كيف استخدمت إسرائيل التكنولوجيا الرقمية في تنفيذ الاغتيالات وأهدافها العسكرية؟ المقاومة القانونية | توثيق جرائم الصهيونية | كيف استخدمت إسرائيل التكنولوجيا الرقمية في تنفيذ الاغتيالات وأهدافها العسكرية؟
تاريخ النشر: 30-09-2024

بقلم: الدكتور : محمود الحنفي


تواجه الحقوق الرقْمية الفلسطينية تحديات كبيرة في ظل تزايد الاعتماد على التكنولوجيا كوسيلة للرقابة والقتل. وفي سياق العدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين، تُستخدم الابتكارات التكنولوجية ليس فقط لتعزيز الأمن، بل أيضًا لتعزيز أنظمة المراقبة القمعية والفتك بالفلسطينيين.
تساهم الشركات الكبرى في هذا الاتجاه من خلال توفير أدوات وتقنيات تُستخدم لأغراض عسكرية وأمنية، مما يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الفلسطينيين.
تسعى الشركات التكنولوجية بهذه العلاقات المشبوهة مع إسرائيل لتحقيق مصالح اقتصادية على حساب القيم والأخلاق، مما يُبرز ضرورة تحليل كيف تؤثر هذه الديناميكيات على حقوق الفلسطينيين في الفضاء الرقْمي.
تتجلى هذه الانتهاكات في استخدام تقنيات مثل: الذكاء الاصطناعي، وأنظمة التعرف على الوجه، التي تُعتبر أدوات تكنولوجية متطورة تساهم في زيادة استهداف الفلسطينيين.
سنتناول في هذا المقال كيف استفادت إسرائيل من التكنولوجيا الرقمية في تحقيق أهدافها العسكرية، كما سنستعرض الخيارات المتاحة لمواجهة هذه العلاقات المشبوهة.

أولًا: مفهوم الحقوق الرقمية:

الحقوق الرقمية هي مجموعة من الحقوق والحريات التي تُعتبر ضرورية للأفراد في الفضاء الرقمي، حيث تُعزز من قدرة الأفراد على استخدام التكنولوجيا بحرية وأمان. تشمل الحقوق الرقمية الأساسية الحق في الوصول إلى الإنترنت، الحق في الخصوصية، الحق في حرية التعبير، الحق في الأمان الرقمي، الحق في محو البيانات، الحق في التعليم الرقمي، مكافحة التمييز الرقمي، والحقّ في الشفافية.
وتُعد هذه الحقوق امتدادًا للحقوق الإنسانية الأساسية، ويجب أن تُحترم في العالم الرقمي، كما تُحترم في العالم المادي، وهي تصنف ضمن حقوق الجيل الرابع.
الإطار القانوني:
الحقوق الرقمية تم تكريسها في مجموعة من النصوص القانونية، أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) الذي يحمي حرية التعبير والخصوصية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) الذي يؤكد على حرية التعبير وحماية الخصوصية.
كما تضمن اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي حماية البيانات الشخصية وحق محوها، في حين تنص الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على حماية الخصوصية وحرية التعبير. إضافة إلى ذلك، تشدد مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان على مسؤولية الشركات في احترام الحقوق الرقمية، بما في ذلك عدم التمييز وحماية الخصوصية.
استخدام التكنولوجيا في انتهاك حقوق الإنسان:
وعلى الرغم من القوانين الموجودة، يتم استخدام التكنولوجيا بشكل متزايد كأداة لانتهاك حقوق الإنسان، وليس لرفاهيته وتسهيل حياته. وتُستخدم أدوات مثل: أنظمة المراقبة والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات لأغراض قائمة على التمييز العرقي أو الديني أو الإثني.

وتُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي أحيانًا لتحديد من يحصل على خدمات معينة، مثل: التأمين أو القروض، مما يؤدي إلى انتهاك الخصوصية وحرية التعبير. ومن أمثلة ذلك أيضًا تقنيات التعرف على الوجه والتحليل التنبُّئِي، التي تُعتبر أدوات تُستخدم لتحديد الأفراد المستهدفين.
في السياق الفلسطيني، يُظهر استخدام التكنولوجيا كيف يتم استغلال هذه الأدوات؛ لتعزيز قمع الشعب الفلسطيني، وتتبع تحركات الفلسطينيين سواء في القدس أم في الضفة الغربية أم قطاع غزة، مما يُعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الرقمية.

ثانيًا: إسرائيل والشركات الرقمية الكبرى:

استفادت إسرائيل بشكل كبير من التكنولوجيا الرقمية لتعزيز قدراتها العسكرية، مما فاقم من معاناة الفلسطينيين. تُوظف حكومة الاحتلال الابتكارات التكنولوجية لتطوير أدوات تُستخدم في العمليات العسكرية وعمليات المراقبة.
وقامت إسرائيل بتوظيف الشراكات مع الجامعات والشركات التكنولوجية الكبرى؛ لتطوير التكنولوجيا الرقمية بطرق إستراتيجية تعزز من قدراتها العسكرية والأمنية. تشمل هذه الشراكات التعاون مع جامعات مثل: تل أبيب، والجامعة العبرية، حيث تُسهم الأبحاث في تطوير أدوات عسكرية متقدمة مثل: أنظمة الذكاء الاصطناعي والمراقبة.
الشركات مثل NSO Group وElbit Systems تعمل بشكل وثيق مع هذه الجامعات لتطوير تكنولوجيا مثل: برامج التجسس، والطائرات بدون طيار. بالإضافة إلى ذلك، تُستغل نتائج الأبحاث العلمية لتحسين فاعلية أدوات المراقبة المستخدمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما يتم التعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، من خلال الجامعات، في تدريب الطلاب وتوظيفهم في مجالات التكنولوجيا والأمن، مما يُنتج جيلًا جديدًا من المتخصصين القادرين على دعم الابتكارات التكنولوجية، وتوظيفها في قتل الفلسطينيين والتنغيص على حياتهم.
كيف استفادت إسرائيل من التكنولوجيا؟

تتضمن العلاقات المشبوهة بين إسرائيل وعدد من الشركات التكنولوجية الكبرى:

غوغل وأمازون: من خلال مشروع "نيمبوس"، الذي يُزود الحكومة الإسرائيلية بخدمات الحوسبة السحابية. وتقدر قيمة الاتفاق الذي أعلن عنه في 2021 بحوالي 1.2 مليار دولار. يُعزز هذا التعاون قدرة إسرائيل على استخدام التكنولوجيا في العمليات العسكرية. وتوفر الحوسبة السحابية لإسرائيل القدرة على تحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر كفاءة، مما يُعزز من قدرتها على تنفيذ العمليات العسكرية.

فيسبوك وإنستغرام (Meta Platforms Inc.): تعرضت هذه المنصات لانتقادات شديدة؛ بسبب حذف المحتوى الفلسطيني الذي يوثق الانتهاكات. صحيح أنه لا يوجد اتفاق رسمي معلن بين هذه الشركة وإسرائيل إلا أنها تعتبر شريكًا إستراتيجيًا معها. وتُتهم فيسبوك بتطبيق معايير مزدوجة في التعامل مع المحتوى الفلسطيني، مقارنةً بالمحتوى الإسرائيلي، مما يُعزز من قمع حرية التعبير. وفي حالات عديدة، تم حذف المنشورات التي تُعبر عن التضامن مع القضية الفلسطينية أو تُظهر انتهاكات حقوق الفلسطينيين.

NSO Group: طورت هذه الشركة الإسرائيلية برنامج "بيغاسوس"، الذي يُستخدم لاختراق هواتف النشطاء والصحفيين الفلسطينيين. يُعتبر هذا الاستخدام انتهاكًا جسيمًا للخصوصية والأمان الشخصي، حيث يتم اختراق الهواتف المحمولة لجمع معلومات حساسة، وهو أحد أدوات أجهزة المخابرات الإسرائيلية.

