتباه أن مبادرة الهجوم على اسرائيل جاءت من غزة وتلتها أطراف محور المقاومة الأخرى مع تباين في نسبة المشاركة، بينما بقيت سوريا متلقية للضربات وبوتيرة تكاد تفوق ما قبل الطوفان، وهو ما جعل السؤال المتكرر هو لماذا تتلقى سوريا الفعل دون رد فعل واضح؟
من غير الممكن فصل المشهد الحالي عن المشهد ما قبل الطوفان، فما أن جاء الطوفان كان الوضع في سوريا –وما زال- على النحو التالي:
1- هناك 36% تقريبا من الاراضي السورية خارج نطاق السيطرة الحكومية ، وتخضع هذه المساحة (حوالي 65 الف كيلومتربع ) لسيطرة من جهات مختلفة على النحو التالي:
أ‌- حوالي 11% للمعارضة بخاصة المدعومة من تركيا.
ب‌- حوالي 25% تسيطر عليها قوات من التنظيمات الكردية والمتحالفين معها .
2- تنتشر القواعد العسكرية الاجنبية في أرجاء سوريا ، فمنها ما هو مساند للحكومة ومنها ما هو معاد لها، ويكفي عرض سريع لهذا المشهد:
أ‌- تمتد الحدود التركية السورية على مسافة تصل الى 911 كيلومتر، تنتشر فيها القواعد التركية داخل وبجانب الاراضي السورية ، وتشير التقديرات الى وجود 12 قاعدة عسكرية تركية ،اضافة الى 114 نقطة مراقبة عسكرية تركية، وتسيطر تركيا على مساحة من الاراضي السورية تصل الى أكثر من 8800 كيلو متر مربع.( اي ما يساوي تقريبا مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان معا)
ب‌- تتواجد القوات الامريكية في 17 قاعدة عسكرية تساندها 15 نقطة مراقبة عسكرية ، وهي تتواجد في أكثر مناطق سوريا انتاجا للنفط.
ت‌- تتواجد قوات كردية (قسد) في معسكرات متناثرة تغطي مساحة تصل الى ( 45 الف كيلومتر مربع) ، وتقدر هذه القوة( الى جانب بعض الفصائل الاخرى المنضوية تحتها من غير الاكراد ) بحوالي 45 الف مقاتل ، وتتلقى دعما امريكيا اسرائيليا لا لُبس فيه، وهو ما يستوجب مناقشة موضوعهم على مستويين هما ارتباطاتهم الخارجية من ناحية وحقوق المواطنة على المستوى الداخلي من الناحية الأخرى.
ث‌- تتناثر قوات معارضة أخرى منها الجيش الحر وقوى اسلامية( تعددت تسمياتها وانشقاقاتها من جبهة تحرير الشام...الخ) وبقايا لداعش ، وتغطي نشاطات هذه التنظيمات مساحة تصل الى حوالي 20 الف كيلومتر مربع.
ج‌- من الضروري التذكير بالوجود الاسرائيلي في الجولان في مساحة تصل الى حوالي 1200 كيلومتر مربع.
3- القوى المساندة للحكومة السورية : تتوزع هذه القوى على مساحة تصل الى حوالي 120 الف كيلو متر مربع، فاضافة للجيش السوري وبعض التنظيمات الفلسطينية هناك قواعد روسية(21 قاعدة و 93 نقطة مراقبة) الى جانب حوالي 52 موقعا ايرانيا.
فإذا اضفنا لذلك مؤشرات النزوح الذي قارب انتقال نصف سكان الدولة لمناطق داخل او خارج اقليم الدولة ، ثم اضفنا الانهاك الاقتصادي الذي يكفي اعطاء مؤشر واحد عليه وهو أن اجمالي الناتج المحلي السوري انخفض من 52.3 مليار دولار عام 2010 الى قرابة أقل من 10 مليار دولار عام 2024 طبقا لتقديرات جهات دولية متخصصة، وهو ما انعكس على دخل الفرد بشكل هائل وعلى تقليص القدرة على الانفاق الدفاعي تقليصا كبيرا.
ماذا يعني ذلك :
بعيدا عن إعلام المماحكة والمكايدة والانتقام ، وبعيدا ايضا عن الدفاع عن الحكومة السورية لغرض في نفس يعقوب ، فان اتخاذ قرار بالرد على الهجمات الاسرائيلية امر لا بد أن يتم ولكن بحساب ببيض النمل كما وصفها لينين، فقرارات النخوة والشوارب لا تجوز في هذا المقام، ولكن –بالمقابل- تكريس القناعة لدى اسرائيل ان مهاجمة سوريا لا ثمن لها هو امر يجب اعادة النظر فيه، اما الشان الداخلي السوري فهو امر لا بد من النظر فيه بالتوازي مع النظر في المواجهة مع الاحتلال وبعيدا عن اي دور خارجي ،وان يقتصر بحث هذا الموضوع الداخلي على القوى السياسية المستقلة " وظيفيا" ، مع التمييز بين ضرورات الدول وضرورات المعارضة.
واعتقد ان مفتاح حل هذه المعضلة هي بيد الرئيس التركي اردوغان، وهو ما يستدعي منه اتخاذ قرار يحرر سوريا من قيود الشمال من ناحية مما يخلق بيئة مواتية اكثر للرد على الهجمات الاسرائيلية ، وهناك ما يجمع الهدف السوري مع التركي ، فالتخلص من القوات الكردية هو هدف مشترك، واعادة النشاط التجاري الهام بين البلدين هو هدف مشترك، والتباين من البلدين مع السياسات الاسرائيلية يشكل دافعا اضافيا لذلك.
اما الجانب الروسي، فيبدو انه قلق من ان تصاعد المواجهة بين سوريا واسرائيل قد يجره لهذه المواجهة في الوقت الذي ينغمس فيه حتى أذنيه في أوكرانيا، وهو ما يستدعي التفكير في آليات جديدة للدور الروسي.
ان السعي الروسي لتقريب المسافة الفاصلة بين سوريا وتركيا تعترضه صعوبات رغم بعض التقدم البطيء والصغير فيه، ويبدو ان بعض دول الخليج تعمل على تعطيل ذلك، ناهيك عن ضغوط امريكية واوروبية .
اما الدور الايراني(من الزاوية السورية) فاعتقد انه لا يحتاج لتفاصيل لانه اكثر وضوحا..ربما.


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013