سيسجل تاريخ هذا القرن أسوأ انحياز غربي عالمي مع الإعلام الإسرائيلي الذي يصور يومياً حربه لإبادة شعب طوال عام تقريباً على أنها «دفاع عن النفس»، ويردد هذا الإعلام الغربي بكل صفاقة ومن دون وازع أو ضمير كل أشكال التضليل المكشوف أمام ما تراه كل البشرية من المذابح اليومية التي ترتكبها إسرائيل بحق أطفال وأمهات ونساء وشعب فلسطين. لكن أصوات الحقيقة والدفاع عنها لا تزال تدوي برغم محاولات كبتها ومنع انتشارها في كل أنحاء العالم، ففي خاتمة كتابه: «حين تصبح الحرب غير مرئية: كيف تخفي أميركا مسؤوليتها عن الخسائر البشرية التي تسببها آلتها العسكرية»؟ يوضح الكاتب نورمان سولومون المدير التنفيذي «لمعهد الدقة العامة» (بابليك آكيوراسي)، بعد جمعه وتدقيقه للحقائق المستمدة من نتائج الحرب الوحشية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، والتواطؤ الأميركي الشريك فيها، بأن «الحرب على غزة تكشف الأكاذيب وأنصاف الحقيقة، والحذف المتعمد لمصلحة إسرائيل التي قام بها الرئيس الأميركي بايدين ووزير خارجيته أنتوني بلينكين ومستشاره للأمن القومي جيك سوليفان، حين كانوا يتطرقون إلى قتل وإصابة عشرات الآلاف من الأطفال والنساء الفلسطينيين، ويطلقون على عمليات إبادتهم بالقتل غير المتعمد».
وكشف سولومون أنه في 12 كانون الأول عام 2023، بعد شهرين من الحرب على غزة، حاول بايدين أن يعبر عن «الحزن» على مقتل الفلسطينيين المدنيين في القصف العشوائي، لكنه في ذلك الوقت بالذات كان يرسل أطناناً من الذخائر إلى الجيش الإسرائيلي لاستمرار هذه الإبادة. وفي خاتمة كتابه التي تضم ثلاثين صفحة، يعرض سولومون صورة واضحة لسياسة النفاق الأميركية التي تبناها الرئيس الأميركي بايدين تجاه الحرب ونتائجها بالغة الوحشية، حين كان يتعمد القول بأن اتفاقاً سيتم التوصل إليه لإيقاف العمليات العسكرية الإسرائيلية، ويكرر أن مستشاره للأمن القومي سوليفان ذكر له أن الاتفاق بات وشيكاً وسيوافق عليه نتنياهو، ثم يعود ويكرر هذه الأكاذيب بعد أسابيع أو أشهر إلى أن عرض مبادرته وأعلن عند إطلاقها في 31 أيار الماضي بأن بنيامين نتنياهو شارك في وضعها، بل أصبح الإعلام الغربي يطلق عليها «مبادرة إسرائيل»، بهدف امتصاص نقمة الرأي العام الشعبي الغربي العالمي التي تزايدت أشكالها المنددة بحرب الإبادة، والمطالبة بإيقاف المذابح التي ترتكبها إسرائيل بذخائر أميركية. وها نحن في شهر أيلول وما زال نتنياهو يعلن رفضه لها ويستمر في حرب الإبادة والتدمير للشعب الفلسطيني وأراضيه ومدنه في قطاع غزة بشكل مكثف وبسرعة أكبر. وبالمقابل تستمر أوسع وأكبر ماكينات الإعلام الغربية بسياستها وخطابها المنحاز إلى كل السرديات الإسرائيلية، وتعاقب بالطرد والإقالة المراسلين الذين يسمحون لأنفسهم بعرض تقارير تكشف عن جزء من الحقيقة، وتمنع الاستشهاد بتقارير تتحدث عن الفظائع التي تعرض لها الشعب الفلسطيني طوال عام وما زال. ولو سمح الغرب لمتطوعين أطباء وممرضين ومختصين بالدعم النفسي وتوزيع المساعدات الغذائية، لوجدنا آلافاً بل عشرات الآلاف يطلبون التطوع لمساعدة الفلسطينيين. فالغرب كله الآن يتبع سياسة متعددة الأشكال والحدة في تعامله مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، كما تفرض الولايات المتحدة، الشريك الأكبر للكيان الإسرائيلي في جرائمه وفي العدوان ضد الشعب الفلسطيني، على دول العالم كله بما في ذلك بعض دول المنطقة أن تمتنع عن تقديم أي دعم إنساني بالغذاء أو الدواء أو الماء للشعب في قطاع غزة، كما تمنع الإدارة الأميركية الأمم المتحدة ومؤسسات أممية أخرى عن تقديم بل توزيع المساعدات لشعب فقد في القطاع 80 بالمئة من بيوته وبنيته التحتية الصحية والتعليمية والإنتاجية. وبالمقابل تستمر الماكينات الإعلامية العالمية وخاصة الأميركية بتحميل المسؤولية للضحية وبالسكوت على المسؤولين عن هذه الجرائم والمتواطئين معها من رؤساء الدول الغربية، وفي مقدمهم الرئيس الأميركي جو بايدين الذي يبرر لحكومة نتنياهو كل ما ترتكبه من جرائم لتصفية وجود شعب فوق وطنه. وفي هذه الصورة يغيب وجود ما يسمى بالأمم المتحدة التي أصبحت تتحكم بقراراتها الولايات المتحدة وحلفاؤها وفي مقدمهم الكيان الإسرائيلي، فهل سيسلم هذا العالم بحماية الظالم المجرم والانحياز إليه ضد الضحية التاريخية لهذا الكيان الإسرائيلي؟ يعلمنا التاريخ أنه لن يرحم هذا النظام العالمي الأحادي المعادي لكل الشعوب في هذه الأرض.