Cognite Software: وهي شركة نرويجية تُشارك في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي للمراقبة، بما في ذلك تقنيات التعرف على الوجه. صحيح أن هذه الشركة ليست معروفة بمشاركتها المباشرة في تطوير أنظمة المراقبة الإسرائيلية، لكن تقنيات التعرف على الوجه تُستخدم على نطاق واسع من قبل الحكومة الإسرائيلية، مع وجود تقارير عن أنظمة مثل Red Wolf وWolf Pack لمراقبة الفلسطينيين.

Motorola Solutions: وهي شركة أميركية تقدم أنظمة للمراقبة تُستخدم في نقاط التفتيش الإسرائيلية، مما يُعزز من تقييد حركة الفلسطينيين. تُستخدم هذه الأنظمة لتحديد الأشخاص المستهدفين وتفتيشهم بشكل عشوائي. كما أنها تُستخدم بتتبع المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، وتُسرع في عملية التعرف عليهم وقتلهم أو اعتقالهم.
Motorola Solutions لديها شراكات واسعة مع الحكومة الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بتقديم أنظمة الاتصالات والمراقبة التي تُستخدم في المستوطنات ونقاط التفتيش الإسرائيلية. على سبيل المثال، طورت الشركة نظام MotoEagle، وهو نظام مراقبة يُستخدم في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وعلى طول جدار الفصل العنصري، ويعتمد على رادارات وكاميرات لتحديد التحركات البشرية. بالإضافة إلى ذلك، تُوفر Motorola Solutions أنظمة اتصالات مشفرة للجيش الإسرائيلي ولقوات الشرطة، مثل نظام "نِتسان" التكتيكي للاتصالات، الذي يخدم الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى. علاوة على ذلك، أبرمت الشركة عقودًا مع الحكومة الإسرائيلية لتقديم أنظمة الأمان والمراقبة لمشاريع كبيرة مثل خط السكك الحديدية في القدس الشرقية، مما يُعزز من البنية التحتية التي تربط المستوطنات مع القدس الغربية المحتلة.

HP Inc. (Hewlett-Packard): كانت متورطة في توفير أنظمة تكنولوجية تُستخدم في الحواجز العسكرية، بما في ذلك نظام البصمة البيومترية الذي يُستخدم في نقاط التفتيش. تساهم هذه الأنظمة في تعزيز الفصل العنصري، وتسهيل الرقابة على الفلسطينيين، مما يُعزز من الممارسات التي تحد من حرية الحركة.

Elbit Systems: تُعتبر واحدة من أكبر الموردين للطائرات بدون طيار، والتي تُستخدم في عمليات القصف والعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين. تقدم الشركة مجموعة متنوعة من الأنظمة الجوية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار من طراز Hermes، التي تُستخدم لتجميع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ الضربات الجوية. يستخدم جيش الاحتلال الطائرات بدون طيار في العديد من العمليات في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، مما أدى إلى استشهاد العشرات.

Palantir Technologies: هي شركة أميركية تُستخدم لتحليل البيانات الضخمة من قبل السلطات الإسرائيلية، حيث يتم جمع وتحليل بيانات عن الفلسطينيين لأغراض أمنية مما يُسرع في اتخاذ القرار الميداني.

والجدير ذكره أن نظام "لافندر" هو برنامج متطور يستخدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي، مستفيدًا من كل الشركات، لتحديد الأهداف أثناء العمليات العسكرية، حيث يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل المعلومات حول سكان غزة. تشير بعض المصادر إلى أنه قام بتحديد نحو 37,000 فلسطيني كأهداف محتملة.

