منذ سنة تماماً طاف الأقصى وفلسطين، ومعهما لبنان والمنطقة برمّتها.
تحوّلت انتفاضة “حماس” على الاحتلال وعلى الاعتداءات الاسرائيلية المستمرة، إلى حرب واسعة، تتخذ طابع الوجود على الجبهتين: الاسرائيلية من جهة، والمقاومة في كامل المحور من جهة أخرى.
بالنسبة للمقاومة التي تتلقى ضربات على بيئاتها الشعبية وعلى قياداتها في آن، القتال ضروري لعدة أسباب:
ـ الأول، لأنها باتت متمكنة، ولديها فرصة زعزعة أركان الكيان، كمقدمة لإزاحة هذا الاحتلال وإعادة الجغرافيا إلى أصحابها، ولو خان التاريخ لفترة طويلة.
فالمقاومة بِنت الأرض، أما الصهاينة فجريمة تاريخية لا بد أن تَعبُر.
ـ الثاني لأن الاحتلال طال، وموعد إيقاظ القضية الفلسطينية حان، وساعة التحرير يجب أن تدق، بعد كل الاختناق والانتهاكات، وبعد مسار التطبيع الذي بلغ محطات متقدمة، وبعد ولادة مشروع “الممر الهندي” من نيودلهي والذي يريد أن يجعل من “إسرائيل” نقطة استراتيجية للسيطرة على التجارة الدولية والممرات والموارد.
ـ الثالث لأن المشروع الصهيوني بعمقه والمعروف بـ”إسرائيل الكبرى”، حلم يجب القضاء عليه قبل أن يبصر النور، وإذا لم تكن الحرب من أجله اليوم، فهي لا بد أن تكون في الغد القريب.
فالأطماع الاسرائيلية بـ”شرق أوسط” على الهوى الصهيوني، تتوسع، ومن الواجب قطع رأسها قبل البلوغ، ولو كانت إمكانات العدو كبيرة، فشرف المحاولة ضرورة.
بالتالي، تصبح هذه الحرب، لا إسناداً إنسانياً وحقوقياً وحسب، بل ردعاً ومانعاً لتحقيق مخطط “من النيل إلى الفرات” وفق خريطة تضم أجزاء واسعة من فلسطين والأردن ولبنان وسوريا والعراق ومصر وحتى السعودية.
والحرب اليوم تُخاض نيابةً عن كل هذه الدول، ومنها صامت. وإذا كانت فلسطين ولبنان اليوم، فإن سوريا والأردن والعراق ومصر والسعودية غداً حتماً.
أفلا يجب الاستباق لأن الثمن الذي يُدفع اليوم ـ على ارتفاعه ـ سيُدفع غداً مضاعفاً إذا تخاذلنا؟
أما من جهة العدو الاسرائيلي، فالمهم ليس معبراً أو قطعة أرض ولا قضية أسرى ومستوطنين، بل القضاء على كل المقاومة وكل عناصر القوة في هذه الدول لتزيل العقبات أمام المشروع الكبير الذي أعلنه بنيامين نتنياهو من الولايات المتحدة على شكل خريطة، تريد “إسرائيل” السيطرة عليها، لتضمن وجودها اللا شرعي أولاً، وتحوّلها إلى مرتكز استراتجي اقتصادي تالياً، من هنا حتى آخر الشرق وآخر الغرب.
هذه هي الحرب الحقيقية، وكل ما عدا ذلك فتفاصيل.
الحرب هي إما قاتل أو مقتول.
إما “إسرائيل الكبرى”، وإما دول تمتلك أصلاً هذه الأرض بمقدساتها ومواردها وأهمية موقعها ومقاومتها التي تشكل ضمانة للبقاء، بلا تسليم أو استسلام، وبلا مَن يتحكّم بها بإذلال وكل ما مرّ شاهد.
هل نقبل أن نكون “أشباه دول” تعتاش من فضلات الضرائب الإسرائيلية، أو نكون دول مقاومة لديها قرارها وكرامتها وقادرة على الاستثمار بكل ما فيها؟
هنا السؤال، وهنا الجواب، ومن يصمد ويصبر ويثبت، ينتصر، ولو كانت المعركة طويلة.
وهذه المعركة عمّدتها دماء السيد حسن نصر الله، ومن أجل شهادته يجب أن نكون شهوداً للحق ولأوطاننا، لا خدّاماً للأعداء!