أصبح من الضروري الآن نقل وقائع الحرب التي يشنها الكيان الإسرائيلي لإبادة الشعب الفلسطيني طوال عام تقريباً بكل الأشكال الوحشية إلى ساحة التسجيل التاريخي الموثق بكل تفاصيله لمنع إفلات المجرمين من الحساب والعقاب مهما طال الزمن ولتثبيت الحقائق التي تؤكد أن ما تعرض له الشعب الفلسطيني من جرائم إبادة لا يمكن للبشرية نسيانه على مر السنين.
فقد ولّدت هذه الحرب ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة انتفاضة في الرأي العام العالمي تندد بجرائم الكيان وأدت إلى ظهور مجموعات من المفكرين والصحفيين من اللافت جداً أن يكون بينهم يهود أميركيون وأوروبيون يعترفون بالجرائم التي ارتكبها الكيان الذي يزعم أنه يمثل يهود العالم وينددون بها، وهذه ظاهرة غير مسبوقة بين الجاليات اليهودية في العالم، ففي 14 أيلول الجاري نشر وليام أستور، وهو مقدم طيار متقاعد من سلاح الجو الأميركي وأستاذ التاريخ العسكري في مجلة «أنتي وور» الأميركية مقابلة أجراها مع البروفيسور في التاريخ العسكري الألماني والمختص بتاريخ «الجينوسايد- إبادة شعب» أومير بارتوف أكد فيها الأخير وهو يهودي أميركي أن «إسرائيل تقوم بإبادة شعب في قطاع غزة، والجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات وحشية مشابهة لعمليات الجيش الألماني النازي في الحرب العالمية الثانية ومن دون أن تجري محاسبته على ارتكاب جرائم حرب».
ويضيف بارتوف: إن جمهور الإسرائيليين يجري تشجيعه على عدم إبداء أي رحمة لمعاناة الفلسطينيين وبدأت الصهيونية تظهر بشكلها العنصري في حين يساعدها قادة الولايات المتحدة على إبادة الشعب في قطاع غزة و(رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو يريد إيجاد دولة لا وجود فيها للفلسطينيين وهو يضعهم بين خيار الرحيل أو الموت وهذا ما يعده القانون الدولي إبادة شعب واضحة. ومن المثير للتهكم أن يكون هذا القانون قد جرى تبنيه بعد الحرب العالمية الثانية لمصلحة اليهود الأوروبيين بعد ما تعرضوا له على أيدي النازية الألمانية.
ويشير المؤرخ اليهودي إلى «تأييد الولايات المتحدة لنتنياهو وأنها تشجع أسوأ الدوافع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين»، وكانت المنظمة الأميركية «الصوت اليهودي من أجل السلام» قد ناشدت «ضمائر الشعوب بالعمل على إيقاف حرب إبادة شعب فلسطين، ومنع إرسال الأسلحة لإسرائيل».
الكاتبة السياسية اليهودية الأميركية الشهيرة ايللين كانتارو من جامعة جورج تاون وتنشر مقالاتها في أهم الصحف الأميركية، نشرت مقالاً في صحيفة «ذا نيشين» الأميركية في 17 نيسان الماضي تحت عنوان مثير جداً: «حرب إسرائيل لإبادة شعب في غزة جريمة تاريخية عالمية» جاء فيه: «عندما كان اليهود الأوروبيون أثناء الحرب العالمية الثانية يتعرضون للقتل لم يهتم في حينها العالم، لكنه ها هو يستيقظ على جرائم يهود إسرائيل»، واستشهدت بما قاله المساعد السابق لأمين عام الأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان: «إن ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة هو من أعلى درجات القتل التي يرتكبها جيش في العالم».
واستذكرت ما قاله المؤرخ العسكري الأميركي اليهودي روبرت بابيه حين أطلق على ما تقوم به إسرائيل في غزة «مذبحة تعاقب فيها بحملة عسكرية تاريخية لا نظير لها سكاناً من المدنيين» وتستحضر كانتارو ما رأته حين زارت أقارب لها من المستوطنين في الضفة الغربية قائلة: حين قمت بزيارة إلى الخليل في الثمانينيات شاهدت ملصقات على جدران بيوت المستوطنين كتب عليها «سنضع كل العرب في غرف الغاز» وتضيف: «وفي ذلك الوقت حذر المفكر الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتش من خطر تحويل الجنود الإسرائيليين إلى جيش نازي، وهذا ما يعرضه جنود إسرائيليون عما يقومون به ضد الفلسطينيين في يوتيوب».
وتؤكد كانتارو أن «حرب الإبادة ضد الفلسطينيين أتاح الرئيس الأميركي جو بايدين تنفيذها بالطبع وما زال يرسل المليارات والأسلحة لإسرائيل بما في ذلك قنابل دمار شديدة الفاعلية ذات وزن 2000 باوند، ولولا هذه الأسلحة والذخائر لما تمكنت حكومة بنيامين نتنياهو من الاستمرار في هذه العمليات». ويوضح البروفيسور المنشق عن السياسة الإسرائيلية، إسرائيل شاحاك، في الصحيفة نفسها أن «إسرائيل تستخدم المحرقة لتبرير أعمالها في الأراضي الفلسطينية وهي أسوأ الانتهاكات لأنها جرائم تاريخية لحرب تشن على الفلسطينيين، وأنا من يعرف ذلك».
لا شك بأن العالم كله لن يستطيع التنكر لجرائم إبادة شعب تنفذها الحركة الصهيونية ومن يدعمها خلال قرن من الزمان ضد الشعب الفلسطيني لاستلاب وطنه وكل حقوقه ووجوده ومستقبله وسيتأكد له أن هذا الكيان لا مستقبل له فوق هذا الوطن والعالم وأن كثيرين من يهود العالم بدؤوا ينددون بهذا الكيان وبمن يدعمه من الدول الاستعمارية.