هل من إمكانية لمساءلة تلك الشركات؟

يتضح كيف أن التكنولوجيا الرقمية يمكن أن تُستخدم كأداة لتعميق الانتهاكات والفتك بالفلسطينيين أو اللبنانيين، مما يؤكد ضرورة مساءلة الشركات الكبرى عن دورها في ذلك.
من الضروري أن يُدرك العالم مدى تأثير هذه الشركات على حياة الفلسطينيين واللبنانيين، وكيف أنها أدت وتؤدي إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين، وكيف أنها تُستخدم لتدمير الأعيان المدنية وليس الأهداف العسكرية.
وإذا كان من المتوقع أن يكون للتكنولوجيا دور في أن تكون الاستهدافات دقيقة مما يقلل الخسائر بين المدنيين، إلا أن العكس هو ما يحصل تمامًا، ما يعني أنها تستغل كأداة للإيقاع بأكبر عدد ممكن من الضحايا.

يمكن محاسبة الشركات المتورطة في هذه الجرائم عبر عدة وسائل. أولًا، يمكن رفع دعاوى قضائية ضد هذه الشركات في المحاكم المحلية أو الدولية، كما هو الحال مع NSO Group التي واجهت دعاوى؛ بسبب برنامج التجسس "بيغاسوس".
كما يمكن للحكومات، من خلال ضغوط المجتمع المحلي، أن تفرض تشريعات تمنع تصدير التكنولوجيا التي تُستخدم لأغراض إجرامية، مثلما يحدث مع اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع الدولي الاستفادة من حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات، مثل حركة BDS، للضغط على هذه الشركات لقطع علاقاتها مع إسرائيل.
أما على المستوى الدولي، فالمسار الدبلوماسي يشمل إثارة الموضوع أمام مؤسسات الأمم المتحدة، أو مجلس حقوق الإنسان، حيث تلتزم الشركات بمبادئ حقوق الإنسان في جميع أنشطتها. ويعزز الضغط الشعبي حملات التدقيق الأخلاقي التي تدفع الشركات إلى تبني مدونات سلوك أكثر صرامة. كما يمكن التعاون مع منظمات حقوقية دولية، مثل: هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية؛ لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة الشركات المتورطة.
تواجه الحقوق الرقْمية الفلسطينية تحديات كبيرة في ظل تزايد الاعتماد على التكنولوجيا كوسيلة للرقابة والقتل. وفي سياق العدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين، تُستخدم الابتكارات التكنولوجية ليس فقط لتعزيز الأمن، بل أيضًا لتعزيز أنظمة المراقبة القمعية والفتك بالفلسطينيين.
تساهم الشركات الكبرى في هذا الاتجاه من خلال توفير أدوات وتقنيات تُستخدم لأغراض عسكرية وأمنية، مما يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الفلسطينيين.
تسعى الشركات التكنولوجية بهذه العلاقات المشبوهة مع إسرائيل لتحقيق مصالح اقتصادية على حساب القيم والأخلاق، مما يُبرز ضرورة تحليل كيف تؤثر هذه الديناميكيات على حقوق الفلسطينيين في الفضاء الرقْمي.
تتجلى هذه الانتهاكات في استخدام تقنيات مثل: الذكاء الاصطناعي، وأنظمة التعرف على الوجه، التي تُعتبر أدوات تكنولوجية متطورة تساهم في زيادة استهداف الفلسطينيين.
سنتناول في هذا المقال كيف استفادت إسرائيل من التكنولوجيا الرقمية في تحقيق أهدافها العسكرية، كما سنستعرض الخيارات المتاحة لمواجهة هذه العلاقات المشبوهة.

أولًا: مفهوم الحقوق الرقمية:

الحقوق الرقمية هي مجموعة من الحقوق والحريات التي تُعتبر ضرورية للأفراد في الفضاء الرقمي، حيث تُعزز من قدرة الأفراد على استخدام التكنولوجيا بحرية وأمان. تشمل الحقوق الرقمية الأساسية الحق في الوصول إلى الإنترنت، الحق في الخصوصية، الحق في حرية التعبير، الحق في الأمان الرقمي، الحق في محو البيانات، الحق في التعليم الرقمي، مكافحة التمييز الرقمي، والحقّ في الشفافية.
وتُعد هذه الحقوق امتدادًا للحقوق الإنسانية الأساسية، ويجب أن تُحترم في العالم الرقمي، كما تُحترم في العالم المادي، وهي تصنف ضمن حقوق الجيل الرابع.
الإطار القانوني:
الحقوق الرقمية تم تكريسها في مجموعة من النصوص القانونية، أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) الذي يحمي حرية التعبير والخصوصية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) الذي يؤكد على حرية التعبير وحماية الخصوصية.
كما تضمن اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي حماية البيانات الشخصية وحق محوها، في حين تنص الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على حماية الخصوصية وحرية التعبير. إضافة إلى ذلك، تشدد مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان على مسؤولية الشركات في احترام الحقوق الرقمية، بما في ذلك عدم التمييز وحماية الخصوصية.
استخدام التكنولوجيا في انتهاك حقوق الإنسان:
وعلى الرغم من القوانين الموجودة، يتم استخدام التكنولوجيا بشكل متزايد كأداة لانتهاك حقوق الإنسان، وليس لرفاهيته وتسهيل حياته. وتُستخدم أدوات مثل: أنظمة المراقبة والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات لأغراض قائمة على التمييز العرقي أو الديني أو الإثني.

وتُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي أحيانًا لتحديد من يحصل على خدمات معينة، مثل: التأمين أو القروض، مما يؤدي إلى انتهاك الخصوصية وحرية التعبير. ومن أمثلة ذلك أيضًا تقنيات التعرف على الوجه والتحليل التنبُّئِي، التي تُعتبر أدوات تُستخدم لتحديد الأفراد المستهدفين.
في السياق الفلسطيني، يُظهر استخدام التكنولوجيا كيف يتم استغلال هذه الأدوات؛ لتعزيز قمع الشعب الفلسطيني، وتتبع تحركات الفلسطينيين سواء في القدس أم في الضفة الغربية أم قطاع غزة، مما يُعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الرقمية.

ثانيًا: إسرائيل والشركات الرقمية الكبرى:

استفادت إسرائيل بشكل كبير من التكنولوجيا الرقمية لتعزيز قدراتها العسكرية، مما فاقم من معاناة الفلسطينيين. تُوظف حكومة الاحتلال الابتكارات التكنولوجية لتطوير أدوات تُستخدم في العمليات العسكرية وعمليات المراقبة.
وقامت إسرائيل بتوظيف الشراكات مع الجامعات والشركات التكنولوجية الكبرى؛ لتطوير التكنولوجيا الرقمية بطرق إستراتيجية تعزز من قدراتها العسكرية والأمنية. تشمل هذه الشراكات التعاون مع جامعات مثل: تل أبيب، والجامعة العبرية، حيث تُسهم الأبحاث في تطوير أدوات عسكرية متقدمة مثل: أنظمة الذكاء الاصطناعي والمراقبة.
الشركات مثل NSO Group وElbit Systems تعمل بشكل وثيق مع هذه الجامعات لتطوير تكنولوجيا مثل: برامج التجسس، والطائرات بدون طيار. بالإضافة إلى ذلك، تُستغل نتائج الأبحاث العلمية لتحسين فاعلية أدوات المراقبة المستخدمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما يتم التعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، من خلال الجامعات، في تدريب الطلاب وتوظيفهم في مجالات التكنولوجيا والأمن، مما يُنتج جيلًا جديدًا من المتخصصين القادرين على دعم الابتكارات التكنولوجية، وتوظيفها في قتل الفلسطينيين والتنغيص على حياتهم.
كيف استفادت إسرائيل من التكنولوجيا؟

تتضمن العلاقات المشبوهة بين إسرائيل وعدد من الشركات التكنولوجية الكبرى:

غوغل وأمازون: من خلال مشروع "نيمبوس"، الذي يُزود الحكومة الإسرائيلية بخدمات الحوسبة السحابية. وتقدر قيمة الاتفاق الذي أعلن عنه في 2021 بحوالي 1.2 مليار دولار. يُعزز هذا التعاون قدرة إسرائيل على استخدام التكنولوجيا في العمليات العسكرية. وتوفر الحوسبة السحابية لإسرائيل القدرة على تحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر كفاءة، مما يُعزز من قدرتها على تنفيذ العمليات العسكرية.

فيسبوك وإنستغرام (Meta Platforms Inc.): تعرضت هذه المنصات لانتقادات شديدة؛ بسبب حذف المحتوى الفلسطيني الذي يوثق الانتهاكات. صحيح أنه لا يوجد اتفاق رسمي معلن بين هذه الشركة وإسرائيل إلا أنها تعتبر شريكًا إستراتيجيًا معها. وتُتهم فيسبوك بتطبيق معايير مزدوجة في التعامل مع المحتوى الفلسطيني، مقارنةً بالمحتوى الإسرائيلي، مما يُعزز من قمع حرية التعبير. وفي حالات عديدة، تم حذف المنشورات التي تُعبر عن التضامن مع القضية الفلسطينية أو تُظهر انتهاكات حقوق الفلسطينيين.

NSO Group: طورت هذه الشركة الإسرائيلية برنامج "بيغاسوس"، الذي يُستخدم لاختراق هواتف النشطاء والصحفيين الفلسطينيين. يُعتبر هذا الاستخدام انتهاكًا جسيمًا للخصوصية والأمان الشخصي، حيث يتم اختراق الهواتف المحمولة لجمع معلومات حساسة، وهو أحد أدوات أجهزة المخابرات الإسرائيلية.

Cognite Software: وهي شركة نرويجية تُشارك في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي للمراقبة، بما في ذلك تقنيات التعرف على الوجه. صحيح أن هذه الشركة ليست معروفة بمشاركتها المباشرة في تطوير أنظمة المراقبة الإسرائيلية، لكن تقنيات التعرف على الوجه تُستخدم على نطاق واسع من قبل الحكومة الإسرائيلية، مع وجود تقارير عن أنظمة مثل Red Wolf وWolf Pack لمراقبة الفلسطينيين.

Motorola Solutions: وهي شركة أميركية تقدم أنظمة للمراقبة تُستخدم في نقاط التفتيش الإسرائيلية، مما يُعزز من تقييد حركة الفلسطينيين. تُستخدم هذه الأنظمة لتحديد الأشخاص المستهدفين وتفتيشهم بشكل عشوائي. كما أنها تُستخدم بتتبع المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، وتُسرع في عملية التعرف عليهم وقتلهم أو اعتقالهم.
Motorola Solutions لديها شراكات واسعة مع الحكومة الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بتقديم أنظمة الاتصالات والمراقبة التي تُستخدم في المستوطنات ونقاط التفتيش الإسرائيلية. على سبيل المثال، طورت الشركة نظام MotoEagle، وهو نظام مراقبة يُستخدم في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وعلى طول جدار الفصل العنصري، ويعتمد على رادارات وكاميرات لتحديد التحركات البشرية. بالإضافة إلى ذلك، تُوفر Motorola Solutions أنظمة اتصالات مشفرة للجيش الإسرائيلي ولقوات الشرطة، مثل نظام "نِتسان" التكتيكي للاتصالات، الذي يخدم الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى. علاوة على ذلك، أبرمت الشركة عقودًا مع الحكومة الإسرائيلية لتقديم أنظمة الأمان والمراقبة لمشاريع كبيرة مثل خط السكك الحديدية في القدس الشرقية، مما يُعزز من البنية التحتية التي تربط المستوطنات مع القدس الغربية المحتلة.

HP Inc. (Hewlett-Packard): كانت متورطة في توفير أنظمة تكنولوجية تُستخدم في الحواجز العسكرية، بما في ذلك نظام البصمة البيومترية الذي يُستخدم في نقاط التفتيش. تساهم هذه الأنظمة في تعزيز الفصل العنصري، وتسهيل الرقابة على الفلسطينيين، مما يُعزز من الممارسات التي تحد من حرية الحركة.

Elbit Systems: تُعتبر واحدة من أكبر الموردين للطائرات بدون طيار، والتي تُستخدم في عمليات القصف والعمليات العسكرية ضد الفلسطينيين. تقدم الشركة مجموعة متنوعة من الأنظمة الجوية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار من طراز Hermes، التي تُستخدم لتجميع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ الضربات الجوية. يستخدم جيش الاحتلال الطائرات بدون طيار في العديد من العمليات في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، مما أدى إلى استشهاد العشرات.

Palantir Technologies: هي شركة أميركية تُستخدم لتحليل البيانات الضخمة من قبل السلطات الإسرائيلية، حيث يتم جمع وتحليل بيانات عن الفلسطينيين لأغراض أمنية مما يُسرع في اتخاذ القرار الميداني.

والجدير ذكره أن نظام "لافندر" هو برنامج متطور يستخدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي، مستفيدًا من كل الشركات، لتحديد الأهداف أثناء العمليات العسكرية، حيث يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل المعلومات حول سكان غزة. تشير بعض المصادر إلى أنه قام بتحديد نحو 37,000 فلسطيني كأهداف محتملة.

هل من إمكانية لمساءلة تلك الشركات؟

يتضح كيف أن التكنولوجيا الرقمية يمكن أن تُستخدم كأداة لتعميق الانتهاكات والفتك بالفلسطينيين أو اللبنانيين، مما يؤكد ضرورة مساءلة الشركات الكبرى عن دورها في ذلك.
من الضروري أن يُدرك العالم مدى تأثير هذه الشركات على حياة الفلسطينيين واللبنانيين، وكيف أنها أدت وتؤدي إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين، وكيف أنها تُستخدم لتدمير الأعيان المدنية وليس الأهداف العسكرية.
وإذا كان من المتوقع أن يكون للتكنولوجيا دور في أن تكون الاستهدافات دقيقة مما يقلل الخسائر بين المدنيين، إلا أن العكس هو ما يحصل تمامًا، ما يعني أنها تستغل كأداة للإيقاع بأكبر عدد ممكن من الضحايا.

يمكن محاسبة الشركات المتورطة في هذه الجرائم عبر عدة وسائل. أولًا، يمكن رفع دعاوى قضائية ضد هذه الشركات في المحاكم المحلية أو الدولية، كما هو الحال مع NSO Group التي واجهت دعاوى؛ بسبب برنامج التجسس "بيغاسوس".
كما يمكن للحكومات، من خلال ضغوط المجتمع المحلي، أن تفرض تشريعات تمنع تصدير التكنولوجيا التي تُستخدم لأغراض إجرامية، مثلما يحدث مع اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمجتمع الدولي الاستفادة من حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات، مثل حركة BDS، للضغط على هذه الشركات لقطع علاقاتها مع إسرائيل.
أما على المستوى الدولي، فالمسار الدبلوماسي يشمل إثارة الموضوع أمام مؤسسات الأمم المتحدة، أو مجلس حقوق الإنسان، حيث تلتزم الشركات بمبادئ حقوق الإنسان في جميع أنشطتها. ويعزز الضغط الشعبي حملات التدقيق الأخلاقي التي تدفع الشركات إلى تبني مدونات سلوك أكثر صرامة. كما يمكن التعاون مع منظمات حقوقية دولية، مثل: هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية؛ لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة الشركات المتورطة.


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013